< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعبير عن الوصية / شروط الوصي 1

 

من المسائل الملحقة بباب الوصية هو الحديث عن الألفاظ الدالة عليها، فهل هناك لفظٌ خاصُ يدل على الوصية بالدلالة المطابقية، وفي فرض وجوده فهل نحتاج إليه لإثباتها؟

بناءاً على ما اخترناه من كون الوصية من الإيقاعات – بالرغم من إشتراط القبول فيها الذي هو رضاً بها دون أن يصّيرها عقداً، لكون العقد هو الإلتزام المتقابل- فإن الأساس في الإيقاعات كما العقود هو الإرادة والقصد، وكما قيل فإن العقود تتبع القصود، والأعمال بالنيات، أما اللفظ وما يقوم مقامه من الكتابة والإشارة فإنما هو مظهرٌ للإرادة ليس إلا.

وبناءاً عليه، فلسنا بحاجة إلى لفظٍ خاص، بل نكتفي بما يعبّر عن الوصية بشكلٍ واضح ونطمئن إليه، سواءاً كان باللفظ أو الكتابة أو الإشارة، واللفظ بأية لغة وصيغة كان، إن دلّ على الوصية كقوله[1] : (أوصيك أو جعلتك وصياً، أو أريد أن تفعل كذا وكذا) كفى لثبوتها، بل حتى لو قال الوصي: (هل أنا وصيك؟) فقال الموصي: نعم، أو أشار بالإيجاب كفى ذلك، خصوصاً بعد ملاحظة أن الوصية تكون في كثيرٍ من الأحيان في الحالات الحرجة للموصي التي قد يعقل فيها لسانه ولا يستطيع أن يعبّر عما في قلبه بشكلٍ واضح.

وكما تثبت بالإشارة، فإنها تثبت أيضاً بالكتابة، التي هي من أصدق مظاهر الإشارة وقد أكد القرآن الكريم عليها في العقود في آية الدين.

وتلحق بهذه المسألة، ما لو قال الموصي: "أوصيتك" ومات بدون بيان متعلق الوصية، قيل ببطلانها، وقيل أن حذف المتعلق فيها يفيد العموم، وقيل بالأخذ بالقدر المتيقن أو بحسب القرينة الحالية[2] .

أما القول بإطلاق الوصية، فإن ذلك يكون إذا عرفنا كون الموصي في مقام البيان، فإذا أطلق والحال كذلك كان حجةً، أما إذا مات قبل تمام بيانه فلا وجه للإطلاق، وبناءاً عليه فإن مات قبل بيان متعلق وصيته يتوجه قول المحقق النجفي في الجواهر من التفصيل حال وجود قرينة على كلامه فتعتمد أو لا فتبطل الوصية.

ونضيف على ذلك: أن للفقيه أو المقنن أن يجعل قيوداً إضافية لثبوت الوصية، ككتابتها والتوقيع عليها، أو تثبيتها عند كاتب العدل، أو ما أشبه درءاً للخلافات ومنعاً من المفاسد التي قد تترتب بسبب إجمال الوصية.

شروط الوصيأولاً: العدالة

هل تشترط العدالة في الوصي؟

ذهب المشهور إلى إعتبار العدالة فيه[3] ، وقيل بعدم إعتبار العدالة مطلقاً،[4] وقيل بكفاية الوثاقة أي عدم ثبوت الفسق[5] .

وثالث الأقوال أقربها، لتعسّر إثبات العدالة مع كثرة الإبتلاء خصوصاً مع دقة مقاييس العدالة.

وقد استدل المشهور على الإعتبار بأمور، والتي هي إلى المؤيدات أقرب منها إلى الأدلة:

أولا: غير العادل ظالمٌ فيكون الركون إليه محرّمٌ للآية.

وفيه: عدم ثبوت الركون بذلك، لأن الركون بحسب السياق القرآني المحرم إلى الحاكم الظالم لا مطلق الظالم.

ثانياً: غير العادل فاسقٌ وقوله ساقط الحجية بآية النبأ.

وفيه: أن الآية لا تمنع من إخباره وعمله، بل تأمر بالتثبت والإستيثاق، كما أن الآية لا دلالة لها على الوصية.

ثالثاً: إن غير العادل غير مأمونٍ على المال، فكيف يستأمن على أموال الأيتام؟[6]

رابعاً: بطلان الوصية مع الشك في تحقق قيدٍ من القيود.

وفيه: لا تضر أصالة عدم صحة الوصية، لكفاية إطلاقات الصحة في المقام.

ومن جهة أخرى، استدل القائل بعدم إعتبار العدالة، أنها – أي الوصية- كالوكالة، وحيث يجوز توكيل غير العادل تجوز الوصية له أيضاً، غاية الأمر أن الوكالة في الحياة والوصية بعد الموت.

وكيف كان، فإن ثقة الموصي بالوصي تكفي لإيصاءه، خصوصاً بملاحظة رعاية الموصي مصلحة ابناءه من بعده، فيوصي إلى من يهتم بشأنهم وإن لم تثبت عدالته بالمعنى المصطلح، كما أن الإطلاقات تفيد جواز الوصية إلى من لم تثبت عدالته.

ثانياً: العقل

يشترط أن يكون الوصي عاقلاً، بل أدلة الوصية منصرفة عن المجنون، إلا في بعض الوصايا التي لا يراد منها تحقيق أعمالٍ معينة، كالوصية بتلاوة القرآن على القبر، فلا إشكال في ذلك.

وهل تصح الوصية العامة إلى المجنون الأدواري، حال إفاقته أو مع تعيين الناظر عليه؟

لا دليل على المنع، فالمهم هو مصلحة أطراف الوصية، ويحققها هذا الوصي حال إفاقته.

أما إذا أوصى إلى عاقلٍ فطرأ عليه الجنون، فإن الوصية تبطل، لأن شرط العقل شرطٌ ما دامي، ولكن هل ترجع الوصية إذا أفاق من جنونه مجدداً؟

ذهب أغلب الفقهاء إلى عدم رجوعها إليه لإنقطاعها، وهو صحيحٌ، ولكن قد يكون الجنون الطارئ غير مبطلٍ للوصية إذا كان لفترةٍ وجيزة، كما في بعض من يرتفع عندهم نسبة السكر مثلاً فيفقد توازنه العقلي لفترة بسيطة، وإطلاق الوصية شاملٌ إلى مثل هذا الوصي الذي قد تعتريه حالات معينة لفترات قصيرة، رجوعاً إلى إلى قاعدة ( ضيّق فم الركية)، خصوصاً إذا كان زوال عقله مثل زوال عقل الوصي بالنوم أو بالغيبوبة لإجراء العملية وما أشبه، فإن زوال العقل في مثل هذه الحالات لا يعبأ به عند العقلاء، وعلى أي حالٍ فالمسألة متشابهة، تحتاج إلى المزيد من البحث.

 


[1] قال في الجواهر: ج28، ص390 : " ان صيغة الوصاية أوصيت إليك، أو فوضت أو جعلتك وصيا، أو أقمتك مقامي في أمر أولادي، أو حفظ ما لهم و التصرف فيه، أو كذا أو كذا، أو وليتك كذا بعد موتي، أو جعلتك وليا بعد الموت، أو نحو ذلك من الألفاظ التي تفيد توليته على ما يريدها عليه عموما أو خصوصا". [المقرر].
[2] قال في الجواهر: ج29، ص291: " و التحقيق ما في الدروس من أنه إن كان هناك قرينة حال حمل عليه، و إلا أمكن البطلان، و يحتمل التصرف فيما لا بد منه كحفظ المال، و مؤنة اليتيم» قلت، : لا بأس بالاحتمال المزبور مع فرض تيقن إرادته من اللفظ المزبور أو ظهوره مع الشك في غيره، و إلا فاللابدية أعم من الوصاية به"، هذا لكن المرجع الشيرازي قدس سره ذهب إلى أنها تصبح وصيةً مطلقة، حيث قال في الفقه: ج61، ص276:" أنت وصيي، إن علم المراد منه كما هو الغالب في إرادة إخراج الثلث لواجباته وسائر شؤونه وتولي أولاده الصغار وما أشبه فهو، وإلا فهل تبطل أو تكون وصية مطلقة في أي شأن احتاج الإنسان فيه إلى الإيصاء، فهو من قبيل (حذف المتعلق يفيد العموم) مثل أنت وكيلي، الظاهر الثاني، وعليه فاحتمال البطلان مطلقاً أو العمل بالمتيقن غير ظاهر الوجه"، وفيه أن القول بالوصية مطلقاً يضعّف لعدم تحقق مقدمات الحكمة، وأبرزها أن يكون الموصي في مقام البيان[المقرر].
[3] انظر: جواهر الكلام: ج28، ص392.
[4] ذهب إليه ابن أدريس، أنظر: السرائر: ج3، ص189، والعلامة في المختلف، أنظر: مختلف الشيعة: ج2، ص510[المقرر].
[5] كما يظهر ذلك من الشهيد الثاني، أنظر المسالك: ج6، ص242. [المقرر].
[6] لم يناقش السيد المرجع الوالد هذا الدليل، وقد يناقش بأن عدم العدالة أعم من الخيانة، فقد يكون فسقه لا من جهة الخيانة. [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo