< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 16/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 11/ دور النصوص الشريفة في ترسيخ ولاية الفقهاء

 

ماهو دور نصوص أهل البيت عليهم السلام في تكريس ولاية الفقهاء؟

قبل كل شيء لابد أن نذكّر بأن الأحاديث التي وردت في هذا الحقل، تهدف بناء المجتمع الإسلامي الفاضل، ذلك المجتمع الذي لابد له من محور، ومحوره الولاية، لماذا؟

لأن توحيد الله سبحانه يتجلّى في الأرض عبر الولاية، فإما أن يخضع الإنسان للطاغوت فيخرج عن ولاية الله، أو يسلم وجهه لله سبحانه، وحينئذٍ فهو بحاجة إلى محورٍ لتسليم الوجه، كما يحتاج إلى الكعبة ليتوجه إلى الله في صلواته.

وهكذا كان الإنسان محتاجاً إلى أناسٍ يمثّلون الرب سبحانه في الأرض، فيلتف حولهم ويتولّاهم، وهم الأنبياء حيث تكررت الآية ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطيعُون﴾[1] في سورة الشعراء، لأن تقوى الله لا تتحقق إلا عبر إطاعة الأنبياء، وقد حوّل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تلك الولاية إلى أمير المؤمنين عليه السلام وولده من بعده في يوم الغدير.

وبالولاية يترسخ العمود الأساس لخيمة المجتمع الإسلامي، وليس علينا حينئذٍ سوى جمع الناس تحت مظلة خيمة الولاية.ومن هنا؛ فإن دور النصوص الشريفة إنما هو في تكريس هذه الولاية، وبعبارة أخرى: في تكريس توحيد الرب سبحانه في الأرض الذي لا يمكن أن يتحقق بطاعة الطاغوت أو الفوضى في القيادة.وقد جعل المحدثون من الإمامية النصوص في باب الحجة، في بدايات كتبهم، بعد نصوص العقل والعلم، وحين نتصفح الجزئين الأول والثاني من موسوعة بحار الأنوار، نجد كيف هندست الروايات للولاية.ففي البدء نجد الأبواب التي تتحدث عن فضل العلم والعلماء، وكيف أنهم سادة الناس بعد الأنبياء والصديقين، والسبب في ذلك أن الحديث عن العلم والعلماء، يجعل الفرد المنتمي لهذا السلك، مستغنياً بما لديه من العلم، عما في أيدي الناس من المال أو السلطة، فيكون سيداً لا تابعاً لا للمال ولأصحابه ولا للسلطة ولأصحابها.وهل يمكن أن يتجرد الإنسان عن سلطة المال، وقهر السلطة، وضغوط المجتمع؟بلى؛ إنما يكون ذلك بمعرفة قيمته هو، لأنه عالمٌ، والعلم يعلو على المال والسلطة.ومن هنا كان الباب الأول عن فضل العلماء، ومن ثم يتدرج الحديث عن صفات العلماء ومدى تمثلّهم للقيم الإلهية، وبعد تكرّس هذه القيمة في المجتمع بوجود رجالٍ أخلصوا لله سبحانه وتربوا في مدرسة التوحيد، وكفروا بالجبت والطاغوت وأنابوا إلى الله سبحانه، بعدئذٍ يبدأ الحديث عن حرمة إتباع غير العلماء، كاتباع أهل البدع والشبهات والمنحرفين وبالتالي الحديث عن الجانب السلبي في جانب الإتباع.ويأتي الباب التالي حول تفاصيل قيادة العلماء للناس، ودعوة الناس لإتباعهم والإلتفاف حولهم.أما الباب الأول، فيورد العلامة المجلسي قدس سره، حديثاً عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن دور العلماء في تفسيره المعروف، ويتسلسل الإمام في هذا الحديث نقل نصوصٍ عن المعصومين، بدءاً من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وصولاً للإمام الهادي عليه السلام، ومن ثم يحدثنا الإمام عليه السلام عن فضل العلماء ودورهم.

فقد روى العلامة المجلسي في البحار عن تفسير الإمام عليه السلام[2] : بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام قَالَ "حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ: أَشَدُّ مِنْ يُتْمِ الْيَتِيمِ الَّذِي انْقَطَعَ عَنْ أَبِيهِ يُتْمُ يَتِيمٍ انْقَطَعَ عَنْ إِمَامِهِ وَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ وَ لَا يَدْرِي كَيْفَ حُكْمُهُ فِيمَا يُبْتَلَى بِهِ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِ أَلَا فَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِعُلُومِنَا وَ هَذَا الْجَاهِلُ بِشَرِيعَتِنَا الْمُنْقَطِعُ عَنْ مُشَاهَدَتِنَا يَتِيمٌ فِي حِجْرِهِ أَلَا فَمَنْ هَدَاهُ وَ أَرْشَدَهُ وَ عَلَّمَهُ شَرِيعَتَنَا كَانَ مَعَنَا فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى"[3] .

ثم ينقل عن جده أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِشَرِيعَتِنَا فَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلْمَةِ جَهْلِهِمْ إِلَى نُورِ الْعِلْمِ الَّذِي حَبَوْنَاهُ بِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ يُضِي‌ءُ لِأَهْلِ جَمِيعِ الْعَرَصَاتِ وَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ لَا يَقُومُ لِأَقَلِّ سِلْكٍ مِنْهَا الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا عِبَادَ اللَّهِ هَذَا عَالِمٌ مِنْ تَلَامِذَةِ بَعْضِ عُلَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام، أَلَا فَمَنْ أَخْرَجَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْرَةِ جَهْلِهِ فَلْيَتَشَبَّثْ بِنُورِهِ لِيُخْرِجَهُ مِنْ حَيْرَةِ ظُلْمَةِ هَذِهِ الْعَرَصَاتِ إِلَى نُزْهِ الْجِنَانِ فَيُخْرِجُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَّمَهُ فِي الدُّنْيَا خَيْراً أَوْ فَتَحَ عَنْ قَلْبِهِ مِنَ الْجَهْلِ قُفْلًا أَوْ أَوْضَحَ لَهُ عَنْ شُبْهَةٍ"[4] .

ثم حكى أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيُّ عليه السلام عن جدته الصديقة الزهراء عليها السلام حديثاً مفصلاً جاء فيه: "إِنَّ عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ فَيُخْلَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ الْكَرَامَاتِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ عُلُومِهِمْ وَ جِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ اللَّهِ حَتَّى يُخْلَعُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَلْفُ أَلْفِ حُلَّةٍ مِنْ نُورٍ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادِي رَبِّنَا عَزَّ وَ جَلَّ أَيُّهَا الْكَافِلُونَ لِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله النَّاعِشُونَ لَهُمْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِمْ عَنْ آبَائِهِمُ الَّذِينَ هُمْ أَئِمَّتُهُمْ هَؤُلَاءِ تَلَامِذَتُكُمْ وَ الْأَيْتَامُ الَّذِينَ كَفَلْتُمُوهُمْ وَ نَعَشْتُمُوهُمْ فَاخْلَعُوا عَلَيْهِمْ خِلَعَ الْعُلُومِ فِي الدُّنْيَا فَيَخْلَعُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ الْأَيْتَامِ عَلَى قَدْرِ مَا أَخَذُوا عَنْهُمْ مِنَ الْعُلُومِ حَتَّى إِنَّ فِيهِمْ يَعْنِي فِي الْأَيْتَامِ لَمَنْ يُخْلَعُ عَلَيْهِ مِائَةُ أَلْفِ خِلْعَةٍ وَ كَذَلِكَ يَخْلَعُ هَؤُلَاءِ الْأَيْتَامُ عَلَى مَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُمْ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَعِيدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ الْكَافِلِينَ لِلْأَيْتَامِ حَتَّى تُتِمُّوا لَهُمْ خِلَعَهُمْ وَ تُضَعِّفُوهَا لَهُمْ فَيَتِمُّ لَهُمْ مَا كَانَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلَعُوا عَلَيْهِمْ وَ يُضَاعَفُ لَهُمْ وَ كَذَلِكَ مَنْ يَلِيهِمْ مِمَّنْ خَلَعَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ"[5] .

ثم روى الإمام عن الإمام الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام، أنه قال: " فَضْلُ كَافِلِ يَتِيمِ آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْقَطِعِ عَنْ مَوَالِيهِ النَّاشِبِ فِي رُتْبَةِ الْجَهْلِ يُخْرِجُهُ مِنْ جَهْلِهِ وَ يُوضِحُ لَهُ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ عَلَى فَضْلِ كَافِلِ يَتِيمٍ يُطْعِمُهُ وَ يَسْقِيهِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى السُّهَا[6] .[7]

ثم يذكر الإمام حديثاً عن الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام، وهو قوله: "مَنْ كَفَلَ لَنَا يَتِيماً قَطَعَتْهُ عَنَّا مَحَبَّتُنَا بِاسْتِتَارِنَا فَوَاسَاهُ مِنْ عُلُومِنَا الَّتِي سَقَطَتْ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْشَدَهُ وَ هَدَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَا أَيُّهَا الْعَبْدُ الْكَرِيمُ الْمُوَاسِي أَنَا أَوْلَى بِالْكَرَمِ مِنْكَ اجْعَلُوا لَهُ يَا مَلَائِكَتِي فِي الْجِنَانِ بِعَدَدِ كُلِّ حَرْفٍ عَلَّمَهُ أَلْفَ أَلْفِ قَصْرٍ وَ ضُمُّوا إِلَيْهَا مَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ سَائِرِ النِّعَمِ"[8] .

ثم قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيُّ عليه السلام قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: "أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى حَبِّبْنِي إِلَى خَلْقِي وَ حَبِّبْ خَلْقِي إِلَيَّ قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَفْعَلُ قَالَ ذَكِّرْهُمْ آلَائِي وَ نَعْمَائِي لِيُحِبُّونِي فَلَأَنْ تَرُدَّ آبِقاً عَنْ بَابِي أَوْ ضَالًّا عَنْ فِنَائِي أَفْضَلُ لَكَ مِنْ عِبَادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ بِصِيَامِ نَهَارِهَا وَ قِيَامِ لَيْلِهَا قَالَ مُوسَى وَ مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الْآبِقُ مِنْكَ قَالَ الْعَاصِي الْمُتَمَرِّدُ قَالَ فَمَنِ الضَّالُّ عَنْ فِنَائِكَ قَالَ الْجَاهِلُ بِإِمَامِ زَمَانِهِ تُعَرِّفُهُ وَ الْغَائِبُ عَنْهُ بَعْدَ مَا عَرَفَهُ الْجَاهِلُ بِشَرِيعَةِ دِينِهِ تُعَرِّفُهُ شَرِيعَتَهُ وَ مَا يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ وَ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَرْضَاتِهِ"[9] .

ثم روى الإمام عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ عليه السلام: "الْعَالِمُ كَمَنْ مَعَهُ شَمْعَةٌ تُضِي‌ءُ لِلنَّاسِ فَكُلُّ مَنْ أَبْصَرَ شَمْعَتَهُ دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ كَذَلِكَ الْعَالِمُ مَعَ شَمْعَةٍ تُزِيلُ ظُلْمَةَ الْجَهْلِ وَ الْحَيْرَةِ فَكُلُّ مَنْ أَضَاءَتْ لَهُ فَخَرَجَ بِهَا مِنْ حَيْرَةٍ أَوْ نَجَا بِهَا مِنْ جَهْلٍ فَهُوَ مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ وَ اللَّهُ يُعَوِّضُهُ عَنْ ذَلِكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ لِمَنْ أَعْتَقَهُ مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِمِائَةِ أَلْفِ قِنْطَارٍ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ بَلْ تِلْكَ الصَّدَقَةُ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهَا لَكِنْ يُعْطِيهِ اللَّهُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ بَيْنَ يَدَيِ الْكَعْبَةِ"[10] .

ثم قال أبو مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام قَالَ: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عليه السلام: عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا مُرَابِطُونَ بِالثَّغْرِ الَّذِي يَلِي إِبْلِيسُ وَ عَفَارِيتُهُ يَمْنَعُونَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا وَ عَنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ وَ شِيعَتُهُ النَّوَاصِبُ أَلَا فَمَنِ انْتَصَبَ لِذَلِكَ مِنْ شِيعَتِنَا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ جَاهَدَ الرُّومَ وَ التُّرْكَ وَ الْخَزَرَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ أَدْيَانِ مُحِبِّينَا وَ ذَلِكَ يَدْفَعُ عَنْ أَبْدَانِهِمْ"[11] .

ثم قَالَ عليه السلام: "قَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام: فَقِيهٌ وَاحِدٌ يُنْقِذُ يَتِيماً مِنْ أَيْتَامِنَا الْمُنْقَطِعِينَ عَنَّا وَ عَنْ مُشَاهَدَتِنَا بِتَعْلِيمِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ أَشَدُّ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ لِأَنَّ الْعَابِدَ هَمُّهُ ذَاتُ نَفْسِهِ فَقَطْ وَ هَذَا هَمُّهُ مَعَ ذَاتِ نَفْسِهِ ذَاتُ عِبَادِ اللَّهِ وَ إِمَائِهِ لِيُنْقِذَهُمْ مِنْ يَدِ إِبْلِيسَ وَ مَرَدَتِهِ فَذَلِكَ هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ عَابِدٍ وَ أَلْفِ أَلْفِ عَابِدَةٍ"[12] .

وقَالَ عليه السلام: "قالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام: يُقَالُ لِلْعَابِدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نِعْمَ الرَّجُلُ كُنْتَ هِمَّتُكَ ذَاتُ نَفْسِكَ وَ كَفَيْتَ النَّاسَ مَئُونَتَكَ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ أَلَا إِنَّ الْفَقِيهَ مَنْ أَفَاضَ عَلَى النَّاسِ خَيْرَهُ وَ أَنْقَذَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ‌ وَ وَفَّرَ عَلَيْهِمْ نِعَمَ جِنَانِ اللَّهِ وَ حَصَّلَ لَهُمْ رِضْوَانَ اللَّهِ تَعَالَى وَ يُقَالُ لِلْفَقِيهِ يَا أَيُّهَا الْكَافِلُ لِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ الْهَادِي لِضُعَفَاءِ مُحِبِّيهِمْ وَ مَوَالِيهِمْ قِفْ حَتَّى تَشْفَعَ لِمَنْ أَخَذَ عَنْكَ، أَوْ تَعَلَّمَ مِنْكَ فَيَقِفُ فَيُدْخِلُ الْجَنَّةَ مَعَهُ فِئَاماً[13] وَ فِئَاماً وَ فِئَاماً حَتَّى قَالَ عَشْراً وَ هُمُ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ عُلُومَهُ وَ أَخَذُوا عَمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ وَ عَمَّنْ أَخَذَ عَمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَانْظُرُوا كَمْ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ"[14] .

ثم حكى عليه السلام روايةً عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوَادُ عليه السلام أنه قال: "مَنْ تَكَفَّلَ بِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْقَطِعِينَ عَنْ إِمَامِهِمْ الْمُتَحَيِّرِينَ فِي جَهْلِهِمْ الْأُسَرَاءِ فِي أَيْدِي شَيَاطِينِهِمْ وَ فِي أَيْدِي النَّوَاصِبِ مِنْ أَعْدَائِنَا فَاسْتَنْقَذَهُمْ مِنْهُمْ وَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ حَيْرَتِهِمْ وَ قَهَرَ الشَّيَاطِينَ بِرَدِّ وَسَاوِسِهِمْ وَ قَهَرَ النَّاصِبِينَ بِحُجَجِ رَبِّهِمْ وَ دَلِيلِ أَئِمَّتِهِمْ لَيُفَضَّلُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ بِأَفْضَلِ الْمَوَاقِعِ بِأَكْثَرَ مِنْ فَضْلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَ الْعَرْشِ وَ الْكُرْسِيِّ وَ الْحُجُبِ عَلَى السَّمَاءِ وَ فَضْلُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى أَخْفَى كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ"[15] .

ثم قَالَ عليه السلام: "قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام: لَوْ لَا مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيْبَةِ قَائِمِنَا عليه السلام مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّاعِينَ إِلَيْهِ وَ الدَّالِّينَ عَلَيْهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْ دِينِهِ بِحُجَجِ اللَّهِ وَ الْمُنْقِذِينَ لِضُعَفَاءِ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ شِبَاكِ إِبْلِيسَ وَ مَرَدَتِهِ وَ مِنْ فِخَاخِ النَّوَاصِبِ لَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَ لَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْسِكُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الشِّيعَةِ كَمَا يُمْسِكُ صَاحِبُ السَّفِينَةِ سُكَّانَهَا أُولَئِكَ هُمُ الْأَفْضَلُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ"[16] .

و قَالَ عليه السلام أيضاً: "تَأْتِي عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا الْقَوَّامُونَ بِضُعَفَاءِ مُحِبِّينَا وَ أَهْلِ وَلَايَتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ الْأَنْوَارُ تَسْطَعُ مِنْ تِيجَانِهِمْ عَلَى رَأْسِ كُلِ‌ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَاجُ بَهَاءٍ قَدِ انْبَثَّتْ تِلْكَ الْأَنْوَارُ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ وَ دَوْرُهَا مَسِيرَةُ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ فَشُعَاعُ تِيجَانِهِمْ يَنْبَثُّ فِيهَا كُلِّهَا فَلَا يَبْقَى هُنَاكَ يَتِيمٌ قَدْ كَفَلُوهُ وَ مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ أَنْقَذُوهُ وَ مِنْ حَيْرَةِ التِّيهِ أَخْرَجُوهُ إِلَّا تَعَلَّقَ بِشُعْبَةٍ مِنْ أَنْوَارِهِمْ فَرَفَعَتْهُمْ إِلَى الْعُلُوِّ حَتَّى يُحَاذِي بِهِمْ فَوْقَ الْجِنَانِ ثُمَّ يُنْزِلُهُمْ عَلَى مَنَازِلِهِمْ الْمُعَدَّةِ فِي جِوَارِ أُسْتَادِيهِمْ وَ مُعَلِّمِيهِمْ وَ بِحَضْرَةِ أَئِمَّتِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يَدْعُونَ إِلَيْهِمْ وَ لَا يَبْقَى نَاصِبٌ مِنَ النَّوَاصِبِ يُصِيبُهُ مِنْ شُعَاعِ تِلْكَ التِّيجَانِ إِلَّا عَمِيَتْ عَيْنُهُ وَ صَمَّتْ أُذُنُهُ وَ أَخْرَسَ لِسَانُهُ وَ تَحَوَّلَ عَلَيْهِ أَشَدَّ مِنْ لَهَبِ النِّيرَانِ فَيَتَحَمَّلُهُمْ حَتَّى يَدْفَعَهُمْ إِلَى الزَّبَانِيَةِ فَتَدْعُوهُمْ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ"[17] .

وَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ عليه السلام: "إِنَّ مِنْ مُحِبِّي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله مَسَاكِينَ مُوَاسَاتُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ مساواة [مُوَاسَاةِ] مَسَاكِينِ الْفُقَرَاءِ وَ هُمُ الَّذِينَ سَكَنَتْ جَوَارِحُهُمْ وَ ضَعُفَتْ قُوَاهُمْ عَنْ مُقَابَلَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ يُعَيِّرُونَهُمْ بِدِينِهِمْ وَ يُسَفِّهُونَ أَحْلَامَهُمْ أَلَا فَمَنْ قَوَّاهُمْ بِفِقْهِهِ وَ عِلْمِهِ حَتَّى أَزَالَ مَسْكَنَتَهُمْ ثُمَّ سَلَّطَهُمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ الظَّاهِرِينَ النَّوَاصِبِ وَ عَلَى الْأَعْدَاءِ الْبَاطِنِينَ إِبْلِيسَ وَ مَرَدَتِهِ حَتَّى يَهْزِمُوهُمْ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَ يَذُودُوهُمْ عَنْ أَوْلِيَاءِ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَوَّلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْمَسْكَنَةَ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ فَأَعْجَزَهُمْ عَنْ إِضْلَالِهِمْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ قَضَاءَ حَقٍّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله"[18] .

ويتضح من جملة هذه النصوص الشريفة، مقام العالم، وكيف أن الأئمة عليهم السلام يمنحون العالم الثقة، ويبينون له عظمة دوره، وعظيم أجر الله سبحانه لهم يوم القيامة، الأمر الذي يكرّس في نفس العالم روح الإستقلال والتحدي.

 


[1] سورة الشعراء: الآية 108.
[2] أنظر: تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ج1، ص339.
[3] بحار الأنوار: ج2، ص2.
[4] بحار الأنوار: ج2، ص2.
[5] بحار الأنوار: ج2، ص2.
[6] السُّهَا أو السُّهَى أو الصَّيْدَقُ: هو نجم مرافق لنجم المئزر وأكثر خفوتاً منه، لا يرى من الأرض إلا خافتا.[المقرر].
[7] بحار الأنوار: ج2، ص3.
[8] بحار الأنوار: ج2، ص3.
[9] بحار الأنوار: ج2، ص3.
[10] بحار الأنوار: ج2، ص3.
[11] بحار الأنوار: ج2، ص3.
[12] بحار الأنوار: ج2، ص3.
[13] بيان العلامة المجلسي: الفئام بالهمز و كسر الفاء الجماعة من الناس و فسر في خطبة أمير المؤمنين ع في يوم الغدير بمائة ألف.
[14] بحار الأنوار: ج2، ص4.
[15] بحار الأنوار: ج2، ص4.
[16] بحار الأنوار: ج2، ص4.
[17] بحار الأنوار: ج2، ص4.
[18] بحار الأنوار: ج2، ص4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo