< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عن الوصي 4/ الوصية إلى الصغير 2/ الوصية إلى المرأة

 

ذكرنا أن الوصية إلى الصغير تصح إذا ضمّ إلى الكبير، وفي هذه الحالة قد تكون بعض الحالات الطارئة، كموت الصبي قبل البلوغ أو بعده، أو موت الكبير قبل بلوغ الصبي أو بعده، فما الحكم في هذه الصور؟

ليتضح الحكم في الحالات المختلفة، لابد من تأسيس القواعد المعتمدة وهي التالية:

أولاً: الحاكم هو وصي من لا وصي له، ويتم ذلك بتعيينه وصياً للميت إن لم يكن له وصياً.

ثانياً: الوصية تتبع إرادة الموصي، فكيفما أوصى يكون هو المتبع والمعتمد.

ومن هنا فإن كان الموصي قد أوصى إلى شخصٍ بمفرده وقد يوصي إلى أكثر من شخص، وحينئذٍ لابد من معرفة كيفية إيصائه لهما، هل هو على نحو إنفرادٍ كل منهما، أم منضماً إلى بعضهما البعض، فإذا كان على النحو الأول فلا حاجة إلى الرجوع إلى الحاكم الشرعي، لأن الثاني وصيٌ شرعي.

ولكن إن علم إرادته اشتراكهما في الوصية، فإن مات أحدهما أو بلغ الصبي سفيهاً أو مجنوناً، فلا يمكن أن ينفرد الكبير بالوصية، بل لابد من تنصيب الحاكم وصياً آخر معه.

بيد أن كلمات الفقهاء ليست واضحة في هذه المسألة بشكلٍ كافٍ، ولذلك وقع الاختلاف بينهم، وعمدته يكمن فيما لو لم يعرف مراد الموصي في وصيته لإثنين هل هي على نحو الإنفراد أم الإشتراك، وحينئذٍ فما هو الأصل المتبع؟

فيما يبدو من مذهب المحقق[1] ، أن مجرد وجود وصيٍ كافٍ لتحقق الوصية ولا شأن للحاكم الشرعي، ولكن ذهب آخرون إلى أن الوصية المنضمة لا تكون كاملة، فهي تفتقر إلى تتميمها بيد الحاكم، ويجري ذلك على ما لو أوصى إلى كبيرين منضمين إلى بعضهما البعض فمات أحدهما.

وربما يقال[2] بإستصحاب وصية الكبير، حيث كانت كاملةً قبل بلوغ الصبي -كما في رواية علي بن يقطين- فإن مات الصبي أو بلغ سفيهاً، فإنا نشك في زوال الوصية فنستصحب البقاء.

وفيه أن الإستصحاب لا وجه له عند الشك في المقتضي، فنحن لا علم لنا بإنفراد وصية الكبير أو إنضمامه، وحيث لا علم لنا فالأصل -في مقام الثبوت- هو عدم كمال الوصية، لأصالة الأقل.

مضافاً إلى أننا أمام أصلٍ عملي، فهل يجوز للوصي أن يعمل منفردا؟ الأصل هو العدم في مقام الثبوت بعيداً عن الإثبات.

فحيث لا مجرى للإستصحاب، يعمل باصالة عدم إنفراد الوصي، وهو موافقٌ للإحتياط.

 

الوصية إلى المرأة

هل تجوز الوصية إلى المرأة، وهل تجوز وصية المرأة إلى الرجل؟

ذهب عامة علمائنا إلى الجواز، والقول بالمنع شاذٌّ عندنا، واستدل المانع على أن المرأة -خصوصاً في السابق- بعيدةٌ عن إدارة الأموال والأعمال، ولذلك ألحقوها بالسفيه في هذا المجال، وهناك بعض النصوص التي يظهر منها المنع، والمحمولة على التقية لموافقتها مذهب العامة، أو هي محمولةٌ على الكراهة.

وفي مقابل الروايات المانعة، رواياتٌ دلت على الجواز، وهي المعتمدة في المقام:

     عَنِ الْعَبَّاسِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ امْرَأَةً أَوْصَتْ إِلَى امْرَأَةٍ وَ دَفَعَتْ إِلَيْهَا خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَ لَهَا زَوْجٌ وَ وُلْدٌ وَ أَوْصَتْهَا أَنْ تَدْفَعَ سَهْماً مِنْهَا إِلَى بَعْضِ بَنَاتِهَا وَ تَصْرِفَ الْبَاقِيَ إِلَى الْإِمَامِ فَكَتَبَ: "يُصْرَفُ الثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ إِلَيَّ وَ الْبَاقِي يُقْسَمُ عَلَى سِهَامِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بَيْنَ الْوَرَثَةِ"[3] .

     عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى إِلَى امْرَأَةٍ وَ شَرَّكَ فِي الْوَصِيَّةِ مَعَهَا صَبِيّاً فَقَالَ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَ تُمْضِي الْمَرْأَةُ الْوَصِيَّةَ وَ لَا تَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصَّبِيِّ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا بِأَنْ يَرْضَى إِلَّا بِمَا كَانَ مِنْ تَبْدِيلٍ أَوْ تَغْيِيرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَى مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ"[4] .

 

وأما الروايات المانعة فهي:

     السَّكُونِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: الْمَرْأَةُ لَا يُوصَى إِلَيْهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.[5]

     وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ قَالَ:" لَا تُؤْتُوهَا شَارِبَ الْخَمْرِ وَ لَا النِّسَاءَ ثُمَّ قَالَ وَ أَيُّ سَفِيهٍ أَسْفَهُ مِنْ شَارِبِ الْخَمْرِ"؟[6]

وحملت هذه الروايات على التقية لموافقتها مذهب العامة جميعاً، أو الكراهة كما فعل ذلك الصدوق رضوان الله عليه، حيث قال: إنما يعني كراهة اختيار المرأة للوصية، فمن أوصى إليها لزم القيام بها على ما تؤمر به ويوصى إليها فيه إن شاء الله[7] .

 

أما عن وصية المرأة إلى الرجل فهو الآخر جائز ولا إشكال فيه، ودلت عليه النصوص الشريفة، كوصية فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، أو وصية سيدة النساء لزوجها أمير المؤمنين عليهما السلام، ففي الكافي ِ أنها لَمَّا مَرِضَتْ أَوْصَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتِقَ خَادِمَهَا وَ اعْتُقِلَ لِسَانُهَا فَجَعَلَتْ تُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِيمَاءً فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَصِيَّتَهَا"[8] .

فمسألة الوصاية إلى الرجل أمرٌ واضح، كما هو العكس.

وفي هذا المجال نشير إلى قضية هامة: هناك منحىً فقهي، خصوصاً في فقه العامة ينحو نحو التشدد بتحريم الأمور، وهذا المنحى غير صحيح أساساً، لأن الدين أوسع من السماء إلى الأرض كما في حديث الإمام الصادق عليه السلام، وأن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بدون مستند، بل الآيات والروايات الدالة على سماحة الشريحة كثيرة جداً، وينبغي أن تؤخذ هذه النصوص بجد، فهي منهج للفتيا، وليست مجرد شعارات.


[1] قال في الشرائع: ج2، ص202: " و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للعاقل الانفراد بالوصية و لم يداخله الحاكم لأن للميت وصيا". [المقرر].
[2] وهو ما أشار إليه المحقق النجفي في الجواهر: ج28، ص402 بقوله: " لعدم شريك له الكون الفرض موت الصبي قبل البلوغ الذي هو شرط صحة نصبه وصيا، و كذا الكمال فلم يشاركه أحد في وصايته، و لا وجد ما يزيلها فهي مستصحبة على الحال الأول". [المقرر].
[3] الاستبصار: ج4، ص126.
[4] الإستبصار: ج4، ص140.
[5] من لا يحضره الفقيه: ج4، ص226.
[6] من لا يحضره الفقيه: ج4، ص226.
[7] الوسائل: ج13 ص.438 الباب49 من أبواب الوصايا ح4.
[8] الكافي: ج1، 453.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo