< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به 13/ الوصايا المتلاحقة

كان الحديث عن الوصايا المتلاحقة حيث يقوم الموصي بالوصية بأمرٍ ثم بآخر ثم بثالثٍ وهكذا، ولكن الثلث لم يفِ لادائها جميعاً، ولم يجز الورثة بالتصرف في أزيد من الثلث، فأي الوصايا تقدم في هذه الحالة؟

قبل أن ندرس روايات المقام، لابد أن نؤسس القواعد المتبعة في مثل هذه المسائل وهي التالية:

الأولى: إذا علمنا بكون الوصية التالية نسخت السابقة، كما لو كان الشخص يكتب وصيةً كل عامٍ لنسخ ما سبق، فتكون الوصية التالية مقدمة لا محالة.[1]

الثانية: إذا كان هناك مرتكزٌ عرفي يقدم وصيةٌ معينة على سائر الوصايا أو قامت القرائن على ذلك، فلابد من تقديمها، وذلك لإرتباط الوصية بقصد الموصي، فإذا علمنا به عبر القرائن قدّم.

الثالثة: الوصية بالدين الواجب مقدةٌ على غيرها، سواءاً ذكرها أولاً، أم لم يذكرها كذلك.

أما إذا لم يمكن إستظهار تقديم وصية على اخرى، أيها تقدم؟[2]

قالوا في الوصية: الوصايا الأولى هي المقدمة على التالية، فيبدأ بتنفيذ الوصية الأولى ثم الثانية حتى إنتهاء الثلث، فتكون الوصية بعد الثلث بلا مورد.

وهذا هو المشهور في المقام وتؤيده بعض الروايات الشريفة، ولكن ذهب البعض إلى تقديم العتق مطلقاً للنصوص في ذلك، وذهب بعضٌ إلى تقديم الوصية التالية لإحتمال كونها ناسخة للأولى.

روايات الباب

أما الروايات فعلى طوائف، منها ما تقدّم الوصية الأولى على التالية، وبعضها تقدّم العتق على سائر الوصايا، وبعضها تقدّم الوصية الأخيرة، وبعضها تقول بتقسيم الثلث على الوصايا:

الطائفة الأولى:

     عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي رَجُلٍ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِمَالٍ لِذَوِي قَرَابَتِهِ وَ أَعْتَقَ مَمْلُوكاً لَهُ وَ كَانَ جَمِيعُ مَا أَوْصَى بِهِ يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ كَيْفَ يَصْنَعُ فِي وَصِيَّتِهِ؟ فَقَالَ: "يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ فَيُنَفِّذُهُ"[3] .

ظاهر هذه الرواية تقديم العتق على غيرها، ولكن قد يقال أن "اعتق مملوكاً" يدل على أنه قد أعتقه في حياته، لا أنه أوصى بعتق المملوك، فتبقى الدلالة مجملة، ومثلها الرواية التالية، التي يستفاد منها تقديم العتق لكونه من منجزات المريض المقدمة على الوصية:

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَأَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ وَ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَكَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ قَالَ يُمْضَى عِتْقُ الْغُلَامِ وَ يَكُونُ النُّقْصَانُ فِيمَا بَقِيَ"[4] .

     عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "إِنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ خَادِماً لَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أُخْرَى أُلْقِيَتِ الْوَصِيَّةُ وَ أُعْتِقَ الْخَادِمُ مِنْ ثُلُثِهِ إِلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنَ الثُّلُثِ مَا يَبْلُغُ الْوَصِيَّةَ"[5] .

الطائفة الثانية:

     يُونُسُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام فَقُلْتُ إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِثَلَاثِ وَصَايَا فَبِأَيِّهِنَّ آخُذُ قَالَ: "خُذْ بِآخِرِهِنَّ" قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّهَا أَقَلُّ. قَالَ فَقَالَ: "وَ إِنْ قَلَّ"[6] .

الطائفة الثالثة:

     عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: أَوْصَتْ إِلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي بِثُلُثِ مَالِهَا وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتَقَ وَ يُحَجَّ وَ يُتَصَدَّقَ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْهَا فَقَالَ تَجْعَلُ أَثْلَاثاً ثُلُثاً فِي الْعِتْقِ وَ ثُلُثاً فِي الْحَجِّ وَ ثُلُثاً فِي الصَّدَقَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَقُلْتُ إِنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِي مَاتَتْ وَ أَوْصَتْ إِلَيَّ بِثُلُثِ مَالِهَا وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهَا وَ يُتَصَدَّقَ وَ يُحَجَّ عَنْهَا فَنَظَرْتُ فِيهِ فَلَمْ يَبْلُغْ فَقَالَ: "ابْدَأْ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يُجْعَلُ مَا بَقِيَ طَائِفَةً فِي الْعِتْقِ وَ طَائِفَةً فِي الصَّدَقَةِ" فَأَخْبَرْتُ أَبَا حَنِيفَةَ بِقَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام"[7] .

وهذه الرواية تدل على تقسيم الوصايا المتساوية في الأهمية، لا تقديم بعضها على بعض أو التخيير بينها.

الطائفة الرابعة

     عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَعْتِقُوا فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً حَتَّى ذَكَرَ خَمْسَةً فَنُظِرَ فِي ثُلُثِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُهُ أَثْمَانَ قِيمَةِ الْمَمَالِيكِ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِعِتْقِهِمْ فَقَالَ: "يُقَوَّمُونَ وَ يَنْظُرُونَ إِلَى ثُلُثِهِ فَيُعْتَقُ مِنْهُمْ أَوَّلُ مَنْ سَمَّى ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ ثُمَّ الرَّابِعُ ثُمَّ الْخَامِسُ وَ إِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ كَانَ ذَلِكَ فِي الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَخِيراً لِأَنَّهُ أَعْتَقَ بَعْدَ مَبْلَغِ الثُّلُثِ مَا لَا يَمْلِكُ وَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ"[8] .

وهي واضحة في الدلالة على تقديم الوصايا الأولى، وصولاً إلى حد الثلث، وبعد الثلث فهو قد أمر بما لا يملك، وهذه العلة المنصوصة متبعةٌ في سائر الموارد أيضاً، ولذلك إعتمد الأولى عليها فيما لو لم تكن الوصايا التالية ناسخة للوصيا السابقة، والرواية التالية توافق هذا المعنى أيضاً:

     عَنْ أبي عبد الله عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ بَعْضَ عَبِيدِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ وَ لَمْ يُعْلَمْ مَنْ أَعْتَقَ أَوَّلًا مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يُسَمِّهِ قَالَ عليه السلام: "يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَيُعْتَقُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام: "فَإِنْ سَمَّاهُمْ فَقَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي فُلَاناً وَ فُلَاناً نُظِرَ فِي ثُلُثِهِ وَ فِي أَثْمَانِهِمْ ثُمَّ بُدِئَ بِعِتْقِ مَنْ سَمَّاهُ أَوَّلًا فَأَوَّلا ً فَإِنْ خَرَجَ الثُّلُثُ عَلَى الرُّءُوسِ عَتَقُوا".

ففي حالة عدم وجود قرينة على تقديم وصية على أخرى نأخذ بالوصايا الأول.


[1] بل لا تبقى للوصايا السابقة محلٌ، لعلمنا بتراجع الموصي عنها. [المقرر].
[2] في الأمور الطبيعية يقدّم الناس الوصايا الأولى على غيرها، كما لو دفع الوالد قائمةً للتسوق لولده مع شيءٍ من المال، فإن الولد سيبدء بشراء المطلوب بدءاً من أول القائمة حتى نفاذ المال.
[3] الكافي: ج7، ص17.
[4] الكافي: ج7، ص17.
[5] الكافي: ج7، ص17.
[6] تهذيب الأحكام: ج9، ص190.
[7] الكافي: ج7، ص19.
[8] تهذيب الأحكام: ج9، ص197.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo