< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 17/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 12/ محورية العلم للمجتمع الإسلامي

 

يستظهر من خلال دراسة النصوص الشريفة أن العلم جعل محوراً للمجتمعات الإسلامية، وقبل بيان هذه الحقيقة والإستدلال لها بالنصوص الشريفة، لابد أن نمهّد بكلمة.

عن الشكر

نستفيد من جملة آياتٍ قرآنية كقوله الله سبحانه: ﴿وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرين﴾[1] وقال عزّ من قائل عن النبي إبراهيم عليه السلام: (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقيم‌) [2] ، وغيرهما من الآيات القرآنية، أن من أهم الأسباب التي فضّل بها الله سبحانه الأنبياء على سائلر البشر، هو الشكر، ففضلهم واجتباهم لأنه أعلم بالشاكرين، فما هو الشكر؟

الشكر هو التحسس بالنعمة، فكما أن الجسم بحاجة إلى الغذاء، كذلك الروح تحتاج إلى الغذاء، وغذائها الرضا والتحسس بالنعم الإلهية.

وحين يتحسس الإنسان بالنعمة يبحث عن مصدرها، ويبحث عن العوامل الموجبة لها، بل يبحث عن المزيد منها، ارأيت كيف سأل موسى عليه السلام المزيد من الخير من ربه تعالى حيث قال: ﴿فَسَقى‌ لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقير﴾[3] ، فهو تحسس بالنعمة أولاً ومن ثمّ أعلن فقره لها.

ومن هنا أدّبنا أولياء الله سبحانه أن نقدم على دعائنا شكر نعم الله سبحانه السالفة، ومن ثم نطلب منه المزيد.

وللشكر جانبٌ هامٌ آخر، وهو أن الإنسان يطور النعمة بشكرها، أي يجعلها متوافقةً مع حياته، فالذين عرفوا حقيقة النعم طوروها حسب حاجاتهم.

العلم محور المجتمع الإسلامي

وفي هذا السياق نقول أن محور المجتمع الإسلامي هو العلم، فهو قوةٌ مقابل قوىً أخرى، كقوة السلاح والمال والعصبية، ويعتمد كل مجتمعٍ على محورٍ من المحاور، يجمع شتاته ويحفظ إندفاعه، فقد تكون قوة السلاح محور بعض المجتمعات والثروة محوراً لمجتمعاتٍ اخرى، أو العصبية -كما يقول ابن خلدون في مقدمته-.

ولكن محور المجتمع الإسلامي هو العلم، ويقصد به العلم بالقيم الإلهية وإعتقاد الناس بها والعمل وفقها، الأمر الذي يسبب وحدتهم وتكاتفهم، وحصولهم على القوى العسكرية والإقتصادية أيضاً، ولكن المحور هو إتحادهم في الإعتقاد بقيم السماء وبصائر الدين.

ومن هنا؛ كلما كانت القيم أكثر رسوخاً، وكان إلتزام المجتمع بها أكثر، كلما كان المجتمع أكثر تماسكاً، وهكذا جعل العلم بالدين -الذي هو أساس معرفة القيم- محوراً للمجتمع، وأكد الإسلام عليه وعلى محورية العلماء فيه وبيان فضائل العلماء، كله إشارة على كونه العمود الأساس لتجمع الناس.

وكلما عرفنا هذه النعمة شكرناها، بالرضا بها، ومعرفة العوامل المؤدية إليها والحفاظ عليها وتطويرها.

وفيما يلي نتشرف ببعض النصوص الشريفة في فضل العلم ومقام العلماء، وقد جمع العلامة المجلسي قدس سره جملةً منها في موسوعته البحار:

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: "مَنْ سَلَكَ‌ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ وَ إِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ وَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَ لَا دِرْهَماً وَ لَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.[4]

     عَنِ ابْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام:‌ "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ وَ مُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ وَ الْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَ تَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَ هُوَ أَنِيسٌ فِي الْوَحْشَةِ وَ صَاحِبٌ فِي الْوَحْدَةِ وَ سِلَاحٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَ زَيْنُ الْأَخِلَّاءِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَاماً يَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ تُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ وَ تُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ- تَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خُلَّتِهِمْ يَمْسَحُونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَ نُورُ الْأَبْصَارِ مِنَ الْعَمَى وَ قُوَّةُ الْأَبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ وَ يُنْزِلُ اللَّهُ حَامِلَهُ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ وَ يَمْنَحُهُ مُجَالَسَةَ الْأَخْيَارِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ بِالْعِلْمِ يُطَاعُ اللَّهُ وَ يُعْبَدُ وَ بِالْعِلْمِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَ يُوَحَّدُ وَ بِالْعِلْمِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ وَ بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَ الْحَرَامُ وَ الْعِلْمُ إِمَامُ الْعَقْلِ وَ الْعَقْلُ تَابِعُهُ يُلْهِمُهُ اللَّهُ السُّعَدَاءَ وَ يَحْرِمُهُ الْأَشْقِيَاءَ."[5]

وهاتين الروايتين وشبههما، كرّست في المجتمع محورية العلم والقيم، وبهذا الترسيخ بقيت الأمة الإسلامية صامدة، فربما ضعفت قوتها العسكرية أمام قوىً أشد عدداً وعدةً، وربما ضعفت أمام قوةٍ إقتصادية، ولكنها لم تنهار، لأن قوتها الحقيقة هي العلم.

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: "فَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ وَ أَفْضَلُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ"[6] .

     عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله:‌ "لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ إِلَّا لِرَجُلَيْنِ عَالِمٍ مُطَاعٍ أَوْ مُسْتَمِعٍ وَاعٍ"[7] .

     قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله:‌ "أَرْبَعٌ يَلْزَمْنَ كُلَّ ذِي حِجًى وَ عَقْلٍ مِنْ أُمَّتِي قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُنَّ قَالَ اسْتِمَاعُ الْعِلْمِ وَ حِفْظُهُ وَ نَشْرُهُ عِنْدَ أَهْلِهِ وَ الْعَمَلُ بِهِ"[8] .

ونستفيد من هذه الروايات، أن العلم ليس خاصاً بطائفةٍ دون أخرى من الأمة، وإنما على جميع أبناء الأمة التعلم، ومن ثم يكون العلم الرابط بين قمة المجتمع وهم العلماء، وبين عموم المجتمع.

وهناك تحريضٌ وترغيبٌ كبير من ائمة الهدى عليهم السلام، على إحترام العلماء وتكريمهم، وجعلهم في المراتب العليا في المجتمع، مثل ما مرّ من إعتبارهم ورثة الأنبياء، أو أنهم كأنبياء بني اسرائيل، أو أن النظر إلى باب دار العالم عبادة، وأن العالم أفضل من ألف عابد، أو أن مدادهم أفضل من دماء الشهداء، وبهذا الأمر تتشكل المؤسسة الإجتماعية على أساس العلم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo