< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إثبات الوصية 3/ قبول شهادة العبيد في الوصية

 

قد يكون إثبات الوصية بما لا يمكن إثبات غيرها من الموضوعات، لخصوصيتها بصعوبة إثباتها في بعض الأحيان، وتدل على ذلك القصص التاريخية المستفادة من تضاعيف النصوص الشريفة، كما عنٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي رَجُلٍ مَاتَ وَ تَرَكَ جَارِيَةً وَ مَمْلُوكَيْنِ فَوَرِثَهُمَا أَخٌ لَهُ فَأَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ وَ وَلَدَتِ الْجَارِيَةُ غُلَاماً فَشَهِدَا بَعْدَ الْعِتْقِ أَنَّ مَوْلَاهُمَا كَانَ أَشْهَدَهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقَعُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ قَالَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا وَ يُرَدَّانِ عَبْدَيْنِ كَمَا كَانَا" [1]

حيث تبين الرواية قبول شهادة العبدين بعد الحرية وإعادتهما إلى الرق.

وكيف كان فالوصية حالةٌ خاصة، وقد قلنا -تبعاً للنصوص- جواز شهادة غير المسلمين فيها، حيث أن تعبير ( غيركم) في الآية الشريفة شاملٌ للغير مذهباً وديناً، غير أنها تقبل في الوصايا المالية دون العهدية، ولكن هناك أكثر من مناقشة في هذا التحديد:

أولاً: الآية الشريفة تعم الوصيتين المالية والعهدية، ولا قرينة على التخصيص[2] .

ثانياً: كما الآية الشريفة، فإن الروايات هي الآخرى لم تخصص قبول الشهادة بكونها في الوصايا المالية.

ثالثاً: إن كثيراً من الوصايا العهدية تتضمن إلتزاماتٍ مالية، فقبول الشهادة في بعضها والرد في البعض الآخر غير ممكن.

ومن هنا؛ فإن المعتمد في مثل المقام النص القرآني، الذي ورد مطلقاً، والنصوص القرآنية تبين القيم التي تعد نصوصاً فوق الدستور، وكذلك فإن النصوص الشريفة جاءت مطلقة من هذه الجهة، وإليك بعضها:

     عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قُلْتُ مَا آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ قَالَ: هُمَا كَافِرَانِ قُلْتُ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ؟ فَقَالَ: مُسْلِمَانِ [3]

ولا إشارة في هذا النص إلى التحديد بالوصية المالية، ومثلها رواية هشام:

     عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي‌قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) قَالَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ مُسْلِمٌ جَازَتْ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ عَلَى الْوَصِيَّةِ[4] .

     عَنِ الْحَلَبِيِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ قَالَ نَعَمْ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ جَازَتْ شَهَادَةُ غَيْرِهِمْ إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ذَهَابُ حَقِّ أَحَدٍ.[5]

فالحق الذي لا يصلح ذهابه -بحسب رواية الحلبي- عامٌ يشمل الحقوق التي يعهد بها الموصي أيضاً.

شهادة نساء أهل الكتاب

هل تقبل شهادة نساء أهل الكتاب كرجالهم، أم تقبل كما هو الحكم بالنسبة إلى نساء المسلمين، حيث لابد من رجلٍ وامرأتان، فلابد أن يكون رجلٌ من أهل الذمة وامرأتان؟

لا دليل على عدم القبول، لإطلاق أدلة قبول شهادة الذمي، وإطلاق أدلة قبول شهادة إمرأتين مع الرجل، مضافاً إلى التعليل في محمد بن مسلم، بضرورة عدم ذهاب حقٍ لأحد.

 

تغيير المرأة لشهادتها

سبق القول بقبول شهادة المرأة في الوصية، ولكن يقبل ربع ما تشهد به فقط، فهل يجوز لها أن تشهد بأربعة أضعاف ما أوصى به الموصي، ليصل الحق كله إلى الموصى له؟

الظاهر جواز ذلك، لأن المحور في الشهادات والأقضية – بل الدين كله- هو الحق، ولابد من وصوله إلى أهله، ومن هنا جاز للمدعى عليه أن يعبّر بطريقةٍ يكون منكراً في الظاهر، وذلك بتغيير الأسلوب من الإقرار بالحق وإدعاء أداءه، إلى أنكاره من رأس، حيث لا يتمكن من الوصول إلى حقه إلا عبر هذه الطريقة، وقد روي عن داوود بن حصين قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: "إِذَا شَهِدْتَ عَلَى شَهَادَةٍ فَأَرَدْتَ أَنْ تُقِيمَهَا فَغَيِّرْهَا كَيْفَ شِئْتَ وَ رَتِّبْهَا وَ صَحِّحْهَا بِمَا اسْتَطَعْتَ حَتَّى يَصِحَّ الشَّيْ‌ءُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بَعْدَ أَنْ لَا تَكُونَ تَشْهَدُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَ لَا تَزِيدَ فِي نَفْسِ الْحَقِّ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ فَإِنَّمَا الشَّاهِدُ يُبْطِلُ الْحَقَّ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ وَ بِالشَّاهِدِ يُوجَبُ الْحَقُّ وَ بِالشَّاهِدِ يُعْطَى وَ إِنَّ لِلشَّاهِدِ فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ بِتَصْحِيحِهَا بِكُلِّ مَا يَجِدُ إِلَيْهِ السَّبِيلَ مِنْ زِيَادَةِ الْأَلْفَاظِ وَ الْمَعَانِي وَ التَّفْسِيرِ فِي الشَّهَادَةِ مَا بِهِ يُثْبِتُ الْحَقَّ وَ يُصَحِّحُهُ وَ لَا يُؤْخَذُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْحَقِّ مِثْلَ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْمُجَاهِدِ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"[6] .

فالمحور هو المحتوى والمضمون، لا اسلوب التعبير عنه.

شهادة النساء في الوصايا العهدية

هل تجوز شهادة النساء في الولايات، أم تختص الوصايا المالية؟

روايات المقام خاصةٌ بالمال، ولم نجد روايةً عامة في شهادة المرأة في الوصية تعمل العهدية، غير أن صاحب الجواهر قدس سره، ذهب إلى التعميم إن لم يقم الإجماع بالتخصيص، مستنداً إلى:

أولاً: عموم قبول الشهادات من الذكر والأنثى، لقاعدة الإشتراك.

ثانياً: تضمن الكثير من الوصايا العهدية قضايا مالية، فإن ردت شهادة النساء في الوصية العهدية سبب ذلك ضياع المال [7]

ولم نجد من الفقهاء من عبّر عن الحكم بالمنع بالإجماع، وحينئذٍ فنرجع إلى الروايات المطلقة في صحة شهادة العدل، حيث تشمل النساء لقاعدة الإشتراك.


[2] ولا إنصراف من اللفظ إلى المالية بخصوصها. [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo