الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي
بحث الفقه
41/05/25
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: عن الوصي 8 / إلزام الغائب بقبول الوصية
لا تجب قبول الوصية على الوصي ذلك لأن الناس مسلطون على أنفسهم، ولا تلزم الوصية إلا بقبولها وموت الموصي، حيث لا يمكن للوصي الرجوع بعدئذٍ.
ولكن ذكروا إستثنائين لهذا الأمر، ناقشنا أولهما في البحث السابق وهو وصية الوالد لولده، والثاني فيما لو أوصى إلى غائبٍ، ولم يكن بإمكان الغائب أن يبلغ الموصي ردّه للوصية، ففي هذه الحالة تلزمه الوصية إن لم يلزم منها عسرٌ أو حرجٌ على الموصي.
هذا ما ذهب إليه المشهور، وعمدة دليلهم الروايات الصحيحة والصريحة في هذا المجال، والتي عمل بها القدماء وبعض المتأخرين.
هذا ولكن العلامة[1] في المختلف والشهيد الثاني[2] في المسالك ناقشا الأمر، وادعوا غرابة الحكم، لمخالفته تسلط الإنسان على نفسه، ولا ضرر، أما النصوص فقد حملوها على الإستحباب المؤكد على القبول لا لزومه، وذلك لأنه من حقوق المؤمن على أخيه.
والحق أنه نوعٌ من الإستبعاد للدليل ليس إلا، ولا يقاوم صريح الرويات الآتي ذكرها، ومع التنزل فلابد من التمسك بمدلول الروايات من باب الإحتياط الواجب.
أما ما قيل بأن الروايات محمولة على عدم جواز الرد بعد القبول، فهو مما لا تشير إليه روايات المقام أصلاً.
أما المشهور، فقد ذهبوا إلى الإلزام فيما لو لم يكن هناك حرجٌ أو ضررٌ على الوصي، وذلك لأنهما يرفعان كل حكمٍ أولي، كما لا يخفى، وأما النصوص التي استدلوا بها على المسألة فهي:
روايات المقام
• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "إِنْ أَوْصَى رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ وَ هُوَ غَائِبٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَصِيَّتَهُ فَإِنْ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ هُوَ بِالْبَلَدِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِلَ وَ إِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ"[3] .
وهي صحيحةٌ سنداً، وصريحةٌ دلالةً، فالتفصيل في النصوص يؤكد الحكم.
• عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "فِي رَجُلٍ يُوصَى إِلَيْهِ فَقَالَ إِذَا بُعِثَ بِهَا إِلَيْهِ مِنْ بَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا وَ إِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ يُوجَدُ فِيهِ غَيْرُهُ فَذَلِكَ إِلَيْهِ"[4] .
• عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ إِلَى أَخِيهِ وَ هُوَ غَائِبٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَصِيَّتَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاهِداً فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا طَلَبَ غَيْرَهُ"[5] .
• عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "فِي الرَّجُلِ يُوصَى إِلَيْهِ قَالَ إِذَا بُعِثَ بِهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا"[6] .
• عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الرَّجُلِ يُوصِي إِلَى رَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ فَيَكْرَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "لَا يَخْذُلْهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ"[7] .
• في الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: "إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ وَ هُوَ شَاهِدٌ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَ إِنْ كَانَ الْمُوصَى إِلَيْهِ غَائِباً وَ مَاتَ الْمُوصِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يَلْتَقِيَ مَعَ الْمُوصَى إِلَيْهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْمُوصَى إِلَيْه"[8] .
والخبر الرضوي – لولا سنده- صريحٌ في المطلوب، وقد أورد الصدوق في مقنعه متن هذه الرواية.
وربما يمكن حمل قبول مشهور القدماء لهذه الروايات، على كون الحكم معروفاً لدى المسلمين أو الشيعة على الأقل، خصوصاً بملاحظة كون الوصية قضية عامة الإبتلاء بين الناس.
ولا يقال بإرجاع الأمر في مثل هذه الحالة إلى الحاكم، لأنه معارضٌ لإرادة الموصي، خصوصاً إذا علمنا منه عدم ثقته بالسلطات الجائرة، فكأن قبول وصيته من الحقوق اللازمة على المؤمن.
وكيف كان؛ فما ذهب إليه المشهور موافقٌ للإحتياط ولابد من الإلتزام به، غير أنه يقتصر فيه على مورد النص لمخالفته للقواعد، فلو إحتال ورثة الموصي ولم يخبروا الوصي بالوصية إلا بعد وفاة الموصي، حيث كان بإمكانه أن يرفضها لو بلّغ بها في يحاته، فلا يحكم بوجوب قبول الوصية.
وأما رواية سعد بن إسماعيل فبالرغم من تفصيلها إلا أن جواب الإمام عليه السلام فيها مجملٌ، حيث روي عن سعد بن اسماعيل عن أبيه قال: سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ رَجُلٍ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَأَوْصَى إِلَى ابْنِهِ وَ أَخَوَيْنِ شَهِدَ الِابْنُ وَصِيَّتَهُ وَ غَابَ الْأَخَوَانِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَبَيَا أَنْ يَقْبَلَا الْوَصِيَّةَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَوَثَّبَ عَلَيْهِمَا ابْنُهُ وَ لَمْ يَقْدِرَا أَنْ يَعْمَلَا بِمَا يَنْبَغِي فَضَمِنَ لَهُمَا ابْنُ عَمٍّ لَهُمَا وَ هُوَ مُطَاعٌ فِيهِمْ أَنْ يَكْفِيَهُمَا ابْنَهُ فَدَخَلَا بِهَذَا الشَّرْطِ فَلَمْ يَكْفِهِمَا ابْنَهُ وَ قَدِ اشْتَرَطَا عَلَيْهِ ابْنَهُ وَ قَالا نَحْنُ نَبْرَأُ مِنَ الْوَصِيَّةِ وَ نَحْنُ فِي حِلٍّ مِنْ تَرْكِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَ الْخُرُوجِ مِنْهُ أَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُخَلِّيَا عَمَّا فِي أَيْدِيهِمَا وَ يَخْرُجَا مِنْهُ قَالَ: "هُوَ لَازِمٌ لَكَ فَارْفُقْ عَلَى أَيِّ الْوُجُوهِ كَانَ فَإِنَّكَ مَأْجُورٌ لَعَلَّ ذَلِكَ يَحُلُّ بِابْنِهِ"[9] .
فليس الخطاب موجهٌ للوصيين لأنه خطابٌ للمفرد، والأقرب أنه موجهٌ لإبن العم بأن يلتزم بكفالته لهما على إبن المتوفى، فيكون المعنى: عليك أن تلتزم بما شرطت لهما، فالرواية تكون اجنبية عن المطلب، والله العالم.