< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل الوصية/ أدوات إظهار الوصية

 

الوصية عقدٌ، ولكن ماهي ماهية العقد؟

سؤالٌ يتكرر عند الحديث عن أي عقدٍ من العقود، حيث يتم التساؤل عن ماهية العقد، هل هو اللفظ أم الإلتزام النفسي؟

العقد هو إلتزام الذمة، وعقد القلب والذمة، وهذا جارٍ في كل العقود، بل في الإيقاعات أيضاً، إذ لا ينفع النطق باللسان إن لم ينعقد قلب الإنسان على شيء، نعم، اللفظ باللسان، هو المظهر للعقد القلبي، وقد يكون المظهر إشارةً أو كتابةً أو فعلاً آخر.

والوصية هي الآخرى عقدٌ يظهره اللفظ أو الإشارة أو الكتابة أو ما أشبه من مظهرات ذلك العقد القلبي، وقد أكدت النصوص الشريفة على هذه الحقيقة بذكر بعض المصاديق المظهِرة للوصية، وسنذكر بعضاً من تلك النصوص الشريفة.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره في المسألة التاسعة: الأقوى في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من الألفاظ، ‌ولا يعتبر فيه لفظ خاص (كالتعبير بالوصية) بل يكفي كل فعل دالٍ عليها حتى الإشارة والكتابة (بل قد تكون الكتابة آكد من اللفظ، كما هو الحال اليوم في أغلب المعاملات الخطيرة، حيث لا يمضيها العرف إلا مكتوبةً، ولذلك لسنا بحاجة إلى التحول إلى غير اللفظ في حالات الإضطرار فقط، ولذلك قال العلامة:) ولو في حال الاختيار إذا كانت صريحة في الدلالة، بل أو ظاهرة فإن ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال، فما يظهر من جماعة اختصاص كفاية الإشارة و الكتابة بحال الضرورة، لا وجه له، بل يكفي وجود مكتوب منه بخطه و مهره إذا علم كونه إنما كتبه بعنوان الوصية و يمكن أن يستدل عليه‌بقوله ع (قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله) : لا ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا و وصيته تحت رأسه‌[1] بل يدل عليه‌ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إليه كتب رجل كتابا بخطه و لم يقل لورثته هذه وصيتي و لم يقل إني قد أوصيت إلا أنه كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه و لم يأمرهم بذلك فكتب إن كان له ولد ينفذون كل شي‌ء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر و غيره‌[2] .

ومضافاً إلى هذين النصيّن فهناك نصوصٌ أخرى هي التالية:

     عَنْ أَبِي مَرْيَمَ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ وَ أُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، كَانَتْ تَحْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بَعْدَ فَاطِمَةَ عليها السلام، فَخَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ عَلِيٍّ عليه السلام، الْمُغِيرَةُ بْنُ النَّوْفَلِ فَذَكَرَ أَنَّهَا وَجِعَتْ وَجَعاً شَدِيداً حَتَّى اعْتُقِلَ لِسَانُهَا فَجَاءَهَا الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ابْنَا عَلِيٍّ عليهم السلام، وَ هِيَ لَا تَسْتَطِيعُ الْكَلَامَ فَجَعَلَا يَقُولَانِ لَهَا وَ الْمُغِيرَةُ كَارِهٌ لِذَلِكَ أَعْتَقْتِ فُلَاناً وَ أَهْلَهُ فَجَعَلَتْ تُشِيرُ بِرَأْسِهَا نَعَمْ وَ كَذَا وَ كَذَا فَجَعَلَتْ تُشِيرُ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ لَا تُفْصِحُ بِالْكَلَامِ فَأَجَازَ ذَلِكَ لَهَا [3] .

     عن علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْمَرْأَةِ فَجَعَلَ بَعْضُ أَهَالِيهِمَا يَسْأَلُهُ أَعْتَقْتَ فُلَاناً وَ فُلَاناً فَيُومِئُ بِرَأْسِهِ أَوْ تُومِئُ بِرَأْسِهَا فِي بَعْضٍ نَعَمْ وَ فِي بَعْضٍ لَا وَ فِي الصَّدَقَةِ مِثْلُ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ هُوَ جَائِزٌ"[4] .

     عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ أُمَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى قَدَمَيْهَا وَ كَانَتْ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ- بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ وَ هُوَ يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً كَمَا وُلِدُوا فَقَالَتْ وَا سَوْأَتَاهْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَكِ كَاسِيَةً وَ سَمِعَتْهُ يَذْكُرُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ وَا ضَعْفَاهْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَكِ ذَلِكِ وَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَوْماً إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَ جَارِيَتِي هَذِهِ فَقَالَ لَهَا إِنْ فَعَلْتِ أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْكِ مِنَ النَّارِ فَلَمَّا مَرِضَتْ أَوْصَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتِقَ خَادِمَهَا وَ اعْتُقِلَ لِسَانُهَا فَجَعَلَتْ تُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِيمَاءً فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَصِيَّتَهَا"[5] .

     عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ- وَ قَدِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ فَأَمَرْتُهُ بِالْوَصِيَّةِ فَلَمْ يُجِبْ قَالَ فَأَمَرْتُ بِطَشْتٍ فَجُعِلَ فِيهِ الرَّمْلُ فَوُضِعَ فَقُلْتُ لَهُ خُطَّ بِيَدِكَ فَخَطَّ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ فِي الرَّمْلِ وَ نَسَخْتُ أَنَا فِي صَحِيفَةٍ"[6] .

ومن هذه النصوص الشريفة نستفيد إمكانية الإيصاء بأية وسيلةٍ تظهر بها مراد الموصي، ومنها الأدوات الحديثة كأجهزة تسجيل الصوت أو الصوت والصورة، والله العالم.

 


[1] نص الحديث كما في المقنعة: ص666: "مَا يَنْبَغِي لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً إِلَّا وَ وَصِيَّتُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ" [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo