< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عن الوصي 3/ الوصية إلى الصغير/ الوصية إلى الكافر

 

قلنا أن الوصية للصغير لا تصح إلا مضموماً، ولكن هل تصح الوصية إليه مع ملاحظة حالة بلوغه، أي الوصية له إذا بلغ؟

وقبل الإجابة، لابد أن نؤكد أن المحور في الوصايا هو مراد الموصي حيث لابد من التعرف عليه وسبيل التعرف على مراده، هو اعتماد اسلوب المحاورات الشخصية للموصي أو العرف، وبالتالي ما يورث الطمأنينة من مراد الموصي.

فإذا علم إرادة الموصي وصية الطفل بملاحظة حالة بلوغه، كما لو صرّح بذلك أو أوصى بأمورٍ هي أمورٌ مستقبلية تقتضي بلوغه حتى موعد تنفيذها، فإن ذلك يصح، ولكن السؤال عن الفترة المتخللة، هل يبقى الموصي بلا وصيٍ معين؟

في المسائل العاجلة، يتولى الحاكم الشرعي أمره، كما لو حصل سيلٌ على الأراضي وكان لابد من إتخاذ قرارٍ طارئ، أو مرض اطفاله وما أشبه، أما في الحالات الطبيعية، فليست ثمة حاجة على أن تكون هناك وصايةٌ على الموصي.

هذا كله إذا أوصى إلى الصغير منفرداً، أما إذا أوصى إليه منضماً إلى أخيه الكبير مثلاً، ففي هذه الحالة يحتمل أن تكون الوصية لهما كلٌ على إنفراد، كما يحتمل أن تكون الوصية لهما بالإشتراك، بحيث يتوقف التنفيذ على إرادتهما معاً، ولابد من معرفة إرادة الموصي في الإنفراد وعدم الإنفراد في الوصية المنضمة.

وإذا مات الطفل قبل بلوغه فهل يعيّن الحاكم الشرعي وصياً آخر بدلاً عنه، وكذا لو بلغ مجنوناً أو سفيهاً؟

يختلف الأمر باختلاف نوع الوصية المنضمة، فإن كان الإنضمام على نحو الإشتراك، بحيث لا يكون للوصي الأكبر أن يتصرف إلا مع الثاني، فعلى الحاكم أن يعين وصياً آخر، لأن الكبير ليس وصياً كاملاً بل هو وصيٌ بشرط الإنضمام، أم إذا كان المراد بكون الثاني مكملاً للأول، فلا حاجة إلى تعيين وصيٍ آخر.

ومع عدم التمكن من تحديد إرادة الموصي في نوع الوصية لهما، على هي على نحو الإنفراد أم الإشتراك، فقد قيل بجريان الإستصحاب في وصاية الكبير مع موت أو جنون الصغير، وفيه أنا قلنا بعدم جريان الإستصحاب فيما لو كان الشك في المقتضي، وذلك لأنا لا نعرف نوع الوصية التي أوصى بها الموصي منذ البدء، وحينئذٍ فلا يترك الإحتياط في المقام، بمشاركة الحاكم للوصي الأكبر مع فقدان الصغير الأهلية للوصاية.

وكذا العكس، كما لو مات الولد الأكبر قبل أن يبلغ الصغير، فإذا بلغ الصغير هل سيكون مستقلاً في الوصاية، حيث لا يترك الإحتياط.

وقد قلنا بالإحتياط بولاية الأم على أولادها، حيث ذهبنا إلى توليها أمور أبنائها بفقد الولي، ولكن تحت إشراف الحاكم الشرعي، والتشاور معه، لإحتمال شمول قوله سبحانه ﴿واولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ للأم.

 

الوصية إلى الكافر

هل تصح الوصية إلى الكافر؟

ذهب المشهور إلى المنع، بل ادعي عليه الإجماع، لأنا اشترطنا العدالة في الموصي، فإعتبار الإسلام هو من بابٍ أولى، هذا ولكن البعض إحتمل جواز الإيصاء إلى الكافر واستدل على ذلك بأمور:

الأول: الأهم في الوصية هو أمانة الوصي، ورب كافرٍ هو عادلٌ في دينه، وأمينٌ في تصرفاته، فلماذا المنع من الوصية له، والعدالة فهي معتبرة للإستيثاق، الأمر الذي قد تححق بوثاقة الكافر.

الثاني: إن الرب سبحانه لم ينه عن البر بالكافر الذي لم يحارب المسلمين في الدين.

وكيف كان، فقد ذهب المشهور إلى المنع، ولكنهم أجازوا وصية الكافر للكافر مثله، من باب الإلزام، نعم؛ مع مراجعتهم للمسلمين فلا نأخذ بوصيتهم.

ولكن الظاهر أن وصية الكافر تجوز إلى الكافر حتى مع الرجوع إلى المسلمين، وذلك لأن من شروط الذمة هو إعطاء الحقوق لهم ومن ذلك إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، نعم؛ يمكن أن يقال بعدم العمل بالوصية إذا راجعوا المسلمين فيما إذا قصدوا اتباع أحكام الإسلام، قال المحقق قدس سره: " و لا يجوز الوصية إلى الكافر و لو كان رحما نعم يجوز أن يوصي إليه مثله"[1] .

ولکن خالفه الشهید الثاني في الروضة بالقول: " و الأقوى المنع بالنظر إلى مذهبنا. و لو أريد صحتها فلا غرض لنا في ذلك، و لو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم و إلا فاللازم الحكم ببطلانها بناء على اشتراط العدالة، إذ لا وثوق بعدالته في دينه، و لا ركون إلى أفعاله، لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام."[2]

وصية الكافر للمسلم

إذا أوصى الكافر للمسلم، وكان في ماله ما يحرم على المسلم التصرف فيه كالخمر ولحم الخنزير، فهل للمسلم أن يتصرف فيها؟

قال في الجواهر: (ولو أوصى الكافر إلى المسلم صح، وتصرف فيما يجوز للمسلم التصرف فيه من تركته دون غيره كالخمر)[3] .

 


[1] شرائع الإسلام: ج2، ص202.
[2] الروضة البهية: ج5، ص69.
[3] جواهر الكلام: ج28، ص405.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo