< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل الوصية/ شروط الموصي 1

 

الشرط الأول: البلوغ

تتكرر في الفقه الإسلامي بعض البحوث، والأفضل هو جمعها في مكانٍ واحد بدل توزيعها وتكرارها في كل بابٍ من الأبواب، ومن تلك المباحث مبحث الأهلية، إذ إن تصرفات الإنسان مشروطةٌ جميعاً بالأهلية، ولولاها لم يؤبه بقوله أو فعله، وتتقوم الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية والإختيار.

بيد أن الفقه حيث رتّب بناءاً على الحاجة العملية -دون النظرية- فإن الفقهاء كرروا هذه المباحث، مضافاً إلى وجود بعض الإستثناءات في بعض الأبواب الفقهية، ومن تلك الأبواب باب الوصية، حيث استثنى الفقهاء -تبعاً للنصوص الخاصة- شرط البلوغ في صحة الوصية، بعد أن كان شرطاً لدفع المال إليه لقوله سبحانه: ﴿وَ ابْتَلُوا الْيَتامى‌ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُم‌﴾[1] ، ورفع القلم عن الصبي حتى يبلغ لقول النبي صلى الله عليه وآله: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ"[2] ، ولكن رغم ذلك أستثني هذا الشرط في باب الوصية في الصبي إذا بلغ عشر سنوات، حيث تمضى وصيته فيما يتصل بعمل الخير كصلة الرحم.

فهل يعد إمضاء الوصية في المقام إستثناءاً من الحكم العام، أم يعد أمراً عرفياً حيث يقبل العرف هكذا وصايا؟

وبعبارةٍ أوضح، فإن المنع من قبول كلام الصبي لحالة الصبى ونزوات الطفولة فيه، أما الصبي المميز المشرف على الوفاة وأوصى بوصايا عقلائية، فإن العقلاء يرون لكلامه وزناً وموضعاً، ومثله ما لو سرق الصبي المميز، فإنه يعاقب بحك أصابعه لإدراكه القبح والحسن، وإمتلاكه قدراً من العقل والشعور، مما يحمله مسؤولية أعماله.

وكيف كان، فنحن نسلّم لروايات أهل البيت عليهم السلام، وهي المعتمد في المقام.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "يشترط في الموصي أمور‌الأول البلوغ فلا يصح وصية غير البالغ نعم الأقوى وفاقا للمشهور صحة وصية البالغ عشراً إذا كان عاقلاً في وجوه المعروف للأرحام أو غيرهم لجملة من الأخبار المعتبرة خلافا لابن إدريس و تبعه جماعة"[3] .

أما الأخبار الواردة فهي كثيرة، نذكر منها:

     عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "إِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ عَشْرَ سِنِينَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ"[4] .

وهذا النص مطلقٌ لا تقيّد الوصية بجوانبٍ معيّنة، كما نجد ذلك في النص التالي الذي يخصص الوصية ببعض الجوانب، وذلك لأن المثبتين لا يخصص أحدهما الآخر:

     عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: "إِذْ أَتَى عَلَى الْغُلَامِ عَشْرُ سِنِينَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ مَا أَعْتَقَ وَ تَصَدَّقَ وَ أَوْصَى عَلَى حَدٍّ مَعْرُوفٍ وَ حَقٍّ فَهُوَ جَائِزٌ"[5] .

     عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ وَصِيَّةِ الْغُلَامِ هَلْ تَجُوزُ قَالَ :إِذَا كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ"[6] .

     عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَ إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ".[7]

     عَنْ أَبِي بَصِيرٍ وَ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الْغُلَامِ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ يُوصِي قَالَ:" إِذَا أَصَابَ مَوْضِعَ الْوَصِيَّةِ جَازَتْ"[8] .

ويستفاد من هذا النص، الحاجة – في إمضاء الوصية- إلى إشراف العقلاء على الوصية، فهل هي في المعروف فتمضى أم لا، فتترك.

     عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ الْغُلَامَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَ لَمْ يُدْرِكْ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَ لَمْ تَجُزْ لِلْغُرَبَاءِ"[9] .

وتخالف هذه الرواية عمومات الروايات السابقة، فتكون مخصصةً لعمومها، ونستفيد من هذه الرواية أيضاً ضرورة وجود الرقابة على الوصية قبل إمضائها.

     عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام قَالَ: "يَجُوزُ طَلَاقُ الْغُلَامِ إِذَا كَانَ قَدْ عَقَلَ وَ صَدَقَتُهُ وَ وَصِيَّتُهُ وَ إِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ"[10] .

     عن إبن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "الْغُلَامُ إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ وَ لَمْ يُدْرِكْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَ أَوْصَى جَازَتْ وَصِيَّتُهُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِم‌"[11] .

وهذا النص يخالف الروايات المصرحة بجواز صدقته وعتقه، وهو لا يكون للأرحام عادةً، وربما يمكن الجمع بين هذه النصوص بوجود حالة من التعادل في أمر الوصية بين الإفراط والتفريط بوجود الإشراف من قبل العقلاء.

وهناك نصوصٌ أخرى، يستفاد منها جواز أمر الغلام، ولكنها ليست صريحة في الوصية، كما أنها لم تحدد ذلك بعشر سنين، لاحظ:

     عَنِ ابْنِ سِنَانٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مَتَى يُدْفَعُ إِلَى الْغُلَامِ مَالُهُ قَالَ: "إِذَا بَلَغَ وَ أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ وَ لَمْ يَكُنْ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً قَالَ قُلْتُ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَ لَمْ يَبْلُغْ قَالَ إِذَا بَلَغَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً جَازَ أَمْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً"[12] .

     عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام قَالَ: "إِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ ثَمَانَ سِنِينَ فَجَائِزٌ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ وَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ وَ الْحُدُودُ وَ إِذَا تَمَّ لِلْجَارِيَةِ سَبْعُ سِنِينَ فَكَذَلِكَ"[13] .

وهذان النصان يخالفان النصوص السابقة في جهة تحديد العمر، والمعتمد في المقام -تبعاً للنصوص- هو التحديد بعشر سنوات، وهذا يجرّنا إلى الحديث عن النصوص المتعارضة في سن بلوغ الصبي والصبية، ويمكن حمل التعارض على الإختلاف في الأمزجة والمناطق والقبائل، مضافاً إلى أن القاعدة العامة أن العمر لا يعتبر من علامات البلوغ الأصلية، بل الأصل هو بلوغ قدرة النكاح أو الرشد، أو غيرها من العلامات الخارجية، وكذا الأمر في الفتيات.

 

الشرط الثاني: العقل

والشرط الثاني هو العقل، فلا تصح وصية المجنون، وهو موضع وفاقٍ، حيث لا يأبه الناس بغير العاقل، وهو خارجٌ عن الأهلية تخصصاً، فلا حاجة إلى الإستدلال لذلك، ولكن يأتي السؤال عن المجنون الأدواري، هل تمضى وصيته إن أوصى في أوقات تعقله أم لا؟

نعم، تؤخذ بوصيته حال تعقله، وذلك لعدم الإشكال في أهليته حينئذٍ، فالمطلوب هو كمال الأهلية حين الوصية لا في الأوقات الأخرى، كما أن العاقل قد يكون مسلوب الأهلية في بعض الأوقات -كالنوم والغضب الشديد- ولكن لا يمنع ذلك من الأخذ بوصيته، ومن هنا قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "الثاني العقل فلا تصح وصية المجنون نعم تصح وصية الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته و كذا لا تصح وصية السكران حال سكره و لا يعتبر استمرار العقل فلو أوصى ثمَّ جن لم تبطل كما أنه لو أغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيته فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصية"[14] .


[1] سوره نساء، آیه6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo