الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي
بحث الفقه
41/03/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الموصى به 5 / تحديد الوصية بالثلث4
إذا أجاز الورثة في الزائد عن الثلث في حياة الموصي، فليس لهم الرجوع بعد وفاته، وكذا لو أجازوا بعد الوفاة، ولكن هل يستطيع الورثة أن يرجعوا عن الإجازة في حياة الموصي؟
ذهب المشهور إلى جواز ذلك قبل وفاة الموصي، لأصالة تسلط الإنسان على إجازته وعدمها، لتسلطه على أمواله.
وفي مقابل هذا الأصل المتسالم عليه أمران، إعتباريٌ وروائي، فإن نهضا للمخالفة نلتزم بها، وإلا فالمرجع إلى الأصل.
أما الأول، فإن إجازة الورثة للزائد عن الثلث، نوع إسقاط حقٍ، حيث لا تجوز الوصية إلا في حدود الثلث وللورثة المنع من الزائد عنها، فإذا أسقطوا هذا الحق فلا يرجع، كما الإبراء.
وفيه: عدم معرفة طبيعة الإجازة، هل هي إسقاط حقٍ كالإبراء أم أمرٌ آخر.
وأما الثاني، فقد دلت النصوص بعدم الحق للورثة في الرجوع بعد الإجازة ومرّ ذكرها في البحث السابق.
وفيه: أن روايتين من ثلاث صريحتان في أن الممنوع هو العودة عن الإجازة بعد الوفاة، والرواية الثالثة مجملة، فلا يمكن التعويل عليها أيضاً في المنع من الرجوع عن الإجازة قبل الوفاة، والروايات هي:
• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَ وَرَثَتُهُ شُهُودٌ فَأَجَازُوا ذَلِكَ فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ نَقَضُوا الْوَصِيَّةَ هَلْ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَقَرُّوا بِهِ؟ قَالَ: "لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ إِذَا أَقَرُّوا بِهَا فِي حَيَاتِهِ"[1] .
• عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ يَعْنِي بِمَا يُجَاوِزُ الثُّلُثَ فَأَجَازَ لَهُ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ ؟قَالَ: "لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا"[2] .
• عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وَ وَرَثَتُهُ شُهُودٌ فَأَجَازُوا ذَلِكَ لَهُ قَالَ: جَائِز"[3] .
فالحديثان الأول والثاني صريحان في حالة إرادة الرجوع بعد الموت، أما صحيحة منصور بن حازم فمجملة في جهة الموت، بل ناظرةٌ إلى.
وهكذا فالأصل هو المعتبر في المقام، من جواز الرجوع عن الإجازة قبل موت الموصي.
كيفية إنتقال الموصى بهإذا أجاز الورثة بالزائد عن الثلث، فهل يكون إنتقال المال إلى موارد الوصية مباشرةً أم عبر الورثة؟
قالوا[4] بإنتقالها إلى الموصى له مباشرةً، فإن إجازتهم بمثابة إسقاط الحق[5] ، وكأن الميت لم يكن له ورثة، فيكون الأمر دائراً بين الموصي والموصى له.
وتظهر الثمرة في النماء الحاصل في المال، مع تأخر الموصى له في القبول، فإنه لا يكون للورثة بناءاً على هذا القول، أما على القول بالإنتقال إلى الورثة أولاً، فيكون النماء لهم، ولكنا قلنا بأن قبول الموصى له كاشفٌ لا ناقل.
قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "هذا و الإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي و ليست ابتداء عطية من الوارث فلا ينتقل الزائد إلى الموصى له من الوارث بأن ينتقل إليه بموت الموصى أولا ثمَّ ينتقل إلى الموصى له بل و لا بتقدير ملكه (وهذا ناشءٌ من البحث في إمكان ملك الميت أو عدم الإمكان، كما مرّت الإشارة إليه سابقاً) بل ينتقل إليه من الموصي من الأول"[6] .