< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إثبات الوصية 4/ إثبات الوصية العهدية بالطرق السابقة

لأن الوصية حالةٌ خاصة، إذ قد ينزل الموت بالإنسان في حالاتٍ وأماكن لا وجود لمسلمٍ عنده فيوصيه، فقد خصّها الإسلام ببعض الطرق لإثباتها، كما في إثباتها بشهادة غير المسلمين، أو إثبات ربعها بشهادة امرأة ونصفها بشهادة امرأتين.

ولكن هل تخص هذه السبل الوصايا المالية، أم تشمل الوصايا العهدية أيضاً، التي ترتبط بالولاية سواءاً على أطفاله الصغار أو الوقف أو ما أشبه؟

ذهب المشهور [1] [2] إلى عدم ثبوت الولاية بذلك، فهي كسائر الموضوعات الشرعية التي لا تثبت إلا بالبينة أو العلم الناتج من الشياع وما أشبه، أما شهادة امرأةٍ أو شهادتها مع اليمين، أو شهادة غير المسلمين فلا تثبت، وذلك لعموم: "وَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ".[3]

ولكن بعض الفقهاء -كالمحقق النجفي قدس سره- [4] احتمل ثبوتها بشهادة المرأة وغير المسلم، وذلك لتضمّن الوصايا العهدية للمال، وعموم الاخبار الدالة على قبول شهادة العدل الشاملة للأنثى أيضاً ولو بقاعدة الإشتراك، بيد أنه يقول بعدئذٍ: "لولا الإجماع" وذلك لكون هذه المسألة شائعة ولم يذهب أحدٌ من السابقين إلى قبول شهادة المرأة في الولاية، وبالتالي فإن المحقق النجفي تراجع عن إحتماله، وبقي متردداً في قبول شهادتها.

ولنا أن نذكر بعض الأمور:

أولاً: ذكرنا مراراً أن الألفاظ والأساليب المتبعة في الدعاوى ليست هي المهمة، بل الأهم هو محتوى الدعوى.

ثانياً: إن كانت شهادة المرأة على اثبات حقٍ مالي بذمة الميت، وهي استنبطت ذلك من خلال عهد الموصي لوصيه بأن يدفع ألفاً لفلان، فعرفت أنه لدينٍ له عليه، فشهدت بناءاً على ذلك الإستنباط، فليس علينا بعدئذٍ أن يكون العلم الحاصل لديها ناتجاً من وصية عهدية أو مالية، وذلك لأن المهم هو المحتوى ومؤدى الشهادة لا مقدماتها وأساليبها، وحينئذٍ تقبل ربع شهادتها.

فلا تثبت شهادة المرأة في الولاية لإفتقارها إلى البينة، ولكن شهادتها في محتوى الوصية العهدية إن كان مالياً تقبل شهادتها وبمقدار الربع، وذلك لأنا في القضاء نعتمد المحتوى ولا أسلوب الدعاوى.

 

مسألة: عدم إمكان تنفيذ الوصية

من المسائل السيالة في موراد كثيرة، ترتبط بما لو لم يمكن تنفيذ وصية الموصي، لعدم كفاية المبلغ الموصى به مثلاً، أو عدم إمكان التطبيق على أرض الواقع لموانع، ففي هذه الحالة لابد أن يقوم الوصي بالمشابه لما أوصى به الموصي، الأقرب فالأقرب، فلو أوصى بمسجدٍ في مكانٍ محدد، ولم يمكنه بناؤه فعليه أن يبني مسجداً في مكانٍ قريبٍ منه، أو مبنىً يؤدي منافع المسجد، وإذا أوصى بحجٍ فلم يفِ المال له، استناب من يحج عنه من مكة مثلاً.

ودليلنا على ذلك أمران:

الأول: النصوص الشريفة، مثل ما روي عن علي بن مزيد صاحب السابري قال: " أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ بِتَرِكَتِهِ وَ أَمَرَنِي أَنْ أَحُجَّ بِهَا عَنْهُ فَنَظَرْتُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا شَيْ‌ءٌ يَسِيرٌ لَا يَكُونُ لِلْحَجِّ فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ وَ فُقَهَاءَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالُوا تَصَدَّقْ بِهَا عَنْهُ فَلَمَّا حَجَجْتُ جِئْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقُلْتُ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ مَاتَ رَجُلٌ وَ أَوْصَى إِلَيَّ بِتَرِكَتِهِ أَنْ أَحُجَّ بِهَا عَنْهُ فَنَظَرْتُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكْفِ لِلْحَجِّ فَسَأَلْتُ مَنْ عِنْدَنَا مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا تَصَدَّقْ بِهَا قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ تَصَدَّقْتُ بِهَا. قَالَ: ضَمِنْتَ أَوْ لَا يَكُونَ يَبْلُغُ يُحَجُّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ يُحَجُّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ ضَمَانٌ وَ إِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَنْ يُحَجَّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَأَنْتَ ضَامِنٌ" [5]

الثاني: في الغالب يكون للموصي تعدد المطلوب، فلديه قصدٌ أساسيٌ وقصدٌ آخر تكميلي، كما لو كان المهم عنده أن يتصدق بالمال، ولكن الأفضل عنده أن تصل الصدقة إلى رحمه أو جاره، فإن لم يمكن التصدق على الرحم أو الجار، فإنه يتصدق على غيره، وكذلك في باب الوصية، فإن عجز عن تنفيذ ما أوصى به إنتقل إلى ما هو قريبٌ منه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo