< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عن الوصي 10 / أمانة الوصي/ عدم جواز تبديل الوصية

 

الوصي أمينٌ، فلا يطالب بالبينة إذا ادعى تلف المال، أو تضرره، وهل تحدد تصرفاته بحدودٍ معينة؟

قالوا: لابد أن تكون تصرفاته ضمن حدود العرف، كما يتصرف في ماله الخاص، فلا يكلف بأكثر من المتعارف.

ولكن قد يستفاد من ظاهر قوله سبحانه: ﴿وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتيمِ إِلاَّ بِالَّتي‌ هِيَ أَحْسَن﴾[1] لزوم تحرّي الأحسن والعمل به.

وفيه: أن الأحسن في الآية -مضافاً إلى عدم دلالة أفعل التفضيل على وجود المفضول مطلقاً- راجعٌ إلى الأحسن عرفاً أيضاً، وهو طبيعيٌ في تصرفات الإنسان المالية، أما التحري عن الأحسن عقلاً فلا يلزمه لأنه يسبب الضرر والحرج للوصي وقد يسببه للمولّى عليهم أيضاً، فالتجارة عبر البحر قد تكون مربحةً، ولكنها في ذات الوقت تنطوي على مخاطر غرق السفينة، فالعرف يرى أن هذا القدر من الربح يستحق هذه المجازفة، فإذا خرج بها وتلفت لا يعد مقصراً.

مسألة: عدم تبديل الوصية

ليس للوصي أن يبدّل مضمون الوصية كما يرى، لأن الله سبحانه يقول: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليم‌﴾[2] ، نعم إذا كانت الوصية تتضمن الإثم والميل عن الحق، كان له أن يبدلها إلى الأصلح، حيث قال تعالى في الآية التالية: ﴿فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيم﴾[3] .

وفي هذا المجال نصوصٌ تدل على عدم جواز تبديل الوصية:

     عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يُوصِي بِنَسَمَةٍ فَيَجْعَلُهَا الْوَصِيُّ فِي حَجَّةٍ قَالَ يَغْرَمُهَا وَ يَقْضِي وَصِيَّتَهُ"[4] .

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةً بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ ثُلُثِهِ فَانْطَلَقَ الْوَصِيُّ فَأَعْطَى السِّتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ رَجُلًا يَحُجُّ بِهَا عَنِ الْمَيِّتِ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "أَرَى أَنْ يَغْرَمَ الْوَصِيُّ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ وَ يَجْعَلَ السِّتَّمِائَةِ فِيمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ فِي نَسَمَةٍ"[5] .

     عَنْ عَلِيِّ بْنِ فَرْقَدٍ صَاحِبِ السَّابِرِيِّ قَالَ: أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ بِتَرِكَتِهِ وَ أَمَرَنِي أَنْ أَحُجَّ بِهَا عَنْهُ فَنَظَرْتُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا شَيْ‌ءٌ يَسِيرٌ لَا يَكْفِي لِلْحَجِّ فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ وَ فُقَهَاءَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالُوا تَصَدَّقْ بِهَا عَنْهُ فَلَمَّا حَجَجْتُ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ فِي الطَّوَافِ فَسَأَلْتُهُ وَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ رَجُلًا مِنْ مَوَالِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَاتَ وَ أَوْصَى بِتَرِكَتِهِ إِلَيَّ وَ أَمَرَنِي أَنْ أَحُجَّ بِهَا عَنْهُ فَنَظَرْتُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكْفِ لِلْحَجِّ فَسَأَلْتُ مَنْ قِبَلَنَا مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا تَصَدَّقْ بِهَا فَتَصَدَّقْتُ بِهَا فَمَا تَقُولُ فَقَالَ لِي هَذَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي الْحِجْرِ فَأْتِهِ وَ سَلْهُ قَالَ فَدَخَلْتُ الْحِجْرَ فَإِذَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام تَحْتَ الْمِيزَابِ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى الْبَيْتِ يَدْعُو ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَرَآنِي فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ مَوَالِيكُمْ. قَالَ: فَدَعْ ذَا عَنْكَ حَاجَتُكَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مَاتَ وَ أَوْصَى بِتَرِكَتِهِ أَنْ أَحُجَّ بِهَا عَنْهُ فَنَظَرْتُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكْفِ لِلْحَجِّ فَسَأَلْتُ مَنْ عِنْدَنَا مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا تَصَدَّقْ بِهَا فَقَالَ: مَاصَنَعْتَ؟ قُلْتُ تَصَدَّقْتُ بِهَا. فَقَالَ: ضَمِنْتَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحَجَّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحَجَّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ ضَمَانٌ وَ إِنْ كَانَ يَبْلُغُ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَأَنْتَ ضَامِنٌ"[6] .

نعم إن لم يمكن تنفيذ الوصية، يصار إلى الأقرب إلى مراد الموصي -كما مرّ الحديث عن ذلك- فإن لم يكف المال لبناء المسجد شارك آخرَ في بناءه، وإن منع من بناء مسجد بنى حسينيةً لأنها أقرب شيءٍ إلى المسجد، وكذا إذا أوصى بدفع المال إلى الفقراء فلم يجد فقيراً وبدلاً عنه وجد إبن السبيل، دفعه إليه.

 

الثالثة: البيع للنفس

هل للوصي أن يتعامل في أموال الموصي مع نفسه، بأن يشتري البستان الذي أوصى ببيعه؟

قالوا: لا يجوز ذلك، لأنه كالوكيل ولا يجوز للوكيل ذلك، ولعدم جواز تولي الواحد طرفي العقد.

وفي كلا الدليلين نظر، ففي الأول لا يمنع الوكيل إن كانت الوكالة شاملة للبيع للنفس، فضلاً عن اختلاف الوصية للوكالة، وفي الثاني المنع من المنع، حيث ذهب المشهور إلى جواز تولي الواحد طرفي العقد في مثل باب النكاح، الذي هو أولى بالإحتياط مما نحن فيه.

فإذا قيل إن قوله سبحانه: ﴿وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتيمِ إِلاَّ بِالَّتي‌ هِيَ أَحْسَن﴾‌، يمنع من ذلك، قلنا إن البيع للنفس قد يكون هو الأحسن لمال اليتيم لجهةٍ من الجهات، كعدم أخذ الوصي بالخيار مثلاً.

نعم، ذهب العامة إلى عدم الجواز إنطلاقاً مما رووه عن إبن مسعود، الذي لا حجية لكلامه عندنا.

وكيف كان فالقول بالجواز أقرب، إلا أن يراد الإحتياط في الأمر، أو لفرض السلطات المنع رعايةً للمصالح العامة أو ما أشبه، والله العالم.

 


[1] سورة الأنعام: الآية 152.
[2] سورة البقرة: الآية 181.
[3] سورة البقرة: الآية 182.
[4] تهذيب الأحكام: ج9، ص225.
[5] تهذيب الأحكام: ج9، ص226.
[6] الكافي:ج7، ص22.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo