< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عن الوصي 5/ تعدد الأوصياء

 

قد يوصي الموصي إلى أكثر من شخص، سواء إثنين أو أكثر، فقد يحصل الإجمال في آلية توليهم للوصية بسبب إختلاف اللغات والأزمنة والأعراف والمقاصد، فهل هي وصيةٌ لكل واحدٍ منهما أو منهم بنحوٍ مستقل أم هي على نحو الشراكة، وإذا فقد أحدهم والحال هذه فهل يجعل الحاكم الشرعي بديلاً عنه في شورى الأوصياء أم لا يعيّن بديلاً عنه؟

وما نجده من إختلاف الفقهاء في هذه المسألة عائدٌ إلى إختلاف أزمنتهم وأعرافهم، وكلٌ إدعى الشهرة على مذهبه، وذلك صحيحٌ بحسب زمانه، الأمر الذي حدا بالشيخ النجفي[1] أن يرجع المسألة إلى الأزمنة، وهو حسنٌ في هذا المقام وفي مقاماتٍ أخرى أيضاً، إذ إن الكثير من المسائل تتعلق بالأعراف والظروف والمقاصد، فقد يكون الموصي مهتماً بوصول المال إلى الفقراء فقط ويعين أوصياء معينين ويخولهم بصرفه على الفقراء، ولا يقصد إشتراكهم في الرأي.

وقد وردت جملةٌ من النصوص حول مسألة تعدد الأوصياء، وبالتأمل فيها نجد أنها لا تحكم بالإشتراك أو الإنفراد في وصية الأوصياء، وإنما تؤكد على أن المعيار في الأمر هو رأي الموصي وضرورة تحصيله، كما أن بعضها ناظرةٌ إلى الواقع الخارجي، وبتعبيرٍ آخر هي قضيةٌ في واقعة:

 

     مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام رَجُلٌ مَاتَ وَ أَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ أَ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِنِصْفِ التَّرِكَةِ وَ الْآخَرِ بِالنِّصْفِ فَوَقَّعَ عليه السلام: لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يُخَالِفَا الْمَيِّتَ وَ أَنْ يَعْمَلَا عَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ"[2] .

فقد أمرهما الإمام بالعمل بحسب وصية الموصي، والواو في (وأن يعملا) مستأنفة، وكانت مخطوطة المكاتبة موجودة لدى الشيع الصدوق رضوان الله عليه.

في الفقه الرضوي: وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ إِلَى رَجُلَيْنِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ التَّرِكَةِ وَ عَلَيْهِمَا إِنْفَاذُ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا أَوْصَى الْمَيِّت‌[3] .[4]

فالمعيار إذاً هو رأي الميت، أما سبيل التعرف عليه فذلك أمرٌ آخر[5] .

وقد يحصل النزاع بين الأوصياء في نوع الوصية -من حيث الإنفراد أو الإشتراك- فيرفعان أمرهما إلى السلطان، وذلك أحد سبل فض النزاع، فمن الناحية الشرعية على السلطان العادل أن يتخذ كل ما من شأنه أن يقضي على النزاعات بين الناس، وإن نسبةً كبيرة من الآيات والروايات تبين أن إحدى الحكم الهامة وراء بعثة الأنبياء هو رفع النزاعات والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما في قوله سبحانه: ﴿فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في‌ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْليما﴾[6] ، وذلك لأن وحدة الأمة والمجتمع الإسلامي قيمة مهمة جداً في الدين الإسلامي، وما تشريع عشرات الأحكام إلا من أجل الوصول إلى ما يعبّر عنه اليوم بالسلم الأهلي.

ومن جملة ذلك وقوع الإختلافات بين الأوصياء، فيقوم السلطان بتقسيم التركة ويحدد صلاحية كلٍ من الأوصياء في جزءٍ منها، فقد روي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ مَالٌ فَهَلَكَ وَ لَهُ وَصِيَّانِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ؟ قَالَ: لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ قَدْ قَسَمَ بَيْنَهُمُ الْمَالَ فَوَضَعَ عَلَى يَدِ هَذَا النِّصْفَ وَ عَلَى يَدِ هَذَا النِّصْفَ أَوْ يَجْتَمِعَانِ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ"[7] .

وهذه الرواية واضحةٌ كالروايات السابقة المرتبطة بطبيعة الوصية، ولكنها تلحظ جهة معالجة الإختلاف، ومن هنا فلا بأس بما ذكره صاحب الجواهر قدس سره بأن إختلاف الحكم في المسألة يرتبط بإختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال، التي ليس من وظائف الفقيه تنقيحها.

وهو صحيحٌ، لأنه لا يهمنا إلا معرفة رأي الموصي في الأمر، ومن سبل التعرف عليه، الرجوع إلى اللغة والعرف، الأقرب فالأقرب، ومن المقاييس المعروفة لدى العرف لمعرفة المراد هو أن يضع المرء نفسه مكان الموصي، ومن ثم يرى ما يقصد من وصيته.

الأصل في المقام

وهل الأصل عند الشك في الأمر هو الإنفراد أم الإشتراك؟

الأصل هو العدم، ففيما إذا شككنا في طبيعة الوصية أو صلاحية الوصي، فالأصل عدهما، ومن هنا مع الشك في جواز إنفراد الوصي في الوصية، فإن الأصل هو عدم الجواز.

فقد أحد الأوصياء

لو فقد أحد الأوصياء بموتٍ أو غياب، مع إشتراط الموصي أن يعملا على نحو الإشتراك، ففي هذه الحالة فإن الوصي الموجود وصيٌ على النصف المشاع للتركة، ويقوم الحاكم بتعيين وصيٍ ثانٍ، إلا إذا علم إرادة الموصي الإشتراك في الوصية ما داما موجودين، ومع فقد أحدهما ينفرد الثاني.

 


[1] قال في الجواهر: ج28، ص408: " و على كل حال فالإنصاف اختلاف ذلك باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأحوال، التي ليس من وظائف الفقيه تنقيحها، و التحقيق ما عرفت". [المقرر].
[2] الكافي: ج7، ص46.
[3] الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: ص211.
[4] هذا ولكن ورد في الكافي روايةٌ يظهر منها إمكان الإنفراد بالوصية، حيث روى - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَخَوَيْهِ مُحَمَّدٍ وَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مَاتَ وَ أَوْصَى إِلَيَّ وَ إِلَى آخَرَ أَوْ إِلَى رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا خُذْ نِصْفَ مَا تَرَكَ وَ أَعْطِنِي النِّصْفَ مِمَّا تَرَكَ فَأَبَى عَلَيْهِ الْآخَرُ فَسَأَلُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ". ويمكن أن تحمل على وجود حالة من الخلاف بين الوصيين فأنهاه الإمام بذلك [ المقرر].
[5] تعرض السيد المرجع الوالد إلى ذلك في مسائل إجمال الوصية، فراجع. [المقرر].
[6] سورة النساء: الآية 65.
[7] الاستبصار: ج4، ص119.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo