< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الموصى به 10/ الغبن في الموصى به

مما ثبت أن الوصية لا تكون إلا في الثلث، أما الزائد فيمضي بإجازة الورثة، وللموصي أن يوصي بالعين والمنفعة أيضاً، ولكن قد تكون الوصية في المعاملات، كالوصية بالرهن والقرض والبيع المحاباتي والمضاربة وما أشبه، فهل تصح الوصية بها، وكيف تكون؟

إن كان في المعاملة الموصى بها غبنٌ، كما البيع المحاباتي، الذي يوصي فيه المرء ببيع شيءٍ قيمته ألفاً لشخصٍ بمائة، فإن كان الموصي عالماً بالقيمة لزم العمل بها، أما إن لم يكن عالماً بذلك فللورثة أن يفسخوا العقد -بعد إجرائه- بخيار الغبن، لأن الغبن إنما يجوز إذا كان مقصوداً للوصية، أما وقوعه خارجها فلا.[1]

وكذا الأمر فيما يرتبط بالقرض والرهن والمضاربة، فإن أوصى الموصي بإقراض شخصٍ، ويعلم أنه قد لا يرد القرض، ومع ذلك يوصي فلابد من تنفيذ الوصية، وكذا إذا أوصى ولده الأكبر بأن يضارب في أموال التركة،[2] وجعل له نصف الربح، والنصف الآخر لسائر الورثة من الصغار، فيجوز ذلك، لأن الموصي وليٌ على أولاده الصغار فيمكنه أن ينقل هذه الولاية لولده الأكبر، كما يمكنه أن ينقلها إلى غيره.

ولو كان في المضاربة غبنٌ على باقي الورثة، وكان الموصي عالماً به، فلا إشكال في ذلك ما لم يبلغ الثلث من ماله، أما إن لم يكن يعلم بالغبن، فللآخرين أن ينقضوا هذا العقد.

وهل تجري ذات الوصية على سائر أبناءه البالغين؟

يجوز ذلك بقدر الثلث لا أكثر، ولكن ذهب البعض[3] إلى شمول الحكم حتى للأبناء الكبار، إستناداً للرواية المطلِقة للحكم، ولكن آخرون ذهبوا إلى إختصاص الحكم بالصغار[4] ، للتقيد بالقدر المتيقن، ولا مشهور في البين.

أما روايات الباب، فهي ثلاثةٌ قيدت إثنان منها الحكم بالأولاد الصغار، والثالثة يظهر منها الإطلاق، فهل تحمل الرواية المطلِقة على المقيدتين لمخالفتها الأصل؟

الأصل في الحكم هو عدم الولاية على الكبير، وأما الرواية المطلقة، فإن كانت في مقام بيان جهة الإطلاق، أو بتعبيرٍ آخر وجدت فيها مقدمات الحكمة قلنا بالإطلاق، ومن دون تحققها يشكل القول بالشمول لمخالفته الأصل.

وأما الروايات في هذه المسألة فهي:

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِوُلْدِهِ وَ بِمَالٍ لَهُمْ وَ أَذِنَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمَالِ وَ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَ هُوَ حَيٌّ"[5] .

وهذه الرواية التي يظهر منها الإطلاق، ولكن الحق لا يمكن أن يقال بأنها في مقام البيان من جهة الإطلاق، خصوصاً مع إحتمال عدم وجود أولادٍ كبارٍ للموصي، أو قبولهم للوصية.

     عَنْ خَالِدِ بْنِ بُكَيْرٍ الطَّوِيلِ قَالَ: دَعَانِي أَبِي حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ اقْبِضْ مَالَ إِخْوَتِكَ الصِّغَارِ فَاعْمَلْ بِهِ وَ خُذْ نِصْفَ الرِّبْحِ وَ أَعْطِهِمُ النِّصْفَ وَ لَيْسَ عَلَيْكَ ضَمَانٌ فَقَدَّمَتْنِي أُمُّ وَلَدٍ لِأَبِي بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَقَالَتْ لَهُ إِنَّ هَذَا يَأْكُلُ أَمْوَالَ وَلَدِي قَالَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَبِي فَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِنْ كَانَ أَبُوكَ أَمَرَكَ بِالْبَاطِلِ لَمْ أُجِزْهُ ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَيَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِنْ أَنَا حَرَّكْتُهُ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بَعْدُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّتِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُ مَا تَرَى؟ فَقَالَ: "أَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَلَا أَسْتَطِيعُ رَدَّهُ وَ أَمَّا فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْكَ ضَمَانٌ"[6] .

     عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَذِنَ الْمُوصِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ وُلْدِهِ الْأَطْفَالِ فَلَهُ ذَلِكَ وَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَ إِنْ شَرَطَ لَهُ فِيهِ رِبْحاً فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ"[7] .

وهاتان الروايتان صريحتان في تقييد الوصية بالولاية على مال الأطفال الصغار والإتجار بها، قال في مفتاح الكرامة: "إطلاقه يتناول الوارث الصغير والكبير، وما إذا كانت الحصة من الربح بقدر أجرة المثل لعمله أو زائدة عليها (فالولاية على الصغار سواءاً من قبل الوصي أو من قبل الحاكم الشرعي، يشترط فيها إما المصلحة وإما ما قيل بكفاية عدم المضرة، والفرق بينهما لا يخفى، حيث أن التحديد بالغبطة يحدد المضارِب بشكل أكبر مما لو قلنا بأن الولاية مشروطة بعدم الإضرار بالمولّى عليهم) وما إذا كان الوصي هو العامل أو غيره بأمره، وذلك كله قضية (مقتضى) إطلاق الشرائع[8] والتذكرة[9] والإرشاد[10] والتحرير[11] مع تأمل في الأخير و بعدم الفرق بين الصغار و الكبار صرّح في «الرياض»[12] و في «المسالك»[13] : أنّ أكثر الجماعة أطلقوا الصحّة في الورثة الشامل للمكلّفين و شمل إطلاقهم و إطلاق الروايتين ما إذا كان الربح بقدر اجرة المثل و ما إذا كان زائداً عليها بقدر الثلث أو أكثر انتهى. و قال قبل ذلك: إنّ خيرة الشرائع هو المشهور"[14] .

 

وكيف كان، لا شهرة منصورة في المقام، وإن ثبتت فلا حجية لها، لإستنادها إلى موثقة محمد بن مسلم، والتي لا يظهر منها الإطلاق، فيكون المعتمد القواعد العامة المانعة من الولاية على غير الصغار، والله العالم.


[1] قال المرجع الشيرازي في الفقه: ج61، ص217: "نعم إذا كانت المعاملة غبنية وعملها جاهلاً بالغبن كان للوارث الفسخ، لانتقال حق الخيار إلى الوارث".
[2] وأجاز الورثة في الزائد عن الثلث إّذا كانوا بالغين. [المقرر].
[3] كما يظهر ذلك من إطلاق المحقق الحلي قدس سره. [المقرر].
[4] كما يظهر من المرجع الشيرازي قدس سره، أنظر: الفقه: ج61، ص217.
[5] الكافي: ج7، ص62.
[6] الكافي: ج7، ص62.
[7] دعائم الإسلام: ج2، ص364.
[8] الشرائع: ج2، ص246.
[9] تذكرة الفقهاء: ج2، ص521.
[10] إرشاد الأذهان: ج1، ص460.
[11] تحرير الأحكام: ج3، ص343.
[12] رياض المسائل: ج9، ص516.
[13] مسالك الأفهام: ج6، ص154.
[14] مفتاح الكرامة: ج20، ص458.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo