< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوصية للمعدوم / الوصية للوارث

 

أجمع الفقهاء على جواز الوصية بالمعدوم، أي بما يتجدد بعد الوفاة، كالوصية بثمار الأشجار لسنوات عديدة، ولكن هل تجوز الوصية للمعدوم؟ بأن يوصي بثمار الشجرة لمائة عام لزوار الإمام الحسين عليه السلام مثلا؟

أجمعوا على عدم صحة الوصية للمعدوم، کما حکاه المحقق النجفي في الجواهر[1] ، لما يلي:

أولاً: لابد للملكية من متعلق، فحيث لم يوجد المعدوم، كيف يمكن نسبتها إليه، وبذلك سيكون ثمة زمانٌ لا يتعلق الملك لأحد لا للموجودين من الورثة -لخروجهم بالوصية- ولا للموصى له -لعدم وجوده بعد-، وهذا توجيهٌ عقليٌ لمسألة الملكية.

ثانياً: عدم ثبوت مثل هذا النوع من الوصية في الشرع، بأن يقول الموصي إدفعوا فلان شيء لحفيدي الذي لم يخلق لحد الأن.

ثالثاً: لما كانت الوصية نوعٌ من أنواع الهبة، غاية الأمر أنها هبةٌ بعد الوفاة، وكانت الهبة للمعدوم غير جائزة، لم تجز الوصية للمعدوم.

وفي الكل نظر:

أما الإجماع ففيه أنه لا يثبت الإجماع عادةً في مثل هذه المسائل الفرعية حيث لا يتعرض الكثير من الفقهاء لها.

أما فيما يرتبط بتعلق الملكية فيمكن تصور تعلقها بالمعدوم بعد أن كان الملك أمراً إعتبارياً، كما في الأراضي المفتوحة عنوةً حيث أنها ملكٌ للمسلمين وإن لم يوجدوا، وهكذا فإن الملكية علقةٌ عرفية، وبقبول العرف نوعاً منها صحت.

وأما عدم ثبوتها شرعاً، فلا حاجة لثبوت كل مفردةٍ ومصداقٍ شرعاً ليكون مشروعاً، بل تكفينا عمومات جواز الوصية الشاملة لمثل المقام[2] .

أما قياس الوصية بالهبة ففيه عدم ثبوت المنع هناك، حيث لم يثبت ردع الشارع عن الهبة للمعدوم، ومع ثبوته فلا يمكن قياسه بالوصية بعد تفريق العرف بينهما، حيث يوصون للمعدوم ولا يهبون له، لبناء الوصية على السعة في أحكامها بعد أن كانت مبنية على ما بعد الموت وبعد البعد.

ومن هنا فنحن نرى جواز الوصية للمعدوم، خصوصاً في الوصايا المستمرة كالوصية بجعل مكانٍ معين للزوار، والله العالم.

 

مسألة: الوصية للوارث

هل تجوز الوصية للوارث، كما لو أوصى بداره لأحد ابناءه، والحال أنه يرثه؟

أجمع الإمامية على صحة ذلك، وذهب عموم العامة إلى العدم، وعمدة الإمامية قوله سبحانه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقين‌﴾[3] ولكن قال العامة بأنها منسوخةٌ بآية الفرائض.

والحق: لا تناسخ بين الآيات القرآنية بمعنى حذف حكمها تماماً، وإنما المقصود من النسخ تحديد معناها، وبذلك فإن للأب أن يوصي لأحد أبناءه، ولكن تكون وصيته من ثلث التركة لا كلها كما لا يخفى.

أما الروايات في المقام، فهي على طائفتين اختلفتا بين الجواز والمنع، وحملت روايات المنع على التقية أو على المنع من الوصية بكل الإرث، وفيما يلي نذكر بعضاً منها.

الطائفة الأولى:

     عَنْ أَبِي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْمَيِّتِ يُوصِي لِلْوَارِثِ بِشَيْ‌ءٍ قَالَ: نَعَمْ أَوْ قَالَ جَائِزٌ لَهُ" [4]

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَقَالَ: "تَجُوزُ، قَالَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ- (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ)". [5]

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: "الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لَا بَأْسَ بِهَا"[6] .

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنِ الرَّجُلِ يُفَضِّلُ بَعْضَ وُلْدِهِ عَلَى بَعْضٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَ نِسَاءَهُ"[7] .

مع ظهور الآية في جواز الوصية للورثة، فإن سؤال الأصحاب خصوصاً الأجلة منهم، يدل على وقوع المسألة محل اختلاف في تلك الأزمنة، كما أن إستشهاد الإمام في الإجابة بالآية المباركة دليلٌ على عدم نسخها.

     عَنْ أَبِي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْمَيِّتِ يُوصِي لِلْبِنْتِ بِشَيْ‌ءٍ قَالَ: "جَائِزٌ". [8]

الطائفة الثانية

وفي هذه الطائفة بعض الروايات التي يظهر منها عدم جواز الوصية للوارث:

     عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ اعْتَرَفَ لِوَارِثٍ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: "لَا يَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَ لَا اعْتِرَافٌ"[9] .

فقد تحمل هذه الرواية على كونها في واقعة لعلم الإمام بكذب الرجل مثلاً، أو تحمل على التقية -كما فعل الشيخ في الإستبصار لموافقتها لمذهب العامة.

     عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام قَالَ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَ لَا إِقْرَارَ بِدَيْنٍ يَعْنِي إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِأَحَدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ"[10] .

     روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ فِي أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُث". [11]

 

وقد نسب صاحب الدعائم القول بعدم جواز الوصية إلى عموم الشيعة، وادعى إجماعهم على ذلك، مستشهداً بالرواية النبوية، وأن الوصية للوارث إستقلالٌ لقسمة الله، قال: "وهذا إجماع فيما علمناه و لو جازت الوصية للوارث لكان يعطى من الميراث أكثر مما سماه الله عز و جل له و من أوصى لوارثه فإنما استقل حق الله عز و جل الذي جعل له و خالف كتابه و من خالف كتابه لم يجز فعله و قد جاءت رواية عن جعفر بن محمد ع دخلت من أجلها الشبهة على بعض من انتحل قوله و هي‌أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ فَقَالَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ‌". [12]

ويلاحظ على القاضي النعمان بعده عن حواضر الشيعة الأثني عشرية، حيث كان في مصر الفاطمية، ولذلك فإن نسبة هذا الحكم إلى إجماعهم مخدوشٌ لما عرفت من إجماعهم على العكس، كما أن الوصية لأحد الورثة لا يعد مخالفةً لكتاب الله سبحانه، لإمكان تفضيل بعض الأبناء أو الزوجات على البعض، خصوصاً بعد وجود النصوص الواضحة في الجواز.


[2] خصوصاً إذا إلتزمنا كفاية عدم ردع الشارع المقدس كدليلٍ على قبوله. [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo