< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إثبات الوصية 2/ شهادة النساء في الوصية

 

الوصية -كأي موضوعٍ شرعي آخر- تخضع لأدلة الإثبات الموجودة في كتابي القضاء والشهادات، غير أنها تتميز ببعض المسائل، منها ما ذكرنا من قبول شهادة أهل الكتاب أو بتعبير القرآن الكريم( من غيركم) عند الضرورة، أي عدم وجود شهود عدولٍ من المؤمنين.

ومما يرتبط بإثبات الوصية، هو قبول شهادة النساء في الوصايا المالية، فالمرأة شهاداتها في الأمور المالية مقبولة حيث تكون المرأتين عن شخصٍ واحد، مع رجل، ولكن في باب الوصية -والإرث- تقبل شهادة المرأة الواحدة ولكن بمقدار ربع شهادتها، والنصف إن كانتا إثنتين وثلاثة الأرباع إن كن ثلاث وإن شهدت أربعة من النسوة قبلت الشهادة في الجميع.

وبالرغم من أن هذا الحكم مخالفٌ لقواعد الشهادة، إلا أنه ثبت للنصوص الخاصة، ولذلك لا يمكن تعميمه على سائر الموارد، أم يمكن تعميم الحكم في موارد أخرى؟

ومما استفدناه من النصوص المختلفة هو قصد الشرع المقدس حفظ الحقوق، كما قال الإمام عليه السلام: " إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ذَهَابُ حَقِّ أَحَدٍ." [1] ، وحيث أن الوصية قد تكون – في كثير من الأحيان- في ظروف غير طبيعية، فقد قبل الإسلام شهادة غير المسلمي، ويبدو أن السبب ذاته موجودٌ في قبول شهادة المرأة في ربع شهادتها لكيلا يضيع حقٌ من الحقوق؟

فهل نستطيع أن نستفيد هذه العلة ونعممها، بأن نقبل الوصية المكتوبة مثلاً من دون الشهادة، أو سجلها صوتياً أو بطرق أخرى؟

قد بحثنا في باب القضاء هذه المسألة، حيث ذكرنا أن هدف الإسلام في باب القضاء هو وصول الحق إلى صاحبه، ولابد من البحث عن أية وسيلة لتحقيق الحق وإبطال الباطل، ومن ذلك قبلنا في القضاء الإستئناف، إذا شكك في حكم القاضي لسببٍ أو لآخر، خلافاً لمن أثبت حكم القاضي ولم يجوز الإستئناف.

الروايات في شهادة المرأة

أما الروايات الواردة في قبول الشهادة على طوائف، نذكر بعضاً منها:

الأولى: الشاهد مع يمين صاحب الحق

     عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ.[2]

وفي الوصية كذلك تقبل الشهادة الواحدة مع يمين صاحب الحق.

     عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: دَخَلَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فَسَأَلَاهُ عَنْ شَاهِدٍ وَ يَمِينٍ فَقَالَ: قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ قَضَى بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام عِنْدَكُمْ بِالْكُوفَةِ"[3]

     عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ: "إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام قَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ كَيْفَ تَقْضُونَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فَقَالَ جَعْفَرٌ عليه السلام: قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ قَضَى بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام عِنْدَكُمْ فَضَحِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ جَعْفَرٌ عليه السلام أَنْتُمْ تَقْضُونَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ شَهَادَةَ مِائَةٍ فَقَالَ مَا نَفْعَلُ فَقَالَ بَلَى تَشْهَدُ مِائَةٌ فَتُرْسِلُونَ وَاحِداً يَسْأَلُ عَنْهُمْ ثُمَّ تُجِيزُونَ شَهَادَتَهُمْ بِقَوْلِهِ".[4]

 

الثانية: شاهدٌ مع امرأتين

     عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ؟ فَقَالَ: "تَجُوزُ إِذَا كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقُولُ: لَا أُجِيزُهَا فِي الطَّلَاقِ. قُلْتُ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرَّجُلِ فِي الدَّيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"[5]

     قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ﴾[6] قَالَ: إِذَا ضَلَّتْ إِحْدَاهُمَا عَنِ الشَّهَادَةِ وَ نَسِيَتْهَا، ذَكَّرَتْ إِحْدَاهُمَا بِهَا الْأُخْرَى فَاسْتَقَامَتَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ"[7] .

الثالثة: شهادة المرأة منفردةً في الوصية

     عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فِي شَهَادَةِ امْرَأَةٍ حَضَرَتْ رَجُلًا يُوصِي لَيْسَ مَعَهَا رَجُلٌ فَقَالَ: "يُجَازُ رُبُعُ مَا أَوْصَى بِحِسَابِ شَهَادَتِهَا"[8]

     عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "فِي وَصِيَّةٍ لَمْ يَشْهَدْهَا إِلَّا امْرَأَةٌ فَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ فِي الرُّبُعِ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِحِسَابِ شَهَادَتِهَا"[9]

     مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي وَصِيَّةٍ لَمْ تَشْهَدْهَا إِلَّا امْرَأَةٌ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ فِي رُبُعِ الْوَصِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً غَيْرَ مُرِيبَةٍ فِي دِينِهَا". [10]

الرابعة: قبول شهادة المرأة بقدر الربع في الإرث

     عَنْ عَبْدِ اللَّهِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: "تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فِي الْمَوْلُودِ إِذَا اسْتَهَلَّ وَ صَاحَ فِي الْمِيرَاثِ وَ يُوَرَّثُ الرُّبُعَ مِنَ الْمِيرَاثِ بِقَدْرِ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قُلْتُ فَإِنْ كَانَتَا امْرَأَتَيْنِ قَالَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فِي النِّصْفِ مِنَ الْمِيرَاثِ".[11]

     فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "إِنْ كَانَتِ امْرَأَتَيْنِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فِي نِصْفِ الْمِيرَاثِ وَ إِنْ كُنَّ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ وَ إِنْ كُنَّ أَرْبَعاً جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ فِي الْمِيرَاثِ كُلِّهِ". [12]

 

وفي قبال هذه الروايات، ثمة روايات تدل على عدم قبول شهادة النساء إلا فيما يخصهن، ولكن الرجحان لروايات القبول، لإعراض المشهور عن الروايات المانعة، لضعف دلالة بعضها عن المنع في المقام، وحملها على التقية لموافقتها العامة، ومن تلك الروايات:

     عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ يَحْضُرُهَا الْمَوْتُ وَ لَيْسَ عِنْدَهَا إِلَّا امْرَأَةٌ أَ تَجُوزُ شَهَادَتُهَا أَمْ لَا تَجُوزُ فَقَالَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْمَنْفُوسِ وَ الْعُذْرَةِ" [13]

     عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَدَانِيِّ قَالَ كَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام امْرَأَةٌ شَهِدَتْ عَلَى وَصِيَّةِ رَجُلٍ لَمْ يَشْهَدْهَا غَيْرُهَا وَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يُصَدِّقُهَا وَ فِيهِمْ مَنْ يَتَّهِمُهَا فَكَتَبَ عليه السلام: "لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ وَ امْرَأَتَانِ وَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ تُنْفَذَ شَهَادَتُهَا"[14]

ويظهر من سياق هذه الرواية أن الشهادة هنا عن الوصية العهدية لا المالية.

حكم شهادة الخنثى

قال الفقهاء أن الحكم بقبول شهادة المرأة في الوصية بحدود الربع، خاصٌ بالأنثى، وحيث أنه مخالفٌ للقواعد لا يعمم على الخنثى، حيث لا تقبل شهادة الخنثى، وفيه تردد، من جهة ضياع الحق، أو مخالفة القواعد.


[7] التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري عليه السلام، ج1، ص675.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo