< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به 21/ الوصية المبهمة 8

 

ذكرنا في السابق المرجعية في فهم الوصايا المبهمة، حيث ذكرنا بأنها فهم مراد الموصي أولاً، وفهم العرف من الألفاظ ثانياً، والبناء على تفويض الوصي ثالثاً، والتحديدات الشرعية للألفاظ إن عرفنا من الموصي إختيارها رابعاً.

ومن المسائل المرتبطة بالوصية المبهمة هي الوصية لطائفةٍ من الناس، كما لو أوصى للفقراء، فهل يقصد مطلق الفقراء أم يخص فقراء ملته ومدينته وقومه؟

إن كان يعني مطلق الفقراء كما لو كان من دأبه الإحسان إلى الفقير من دون ملاحظة طائفته أو قوميته، أخذ بالإطلاق وإلا فإن العرف يرى انصراف اللفظ إلى فقراء مدينته وملته ومذهبه، وهكذا كان على الوصي التحري من قصد الموصي في ذلك.

وفي المقام بعض النصوص الدالة على إنصراف اللفظ عرفاً إلى فقراء الملة:

     عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: كَتَبَ الْخَلِيلُ بْنُ هَاشِمٍ إِلَى ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ وَ هُوَ وَالِي نَيْسَابُورَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمَجُوسِ مَاتَ وَ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ بِشَيْ‌ءٍ مِنْ مَالِهِ فَأَخَذَهُ قَاضِي نَيْسَابُورَ فَجَعَلَهُ فِي فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَكَتَبَ الْخَلِيلُ إِلَى ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ بِذَلِكَ فَسَأَلَ الْمَأْمُونَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ شَيْ‌ءٌ فَسَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام: "إِنَّ الْمَجُوسِيَّ لَمْ يُوصِ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ فَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَجُوس‌"[1] .

والرواية واضحة الدلالة، كما أنها تدل على مدى دقة المسلمين في رعاية الحقوق والإهتمام بإيصالها إلى أهلها، وما نراه اليوم من إصدار البعض أحكاماً كاسحة تؤدي إلى ضياع الحقوق فإنه بعيدٌ عن روح الإسلام.

ومن ذلك أيضاً إذا أوصى في صرف المال في سبيل الله سبحانه، حيث ينصرف إلى مطلق وجوه البر، لفهم العرف ذلك من اللفظ، ودلت على ذلك بعض النصوص الشريفة أيضاً:

     عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْعَسْكَرِيَّ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِمَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: "سَبِيلُ اللَّهِ شِيعَتُنَا"[2] .

     عَنْ حَجَّاجٍ الْخَشَّابِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ إِلَيَّ بِمَالٍ أَنْ يُجْعَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهَا نَحُجُّ بِهِ فَقَالَتِ اجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالُوا لَهَا فَنُعْطِيهِ آلَ مُحَمَّدٍ عليهم السلام قَالَتِ اجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: اجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا أَمَرَتْ. قُلْتُ مُرْنِي كَيْفَ أَجْعَلُهُ قَالَ: "اجْعَلْهُ كَمَا أَمَرَتْكَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَرَأَيْتَكَ لَوْ أَمَرَتْكَ أَنْ تُعْطِيَهُ يَهُودِيّاً كُنْتَ تُعْطِيهِ نَصْرَانِيّاً؟" قَالَ فَمَكَثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَكَتَ هُنَيْئَةً ثُمَّ قَالَ: "هَاتِهَا قُلْتُ مَنْ أُعْطِيهَا قَالَ عِيسَى شَلَقَانَ"[3] .

     عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِهَمَذَانَ ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَ كَانَ لَا يَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ فَأَوْصَى بِوَصِيَّةٍ عِنْدَ الْمَوْتِ وَ أَوْصَى أَنْ يُعْطَى شَيْ‌ءٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام كَيْفَ نَفْعَلُ وَ أَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ فَقَالَ: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ أَضَعَ فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ لَوَضَعْتُهُ فِيهِمَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ- فَانْظُرُوا إِلَى مَنْ يَخْرُجُ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ يَعْنِي بَعْضَ الثُّغُورِ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَيْهِ"[4] .

 

الوصية للأقارب

ذكرنا فيما سبق عن الوصية للأقارب وقلنا بجوازها، حتى من كان لهم نصيبٌ من الإرث، خلافاً للعامة، وما في يظهر من بعض الروايات من منع الوصية لهم محمولٌ على التقية لذلك، وفيما يلي بعض النصوص المجوزة للوصية للأقارب:

     عَنْ سَالِمَةَ مَوْلَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ [ أي ضعف ضعفاً شديداً] فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: "أَعْطُوا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ هُوَ الْأَفْطَسُ سَبْعِينَ دِينَاراً وَ أَعْطُوا فُلَاناً كَذَا وَ كَذَا وَ فُلَاناً كَذَا وَ كَذَا" فَقُلْتُ: أَ تُعْطِي رَجُلًا حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ فَقَالَ وَيْحَكِ أَ مَا تَقْرَءِينَ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ بَلَى. قَالَ: أَ مَا سَمِعْتِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ قَالَ ابْنُ مَحْبُوبٍ فِي حَدِيثِهِ حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ فَقَالَ أَ تُرِيدِينَ عَلَى أَنْ لَا أَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ نَعَمْ يَا سَالِمَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَ طَيَّبَهَا وَ طَيَّبَ رِيحَهَا وَ إِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفَيْ عَامٍ وَ لَا يَجِدُ رِيحَهَا عَاقٌّ وَ لَا قَاطِعُ رَحِمٍ"[5] .

     عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام، قال: " مَنْ لَمْ يُوصِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِذَوِي قَرَابَتِهِ فَقَدْ خَتَمَ عَمَلَهُ بِمَعْصِيَةٍ"[6] .


[1] الكافي: ج7، ص16.
[2] الكافي: ج7، ص16.
[3] الكافي: ج7، ص15.
[4] وسائل الشيعة: ج19، ص391.
[5] الكافي: ج7، ص55.
[6] من لا يحضره الفقيه: ج4، ص183.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo