< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط الموصي

 

الشرط الثالث: الإختيار

الشرط الثالث الذي يذكره العلامة الطباطبائي قدس سره، للموصي هو الإختيار، إذ لا أهلية للمكره، بعد أن كان مسلوب الإرادة.

نعم؛ لابد من التفريق بين المضطر والمكره كما لا يخفى، حيث أن المضطر يمتلك الإرادة الحرة ولكنه مضطرٌ إلى قيامه بهذا التصرف كحاجةٍ ملحة أو مرضٍ أو ما أشبه من المؤثرات الخارجية الطبيعية، أما المكره فهو الذي يتعرض للإكراه من شخصٍ آخر بما يسلبه الإرادة.

الشرط الرابع: الرشد

من شروط الموصي، الرشد، إذ لا تصح وصية السفيه، بيان ذلك:

حيث نعتبر العقل شرطاً للأهلية، نخرج المجنون عن دائرة الأهلية لعدم عقله، والعقل درجاتٌ، فقد لا يكون المجنون مسلوب العقل تماما، بل قد يكون السفه من درجات الجنون، فلا يسمى مجنوناً ولكن حيث أن الأهلية لا تتم عرفاً عند من لا حكمة له في تصرفاته، فيكون السفيه ملحقاً بالمجنون.

ومن هنا، لنتحدد معايير الأهلية بدلاً من التمحور حول كلماتٍ كالجنون أو السفه، فالمبتلى بتلازمة داون[1] ، يناط إليه بعض الأعمال دون أخرى، لأن بعضاً من التصرفات تفتقر إلى مستويات عالية من العقل والرشد.

والسفيه الذي نلغي وصيته وتصرفاته، فهو الذي لا يعتمد العرف على تصرفاته، وربما يعتمد العرف على تصرفاته في أمورٍ بسيطة.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "الرابع الرشد فلا تصح وصية السفيه و إن كانت بالمعروف سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده (فالسفه مؤثرٌ على أهلية الإنسان دون الحاجة إلى حكم الحاكم، إذ حكمه يكون في المفلس لوجود الغرماء، وليس ذلك في السفيه دائماً، حيث لا يعلم بسفهه سوى المحيطين به، نعم؛ إذا وصل الأمر إلى الحاكم يحكم بالمنع، كما في صور النزاع) و أما المفلس فلا مانع من وصيته و إن كانت بعد حجر الحاكم لعدم الضرر بها على الغرماء لتقدم الدين على الوصية."[2]

الشرط الخامس: الحرية

لم يفصّل الفقهاء الحديث عن الحرية، ويتمحور البحث فيما لو قلنا بملكية العبد، حيث يأتي التساؤل عن السبب في إعتبار الحرية في صحة الوصية بعد القول بملكية العبد؟

قيل بأن ذلك لوجود الأدلة الخاصة المانعة من تصرف العبد، مثل قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‌ شَيْ‌ءٍ﴾.

ولكنا لسنا مع سلب الإرادة كلياً عن العبد، بل هو مسلوب الإرادة فيما يتصل بعبوديته، لا أزيد من ذلك، قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "الخامس الحرية فلا تصح وصية المملوك بناء على عدم ملكه و إن أجاز مولاه بل و كذا بناء على ما هو الأقوى من ملكه لعموم أدلة الحجر‌و قوله عليه السلام: لا وصية لمملوك‌. بناء على إرادة نفي وصيته لغيره لا نفي الوصية له نعم لو أجاز مولاه صح على البناء المذكور و لو أوصى بماله ثمَّ انعتق و كان المال باقيا في يده صحت على إشكال نعم لو علقها على الحرية فالأقوى صحتها و لا يضر التعليق المفروض‌"[3] .

الشرط السادس: أن لا يقتل نفسه

الإنتحار أحد أسباب بطلان الوصية، فإذا باشر شخصٌ بالإنتحار فأوصى قبل موته، لم تقبل وصيته لسفاهته، بل ربما يقال بجنونه لأنه ضربٌ منه، فلا أهلية له ليكون موصياً بشيءٍ من أمواله.

ولكن قيل بأن المنع من قبول وصيته هنا ليس للسفاهة أو الجنون، فقد يكون مضطراً لذلك لتردده بين أمرين شديدين، مضافاً إلى أنه قد يصحو قبل موته لفترة، فلمَ لا تقبل وصيته؟

يجب العلامة الطباطبائي عن ذلك بوجود النص الصريح المانعة من قبول وصيته، وهو صحيحة أبي ولاد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مُتَعَمِّداً فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا قِيلَ لَهُ أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ قَالَ فَقَالَ إِنْ كَانَ أَوْصَى قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ حَدَثاً فِي نَفْسِهِ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ فِعْلٍ لَعَلَّهُ يَمُوتُ أُجِيزَتْ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ وَ إِنْ كَانَ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ مَا أَحْدَثَ فِي نَفْسِهِ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ فِعْلٍ لَعَلَّهُ يَمُوتُ لَمْ تُجَزْ وَصِيَّتُهُ"[4] .

وفي الدعائم أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَصِيَّةِ قَاتِلِ نَفْسِهِ قَالَ: إِذَا أَوْصَى بِهَا بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ الْحَدَثَ فِي نَفْسِهِ وَ مَاتَ مِنْهُ لَمْ تُجَزْ وَصِيَّتُهُ"[5] .

والظاهر أن الوصية هنا هي الوصية بالمال لدلالة صحيحة أبي ولاد المعتمدة في هذا الباب على ذلك، ومن هنا قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "السادس أن لا يكون قاتل نفسه بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه مع جرح أو شرب سم أو نحو ذلك فإنه لا تصح وصيته على المشهور المدعى عليه الإجماع للنص الصحيح الصريح خلافا لابن إدريس و تبعه بعض و القدر المنصرف إليه الإطلاق الوصية بالمال و أما الوصية بما يتعلق بالتجهيز و نحوه مما لا تعلق له بالمال فالظاهر صحتها كما أن الحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك عمدا لا سهوا أو خطأ و برجاء أن يموت لا لغرض آخر و على وجه العصيان لا مثل الجهاد في سبيل الله (وهذا من الأحكام التي تعد من مفاخر الفقه الجعفري حيث ذكره العلامة ولم يعلق الشراح عليه بنفيٍ أو إعتراض، حيث أشار قدس سره في هذا المقام إلى العمليات الإستشهادية في سبيل الله، ولم يعتبره داخلاً في صحيحة أبي ولاد، وفي التاريخ شواهدٌ على قيام المسلمين ببعض الأعمال التي يظهر منها الإنتحار ولكنها كانت في الحقيقة حركات إستشهادية في سبيل الله سبحانه، كما فعل بعض المسلمين في معركتهم مع مسليمة الكذاب حين حاصروا حصنه، فتبرعوا بأن يتم رميهم بالمنجنيق إلى داخل الحصن، ومن الواضح أن بعضهم كان يلقى حتفه من هذه الحركة، وكذلك ما فعله بعض اصحاب سيد الشهداء عليه السلام من إستقبال السهام والنبال بأبدانهم دفاعاً عن الإمام عليه السلام.) و بما لو مات من ذلك و أما إذا عوفي ثمَّ أوصى صحت وصيته بلا إشكال و هل تصح وصيته قبل المعافاة إشكال و لا يلحق التنجيز بالوصية هذا و لو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمَّ أحدث صحت وصيته و إن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث ذلك بعدها للصحيح المتقدم مضافا إلى العمومات‌"[6] .


[1] وهو المعبّر عنه عرفاً بالـ"منغولي".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo