< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به16/ الوصية المبهمة

نسيان الوصية

إذا نسي الوصي أو من أوكله لتنفيذ الوصية، نسي متعلقها، إما كلاً أو بعض أصنافه، فمن حيث القاعدة يكون مورده مورد تعدد المطلوب، حيث يكون مطلوب الموصي هو البرّ، ولما نسي الوجه المحدد، إنتقل إلى الوجوه الأخرى، وذلك كمن يريد الصلاة بشرط أن تكون في المسجد، فإن لم يقدر عليها، صلّى حيثما أمكنه، حيث بقي المشروط سالماً مع عدم تحقق الشرط.

فإذا قال الموصي: إدفعوا للفقراء والمساكين، ونسي الوصي الطائفة الثالثة، فهنا يكون من جهة تعدد المطلوب بأن يدفع القسم الثالث في سائر وجوه البر، ويجري ذلك على في الوكالة من الأحياء أيضاً، فإذا علم الوكيل إرادة الموكل فعل الخير ولم يعرف الوجه المحدد، عمد إلى أي عملٍ من اعمال البر.

ومضافاً إلى ما سبق فإن النصوص الخاصة تدل على صرف المال في هذه الحالات في وجوه البر، ويبدو أنها جائت وفقاً للقاعدة المذكورة:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّيَّانِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنْ إِنْسَانٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَلَمْ يَحْفَظِ الْوَصِيُّ إِلَّا بَاباً وَاحِداً مِنْهَا كَيْفَ يَصْنَعُ فِي الْبَاقِي فَوَقَّعَ عليه السلام: "الْأَبْوَابُ الْبَاقِيَةُ يَجْعَلُهَا فِي الْبِرِّ". [1]

ويؤيدها مادل على دفع ما جعل للكعبة لزوارها[2] [3] ، وكذا ما دل على ذلك في باب الوقف.

لوازم الموصى به

هل تدخل لوازم الموصى به في الوصية، أم تختص بما وقعت عليها عبارة الموصي، فلو أوصى بصندوقٍ فهي يشمل ما في داخله، أو سفينةٍ هل يعم ما فيها؟

من الناحية الأولية، لابد من الرجوع إلى الإرتكاز العرفي، الذي يختلف رأيه بحسب إختلاف الحالات، فقد يدخل اللازم في الموصى به كما لو كان الموصى به ليس بذي قيمةٍ من دون ما فيه أو ما معه، وقد لا يرى ذلك.

ومن هنا، يمكن حمل الروايات الشريفة على المتعارف في زمانهم من دخول اللوازم ضمن الوصية:

عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ فَقَالَ الْوَرَثَةُ إِنَّمَا لَكَ الْحَدِيدُ وَ لَيْسَ لَكَ الْحِلْيَةُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ الْحَدِيدِ فَكَتَبَ إِلَيَّ: "السَّيْفُ لَهُ وَ حِلْيَتُهُ" [4]

عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ وَ كَانَ فِي جَفْنٍ وَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ فَقَالَ لَهُ الْوَرَثَةُ إِنَّمَا لَكَ النَّصْلُ وَ لَيْسَ لَكَ الْمَالُ قَالَ فَقَالَ: "لَا بَلِ السَّيْفُ بِمَا فِيهِ لَهُ. قَالَ فَقُلْتُ رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُنْدُوقٍ وَ كَانَ فِيهِ مَالٌ فَقَالَ الْوَرَثَةُ إِنَّمَا لَكَ الصُّنْدُوقُ وَ لَيْسَ لَكَ الْمَالُ قَالَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عيله السلام: "الصُّنْدُوقُ بِمَا فِيهِ لَهُ" [5]

ويمكن القول بأن هذا الحكم قضيةٌ في واقعة، فربما لم يكن للصندوق قيمةٌ مستقلة، فأمر الإمام بما فيه له، أما إذا إعتبر العرف قيمةً مستقلةً للصندوق، وكان الخطاب يختص به فالأمر يختلف.

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ هَذِهِ السَّفِينَةُ لِفُلَانٍ وَ لَمْ يُسَمِّ مَا فِيهَا وَ فِيهَا طَعَامٌ أَ يُعْطَاهَا الرَّجُلُ وَ مَا فِيهَا قَالَ: "هِيَ لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مُتَّهَماً وَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ شَيْ‌ءٌ" [6]

المنع من الإرث

إذا منع الموصي بعض ورثته من الإرث، فقد يحمل منعه على عدم كون الوارث من أبناءه، ولا وجه لهذا الحمل بعد أن كانت القاعدة تقتضي كون الولد للفراش وللعاهر الحجر، وعدم كفاية نفي البنوة بمثل هذه العبارات، بل لابد من اللعان.

وأما في حمل العبارة على ظاهرها من المنع، فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى لغوية هذه الوصية، بعد أن كان الإرث فريضة إلهية لا دخل للعباد فيها، بتصريح الآيات والروايات، وذهب بعضهم[7] إلى صحة المنع في ثلث ماله، فيحمل منعه على تخصيص الباقي بالإرث، فيكون معمولاً بها بقدر الثلث.

قال المحقق: " لو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته لم يصح و هل يلغو‌ اللفظفيه تردد بين البطلان و بين إجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله لمن عدا الولد فتمضى في الثلث و يكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة و الوجه الأول و فيه رواية بوجه آخر مهجورة"[8] [9] .

أما الرواية التي هجرها الفقهاء فهي المروية عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ وَصِيِّ عَلِيِّ بْنِ السَّرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ السَّرِيِّ تُوُفِّيَ فَأَوْصَى إِلَيَّ فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، قُلْتُ وَ إِنَّ ابْنَهُ جَعْفَرَ بْنَ عَلِيٍّ وَقَعَ عَلَى أُمِّ وَلَدٍ لَهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُخْرِجَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ قَالَ فَقَالَ لِي: "أَخْرِجْهُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَسَيُصِيبُهُ خَبَلٌ". قَالَ فَرَجَعْتُ فَقَدَّمَنِي إِلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّرِيِّ وَ هَذَا وَصِيُّ أَبِي فَمُرْهُ فَلْيَدْفَعْ إِلَيَّ مِيرَاثِي مِنْ أَبِي فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي لِي مَا تَقُولُ فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ هَذَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّرِيِّ وَ أَنَا وَصِيُّ عَلِيِّ بْنِ السَّرِيِّ قَالَ فَادْفَعْ إِلَيْهِ مَالَهُ فَقُلْتُ أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ قَالَ فَادْنُ إِلَيَّ فَدَنَوْتُ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَحَدٌ كَلَامِي فَقُلْتُ لَهُ هَذَا وَقَعَ عَلَى أُمِّ وَلَدٍ لِأَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَبُوهُ وَ أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ أُخْرِجَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَ لَا أُوَرِّثَهُ شَيْئاً فَأَتَيْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ فَأَخْبَرْتُهُ وَ سَأَلْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُخْرِجَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَ لَا أُوَرِّثَهُ شَيْئاً فَقَالَ اللَّهَ إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام أَمَرَكَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاسْتَحْلَفَنِي ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ لِي أَنْفِذْ مَا أَمَرَكَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ الْوَصِيُّ فَأَصَابَهُ الْخَبَلُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَشَّاءُ فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَ قَدْ أَصَابَهُ الْخَبَلُ" [10] .

وحملت هذه الرواية على كونها قضيةٌ في واقعة، فتحمل على إرادة الإمام عقوبته لفعله ولائياً أو ما أشبه.

 


[3] عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْجُعْفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَالَ: أَوْصَى إِلَيَّ أَخِي بِجَارِيَةٍ كَانَتْ لَهُ مُغَنِّيَةٍ فَارِهَةٍ وَ جَعَلَهَا هَدْياً لِبَيْتِ اللَّهِ‌ الْحَرَامِ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ ادْفَعْهَا إِلَى بَنِي شَيْبَةَ وَ قِيلَ لِي غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ فَاخْتُلِفَ عَلَيَّ فِيهِ فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَ لَا أُرْشِدُكَ إِلَى مَنْ يُرْشِدُكَ فِي هَذَا إِلَى الْحَقِّ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَأَشَارَ إِلَى شَيْخٍ جَالِسٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ هَذَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَسَلْهُ قَالَ فَأَتَيْتُهُ عليه السلام فَسَأَلْتُهُ وَ قَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: "إِنَّ الْكَعْبَةَ لَا تَأْكُلُ وَ لَا تَشْرَبُ وَ مَا أُهْدِيَ لَهَا فَهُوَ لِزُوَّارِهَا بِعِ الْجَارِيَةَ وَ قُمْ عَلَى الْحِجْرِ فَنَادِ هَلْ مِنْ مُنْقَطَعٍ بِهِ وَ هَلْ مِنْ مُحْتَاجٍ مِنْ زُوَّارِهَا فَإِذَا أَتَوْكَ فَسَلْ عَنْهُمْ وَ أَعْطِهِمْ وَ اقْسِمْ فِيهِمْ ثَمَنَهَا قَالَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ بَعْضَ مَنْ سَأَلْتُهُ أَمَرَنِي بِدَفْعِهَا إِلَى بَنِي شَيْبَةَ فَقَالَ أَمَا إِنَّ قَائِمَنَا لَوْ قَدْ قَامَ لَقَدْ أَخَذَهُمْ وَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَ طَافَ بِهِمْ وَ قَالَ هَؤُلَاءِ سُرَّاقُ اللَّهِ".
[7] كالعلامة قدس سره، أنظر: المختلف: ص507. [المقرر].
[9] لو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته لم يصح وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في ظاهر محكي المقتصر، لأنها مخالفة للكتاب و السنة، و لأنه من الحيف في الوصية الذي‌ورد فيه «إنه من الكبائر". وعن لغوية العبارة مطلقاً، قال: " هل يلغوا للفظ على وجه يكون كعدمه فيه تردد بل و خلاف ف‌ بين قائل ب‌ البطلان لذلك، و هو الأكثر كما في الرياض و بين قائل ب‌ إجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله، لمن عدا الولد، فيمضي في الثلث خاصة إن لم يجز الولد، و يكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة و هو خيرة الفاضل في المختلف". [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo