< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عن الوصی 13

 

إذا أوصى الموصي بدفع مبلغٍ من ثلثه في دينٍ له، فأبرأه الدائن، تسقط الوصية لإنتفاء الموضوع، كما هو الحال في سقوطها بزوال موضوعها، كما لو أوصى بتزويج إبنته من شخصٍ فماتت، ومع إنتفاء الوصية يرجع المعيّن لأجلها إلى التركة، إلا إذا كانت وصيته من جهة تعدد المطلوب، كما لو كان هدفه الحج بالأساس ولكن أوصى بإرسال شخصٍ معيّنٍ كنائبٍ عنه كداعٍ ثانٍ، فمات ذلك النائب، فلا تنتفي الوصية بل يرسل غيره.

 

مسألة: أخذ الوصي الأجرة

هل للوصي أن يأكل من أموال اليتامى، وبتعبيرٍ آخر هل له أن يأخذ الأجرة على عمله؟

قبل الخوض في الأقوال في المسألة، لابد من التذكير بأن القاعدة الأولية في إحترام المؤمن، الشاملة لماله وعرضه ودمه تشمل عمله أيضاً، ومن هنا فإن عمل الوصي محترمٌ، يستحق عليه الأجرة إلا إذا قصد التبرع بعمله وأخبر الموصي بذلك، حيث لا يجوز له الرجوع حينئذٍ عن تبرعه بعد موت الموصي.

ومن هنا، فمع عدم تبرعه كان له أن يأخذ بأجر المثل في عمله، وعلى هذا المعنى فسّر المشهور قوله سبحانه: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف﴾[1] ، أي ما تعارف بين الناس، غير أن البعض حدد جواز الأكل بما لو كان فقيراً[2] ، وذهب آخرون إلى جواز الأكل بقدر القوت لا بقدر أجرة المثل.

ومنشأ الإختلاف في القول هو الإختلاف في فهم النصوص الواردة في المقام، والحق أن الروايات التي يظهر منها جواز أخذ أجرة المثل، هي الأصرح دلالةً والأكثر عدداً، وقد عمل بها الأصحاب، كما أنها تتوافق مع عمومات العدالة واحترام عمل المؤمن وما أشبه.

لا يقال: بقبوله الوصية وجب عليه تنفيذها، فلا يجوز له أخذ الأجر عليه.

لأنه نقول: لا تلازم بين وجوب القيام بالعمل وأخذ الأجرة عليه -ما لم يقصد التبرع به- كما هو الحال في الطبيب الذي يجب عليه أن ينقذ نفس المريض، ولكن لا يجب عليه أن يفعل ذلك مجاناً، وكذا يجب على صاحب الطعام أن يدفعه للمحتاج في المخمصة، ولكن لا يجب عليه ذلك مجاناً، بل ربما يقال ذلك في بعض الأعمال التي يعتبر فيها قصد القربة أيضاً.

وأما النصوص الورادة في المقام فهي التالية:

الروايات:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِوُلْدِهِ وَ بِمَالٍ لَهُمْ فَأَذِنَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمَالِ وَ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَ هُوَ حَيٌّ"[3] .

عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فِيمَنْ تَوَلَّى مَالَ الْيَتِيمِ مَا لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ فَقَالَ: "يَنْظُرُ إِلَى مَا كَانَ غَيْرُهُ يَقُومُ بِهِ مِنَ الْأَجْرِ لَهُمْ فَلْيَأْكُلْ بِقَدْرِ ذَلِكَ"[4] .

وهذا تعبيرٌ آخر عن أخذ أجرة المثل، ولكن ربما يظهر من النص التالي أن القوت هو المقصود من الأكل بالمعروف – لا أجرة المثل-:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ )فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) قَالَ: "الْمَعْرُوفُ هُوَ الْقُوتُ وَ إِنَّمَا عَنَى الْوَصِيَّ أَوِ الْقَيِّمَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَ مَا يُصْلِحُهُمْ".

فحدد الإمام عليه السلام مقدار الأجر بالقوت، إنطلاقاً من لفظ "المعروف"، غير أن لفظ "القوت" لا يعني الإقتصار على الأكل الضروري، بل يرجع إلى ما هو متعارف.

هذا ويظهر من بعض النصوص تقييد جواز الأكل بما لو تفرّغ الوصي لشؤون اليتامى، أما إذا كان تنفيذه للوصية أمراً ثانوياً له، فليس له أن يأكل منها شيئاً:

     عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- (وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) فَقَالَ: "ذَلِكَ رَجُلٌ يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنِ الْمَعِيشَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَ يُصْلِحُ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئاً"[5] .

     عن أبي بصير، قال عليه السلام: "هَذَا رَجُلٌ يَحْبِسُ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ عَلَى حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَ يَشْغَلُ فِيهَا نَفْسَهُ فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدَّنَانِيرِ وَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عِنْدَهُ مَوْضُوعَةٌ"[6] .

     مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "سَأَلَنِي عِيسَى بْنُ مُوسَى عَنِ الْقَيِّمِ لِلْيَتَامَى فِي الْإِبِلِ وَ مَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا قُلْتُ إِذَا لَاطَ حَوْضَهَا وَ طَلَبَ ضَالَّتَهَا وَ هَنَأَ جَرْبَاهَا فَلَهُ أَنْ يُصِيبَ مِنْ لَبَنِهَا مِنْ غَيْرِ نَهْكٍ بِضَرْعٍ وَ لَا فَسَادٍ لِنَسْلٍ"[7] .

    

وتحدد بعض الروايات الآكل بالفقير لا الغني، وهي بدلالة الروايات السابقة تحمل على كراهة أكل الغني من أموال اليتامى:

     عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- (وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) فَقَالَ: "مَنْ كَانَ يَلِي شَيْئاً لِلْيَتَامَى وَ هُوَ مُحْتَاجٌ لَيْسَ لَهُ مَا يُقِيمُهُ فَهُوَ يَتَقَاضَى أَمْوَالَهُمْ وَ يَقُومُ فِي ضَيْعَتِهِمْ فَلْيَأْكُلْ بِقَدَرٍ وَ لَا يُسْرِفْ وَ إِنْ كَانَ ضَيْعَتُهُمْ لَا تَشْغَلُهُ عَمَّا يُعَالِجُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْزَأَنَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئاً"[8] .

 

     عَنِ الْكَاهِلِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَسَأَلَهُ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَقَالَ إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَخٍ لَنَا فِي بَيْتِ أَيْتَامٍ مَعَهُمْ خَادِمٌ لَهُمْ فَنَقْعُدُ عَلَى بِسَاطِهِمْ وَ نَشْرَبُ مِنْ مَائِهِمْ وَ يَخْدُمُنَا خَادِمُهُمْ وَ رُبَّمَا أُطْعِمْنَا فِيهِ الطَّعَامَ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِنَا وَ فِيهِ مِنْ طَعَامِهِمْ فَمَا تَرَى أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‌ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) فَأَنْتُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ إِلَى لَأَعْنَتَكُمْ ثُمَّ قَالَ إِنْ يَكُنْ دُخُولُكُمْ عَلَيْهِمْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمْ فَلَا بَأْسَ وَ إِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا"[9] .

 

وإن لم يكن لدى الوصي قصد التبرع أو أخذ الأجر، فالأصل هو إحترام عمل المؤمن، فما لم يتبرع بذلك فله أن يأخذ أجر عمله.

 


[1] سورة النساء: الآية 6.
[2] وذلك لأن الآية الشريفة قد حددت جواز الأكل بذلك ظاهراً، قال تعالى: (وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).
[3] تهذيب الأحكام: ج9، ص237.
[4] تهذيب الأحكام :ج9، ص343.
[5] الكافي: ج5، ص134.
[6] وسائل الشيعة: ج17، ص253.
[7] الكافي: ج5، ص129.
[8] الكافي: ج5، ص133.
[9] تفسير العياشي: ج1، ص107.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo