< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 11/ نصوص فضل العلم، ودور العلماء 7/ حدود طاعة ولاة الأمر/ مسؤوليات الحاكم الإسلامي 1

 

سبق القول بأن من أهم الغايات التي تهدفها الشرائع، تحرير الإنسان من القيود والأغلال، ومنها الأغلال السياسية، ولا يتيح الشرع فرض حكمٍ على الإنسان إلا ضمن شروطٍ ثلاث، هي بيعة الإنسان بإراداته، وأن تكون القيادة ربانية، و أن تكون القوانين مقتصرة على أقل قدرٍ ممكن.

ولكن قد يتسائل البعض عن الفرق بين الدولة الإسلامية وعلى رأسها إمامٌ شرعي يأمر فيجب أن يطاع، وبين حاكمٍ جائرٍ هو الآخر مطاعٌ في أوامره ونواهيه؟

يكمن الفرق في أن طاعة الأول هي من صميم عقل الإنسان وأرادته، وبالتالي هي طاعةٌ كريمة، بينما الثانية فإنها طاعةٌ تستلب الكرامة الإنسانية، ولتقريب الصورة نضرب مثلاً بمن يأخذ مال غيره عنوةً فإنك ترى صاحب المال يدافع عن ماله وربما يقتل في سبيل ذلك الدفاع، وربما يفقد ماله لعجزٍ عن الدفع، ولكن يختلف ذلك جذرياً مع من يدفع ماله بمحض إرادته وإختياره، ففي الحالة الأولى ربما يرفض دفع درهمٍ واحد بالقهر، بينما في الصورة الثانية قد يقدّم داره إنطلاقاً من كرم ذاته، فحين يدفع مختاراً فإنه يدفع بإطاعةٍ رشيدة مع حفظ كرامته، فالعقل أصل الإنسان فإذا أمره بالعطاء كان سائراً في سبيل الحرية والكرامة.

وكذا الأمر فيما يرتبط بالتعامل مع الوالدين، حيث أمر الرب بالإحسان إليهما – الذي هو من كرم الذات ونابعٌ من عقل الإنسان- ولكنه نهى عن طاعتهما فيما إذا أمراه بأن يشرك بالله سبحانه وتعالى.

الطاعة أصلها وأساسها لله سبحانه وطاعة الله حرية وكرامة وعقل، فهو الذي خلقنا ورزقنا وإليه المصير، أما طاعة المخلوق فإذا كانت عن الله سبحانه فإنها في ذات السبيل، والأنبياء كانوا المثل الأعلى لهذا الأمر، حيث دعوا الناس إلى إطاعة أوامرهم لكن لا لأشخاصهم بل بما هم مبلغون أمر الله سبحانه، قال الله سبحانه: ﴿قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون﴾[1]

نعم؛ هم بشرٌ كسائر الناس ولكن بإعتبار الرسالة والإرتباط بالله سبحانه إستحقوا الطاعة من قِبل الناس، فالشروط والصفات هي التي تؤهلهم لأن يكونوا قادةً في الأمة، قال تعالى:﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتي‌ ثَمَناً قَليلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُون﴾[2]

فباعتبارهم أسلموا لله يطاع الأنبياء، وباعتبار توفر الشروط في الأربعة في الأحبار يستحقون الطاعة.

وحيث قلنا بأن طاعة النبي ومن هو في خطهم من الأئمة، هي طاعة العقل والرشد والحرية، فذلك يعني أن على الأمة وبالذات على قيادتها، أن تسعى في تربية الناس في هذا الإتجاه، لا أن يتركوا فيقعوا في الأخطاء يم يتم معاقبتهم.

 

حدود طاعة القيادة الربانية

ما هي حدود الطاعة للقيادة الربانية؟

الطاعة في جانبين:

الأول: التسليم لهم بشكلٍ مطلق فيما يرتبط بتطبيق ما ثبت من الشريعة، فالإمام مسؤولٌ عن تهيئة ظروف تطبيق ثوابت الشرع كإقامة الصلاة.

الثاني:الطاعة في المتغيرات، التي تختلف باختلاف الظروف والأزمنة، كالعدالة التي يختلف الناس في مصداقها بإختلاف الظروف، وفي هذا المجال لابد تبصرتين:

الأولى: تدخل الحاكم في المتغيرات يكون مقتصراً على مورد الحاجة، لا مطلقاً، وتشخيص الحاجة راجعٌ إلى رأيه هو بإعتباره فقيهاً، بأن يجعل تصديه للأمور بقدر الضرورة، فلا يتدخل في صغير شؤون الناس وتفاصيلها، وقد ذكرنا فيما سبق أن الدول العصرية اليوم تحصر حرية الناس بمزيدٍ من القوانين، ويظهر من بعض الآيات أن الحكم يكون حين رجوع الناس إلى الحاكم، قال تعالى: ﴿فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في‌ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْليما﴾ [3]

ثانياً: فيما يرتبط بالقضايا المتغيرة والتي هي من شؤون الناس وأمورهم، قد جعل الرب سبحانه سبيل الشورى بينهم، حيث قال تعالى: ﴿وَ أَمْرُهُمْ شُورى‌ بَيْنَهُم﴾ [4] ، وهذا يختلف عن أمر الله الذي لا مجال لرأي الناس فيه.

مسؤوليات الحاكم الإسلامي

بين القرآن الكريم مسؤوليات الأنبياء جميعاً وبالذات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في آيات واضحة، ولابد أن نتبعها ونستفيد منها في معرفة مسؤولية خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وهم نقلوها إلى نوابهم بنسبةٍ معينة، إذ من المهم أن لا تتكون في الأمة ديكتاتورية بإسم الدين، التي هي أسوء الديكتاتوريات، ولذلك حدد الشارع مسؤوليات الحاكم، مع عدم السماح له بتحديد حريات الناس إلا في ضمن الحدود التي ذكرناها سابقاً.

والمسؤوليات التي نستفيدها من الآيات الكريمة بإختصار هي، أولاً: تربية المؤمنين وتزكية نفوسهم، ثانياً: تعليم الكتاب والحكمة.، ثالثاً: تنظيم صفوف الناس وتحويلهم إلى مؤسسات كالبنيان المرصوص، رابعاً: التصدي لمحاولات الأعداء في استلاب حقوق الأمة، كمحاولات الأعداء لتضليل الناس ثقافياً وعقائدياً، أو إستعمار بلادهم وإحتلالها.

وهذه جملة من المسؤوليات تنتظم وتتدرج، وسنفصّل الحديث عنها إنطلاقاً من النصوص الشريفة، ويمكن إستفادتها من السيرة النبوية وما قام به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله من تحويل تلك المهام إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقيام أمير المؤمنين عليه السلام بتحويلها إلى خلفائه من بعده، تسلسلاً حتى الوصول إلى العلماء العدول، نعم؛ للنبي الأكرم ما اختص به من صلاحيات، وللمعصوم صلاحيات ليست للعلماء، ولابد من ملاحظاتها، لكن عبر هذا السبيل يمكن معرفة وظائف العلماء، في المجتمع الإسلامي أو الدولة الإسلامية[5] .

وكذا يمكن مرفة المسؤوليات من جهة الحاجات، وهي الأمور الحسبية التي أرادها الله سبحانه تحققها وتعرف من خلال محكمات النصوص أو العقل السليم، فلو أصيب البلد بوباءٍ قاتل فالعقل يحكم بضرورة مواجهته لتخليص المجتمع منه، وكذا إقامة العدل والقسط والشهادة بالحق وغيرها من الأمور الحسبية، التي اتفق الجميع على أنها ضمن مسؤوليات الفقيه، حتى من لا يقول بولاية الفقيه في القضايا السياسية.


[5] لما قد مرّ بأن ولاية الفقيه ليست دوماً ولاية سياسية، بل هي في الأصل ولاية اجتماعية سارية على المكلفين حتى لو كان قلّة. [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo