< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 10/نصوص فضل العلم، ودور العلماء 6/ طغيان طابع النفي في النصوص الشريفة فيما يرتبط بنظام الحكم3

 

كان الحديث عن الإطار العام للنظام السياسي الإسلامي، والذي ينبغي أن يكون في قمة هرمه فقيهٌ عادلٌ وكفوء، وقبل الحديث عن تفاصيل هذه النظرية، تسائلنا عن السبب في عدم تفصيل النصوص الشرعية للنظام السياسي تفصيلاً وهو أم القوانين.

وقد بينّا جانباً من الجواب، والذي تلخص في أن أهم غايةٍ تهدفها الشرائع ومن ضمنها الشريعة الإسلامية، تحرير الإنسان المختطفة إنسانيته من قبل والديه والمجتمع ومن قبل السلطات السياسية الذين جعلوا عباد الله أشياعاً، وهذا هو الصراع الأول والأساس، وإن لم يتم إخراج الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية الله سبحانه، تبقى المهمة معطلة، ليس في السياسة فقط، بل في التشريع والأخلاق أيضاً، فالإنسان حينئذٍ يبقى عبداً إما للهوى أو للثقافات الباطلة أو للسياسيات والأنظمة الجائرة.

والقرآن الكريم حين يتعرض لذكر الإنسان يبين الصفات السلبية، وكأن كلمة الإنسان مقرونة بالجوانب السلبية، لأن الله سبحانه خلقه في أحسن تقويم ولكنه ردده إلى أسفل سافلين، قال تعالى: ﴿وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعيفا﴾ [1] ، وقال تعالى: ﴿وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولا﴾[2] ، وقال سبحانه: ﴿وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولا﴾

[3] ، وغيرها من الآيات القرآنية، التي تهدف إنتشال الإنسان من صفاته السلبية.

بيد أن ذلك لا يعني إخراج الانسان من عبودية الطاغوت إلى عبودية طاغوتٍ آخر، وهكذا لم تكن دعوة الأنبياء عليهم السلام إلى أنفسهم أبداً، بل دعوا الناس إلى الله سبحانه، فقد روي عن أبي جعفر عليه السلام في بيان حدود الجهاد المفترض: "اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ فِيهِ حِفْظَ الْحُدُودِ وَ أَوَّلُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ طَاعَةِ الْعِبَادِ وَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ وَ إِلَى وَلَايَةِ اللَّهِ مِنْ وَلَايَةِ الْعِبَادِ" [4]

 

بين حرية الإنسان وفرض القانون عليه

وهنا تكون الجدلية التي لابد من التنبه لها وعلاجها، فمن جهة نهدف الحفاظ على كرامة الإنسان وحريته واستقلاليته في القرار، ولكن من جهة أخرى نريد أن يكون هناك نظام، فكيف السبيل إلى هذين الهدفين المتعارضين، لحاجة المجتمع إلى النظام من جهة، وتحديد القوانين المفروضة لحرية الإنسان في كثيرٍ من الموارد، مما يسلبه حريته.

فيما يبدو أن معالجة هذه الجدلية تكون، بإعطاء الإنسان حريته كاملةً، ولا نستلبها إلا بثلاثة شروط:

أولاً: أن يكون ذلك برضاه.

ثانياً: بأن يكون المنظّم مقبولاً لدى الإنسان بأن يكون فقيهاً عادلاً مرضياً لدى الإنسان.

ثالثاً: أن يكون الإستلاب بأدنى قدر ممكن.

ومع توفر هذه الشروط الثلاث يتحول المجتمع إلى مجتمعٍ مثالي.

وقبل بيان تفصيل هذه الشروط، نبين بأن هذه الشروط لا حاجة إليها في كل مكانٍ وزمان، فبعض المجتمعات لا تحتاج إلى نظامٍ دقيق وقانونٍ ملزم، كيف؟

الإسلام هو منظومةٌ من العقائد والثقافة والتزكية والتعليم ويلي ذلك تنظيم المجتمع عبر الأحكام الشرعية، ومن ثم تكون التعاليم الأخلاقية والأداب الفردية والإجتماعية، فلو فرض إستيعاب مجتمعٍ للإسلام وتطبيقه كاملاً، فإنه سوف يستغني عن التنظيم القهري إلا بأقل قدر، وهذا هو معنى القانون الذي تكون وراءه قوة قهرية لتطبيقه.

وكلما ابتعد المجتمع عن الأخلاق والأداب السماوية، احتاج إلى قوة لتقهره على الإلتزام بالقوانين، ومن هنا نجد تفاوت المجتمعات في حاجتها إلى مراكز حكومية قهرية، بين مجتمعٍ لا يحتاج إليه أصلاً، وبين مجتمع لا يستغني عنها في إستقامة أمره.

ومن هنا، فإن ما نراه من تدخّل الحكومات العصرية في كل شيءٍ، وفي كل جوانب حياة الإنسان ليس أمراً صحيحاً، لأنه إستلابٌ لحرية الإنسان، والمطلوب السعي نحو تخفيف القوانين الإلزامية، وفي المقابل يتم تكثيف العمل على إدارة الناس أنفسهم بأنفسهم، وهذه هي السيرة المتبعة في الإسلام، حيث يلاحَظ قلّة الموظفين الحكوميين في إدارة شؤون المدن والدول، لوجود حالة من التفاهم والإلتزام بالآداب الحسنة.

وهذا ما نسعى إليه ونهدفه مثالياً، بتخفيف القوانين القهرية، في مقابل زيادة الآداب الإرادية للإنسان.

 

تفصيل القول في شروط فرض القوانينأولاً: قبول القوانين اختياراً

النظام الإسلامي قائمٌ على نظام البيعة، وهي واحدة البيع، الذي يعد من أهم العقود، بأن يكون هناك عقدٌ بين القائد وبين المجتمع، حيث نجد أن المسلمين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله في أكثر من موضع، فهناك تفاهمٌ وتعاقدٌ بين الناس وبين القيادة.

ويبدو أن ما ذهب إليه "روسو" في كتابه "العقد الإجتماعي" مأخوذٌ من هذا النظام الإسلامي.

ثانياً: أن يكون القائد مرضياً

بعد توفر شروط القيادة في القائد لابد أن يرتضيه الناس، وسيأتي لاحقاً الحديث عن رؤيتنا في النظام الإسلامي بكونه مزيجاً بين الشورى والولاية، فالحكم الإسلامي حسب فهمنا هو مزيجٌ بين حكمٍ إلهي يفرضه الحاكم الديني ويتقبله المتدينون بحريتهم، وبين قضايا ترتبط بأمور الناس أنفسهم، وهذا ينتظم بالشورى، فالحاكم يرسم الخطوط العريضة، أما الناس فعبر مجالس الشورى المختلفة ينظمون حياتهم وفق تلك الخطوط العريضة والقيم العامة.

ثالثاً: أقل قدر ممكن من تحديد الحرية

هناك طابعٌ خاطئ في الأنظمة الحكومية وحتى في بعض المؤسسات الدينية، يتسّم بالغلو في الأحكام والأنظمة، حيث نجد قوانين المنع والحرمة كثيرة جداً، والحال أن الإسلام جاء لتحطيم الأغلال ورفعها عن الإنسان لا إضافة أغلال وموانع عليهم، قال تعالى: ﴿وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتي‌ كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [5]

وحكوماتنا مع الأسف تسير في إتجاه وضع الأغلال وفق عقليةٍ ضيّقة، بعد أن أخذوا جوهر القوانين من الأنظمة الغربية، والحال أن الغربيين أنفسهم راحوا يخففون عن تلك القوانين مع تشبث حكامنا بها، وما نراه من إنتشار الرشا فإنما بسبب عدم التوسعة في القوانين وعدم إمكان تطبيق القوانين على أرض الواقع.

وبالتأمل في الآيات القرآنية نجد أن الإتجاه العام هو إتجاه الإنفتاح ورفض التشدد في الدين والغلو فيه، قال تعالى: ﴿قلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي‌ أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْق﴾ِ[6] ، وقال سبحانه: ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي‌ حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون﴾ [7] ، في مقام تحديد المحرمات، لا الإسترسال في تحريم كل شيء.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo