< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موت العامل / الملحقات / كتاب المضاربة

 

كان الكلام في مسألة وفاة العامل وكيفية إسترجاع مال المضاربة، ولإختلاف صور المسألة وإختلاف أحكامها وتعارض كلمات الفقهاء لابد أن نستبين المباني التي نعتمدها في مثل هذه المسألة أولا، وهي ثلاثة مباني أساسية:

 

قاعدة اليد

أولا: ذكرنا أن قاعدة اليد من القواعد المتينة التي تشير إلى أصل عقلائي، وهذه القاعدة مدعومة بالآيات كقوله سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‌ أَهْلِها[1] ، مضافاً إلى ورودها في الأثر عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ"[2] أو "تُؤَدِّيَهُ"[3] ، مضافاً إلى مجمل ما يستفاد من الآيات والروايات من وجوب الوفاء بحقوق الآخرين هذا كله من جهة، ومن جهة أخرى نعلم بأن الوفاء بحقوق الآخرين ينتقل إلى الورثة، فكما أن الإنسان مسؤول عن حق الآخرين فإن ورثته كذلك لأن الله سبحانه يقول: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْن‌﴾[4] فهو من الديون.

ومن ذلك يظهر، أن القاعدة ليست قاعدة يمكن المناقشة في سندها لـ:

أولاً: إعتماد الفقهاء على هذه القاعدة في أغلب أبواب الفقه.

ثانياً: شهرة الحديث عند الفريقين.

ثالثاً: تصديق الكتاب للحديث في أكثر من آية.

نعم؛ يبقى الحديث في دلالة الحديث النبوي فإن عموم اليد يشمل كل يد، أمانيةً كانت أم ضمانية، وحرف "على" يدل على فرض المسؤولية، فإنصراف الحديث إلى خصوص اليد الضامنة ـ كما عن البعض ـ محل تأمل، بل على العكس تماماً، وعند الشك في الإنصراف فالأصل عدمه، كذلك الشك في إستثناء اليد الأمينة عن القاعدة فإن المرجع فيه هو التمسك بعموم الحديث.

هذا مضافا إلى عدم تمامية المعنى على القول بالإستثناء ـ أي أن يقال على اليد ما أخذت حتى تؤدي إلا اليد الأمانية ـ فإنه لا شك في وجوب أداء اليد الأمينة لما أخذته إلا في صورة التلف من غير تعدي وتفريط وهي مسألة أخرى لا ترتبط بما نحن فيه.

هذا كل مع ما عرفت من أن الآيات المباركة التي دلت على وجوب الرد والأداء ذكرت خصوص الأمانة وهو أمر واضح.

وعلى ما ذكرنا فالقاعدة تفيد أن العامل حيث وضع يده على مال المضاربة وجب عليه رده إلى مالكه.

 

أصل الإستصحاب

ثانياً: مقتضى الأصل العملي هو وجوب الأداء أيضاً وبيان ذلك يبتني على تقديمين:

الأول: أساس الإستصحاب أو ما عبر عنه بقاعدة اليقين – و إن فرّق بينهما الأصوليين ولكن القدماء كانوا يعبرون عنها بقاعدة اليقين لورود التعبير في النصوص بذلك ـ تفيد عدم ناقضية الشك لليقين، حتى وإن تبدل اليقين إلى الشك، فبإعتبار وجود يقين سابق ينبغي الإستمرار عليه حتى يأتي يقينٌ آخر.

الثاني: الإستصحاب (قاعدة اليقين) هي اصل عقلائي عند البشر كلهم، بل حتى عند غير البشر، وفي ما نحن فيه: العامل أخذ مال المالك ولدينا علمٌ بذلك، ولا نعلم هل رد المال أم لا، كما نشك في تلف المال؟ فالأصل هو بقاء المال في يده ووجب الرد عليه.

أما دعوى عدم جريان الإستصحاب لتبدل الموضوع فقد عرفت ما فيه.

 

الرواية

ثالثاً: رواية السكوني التي ذكرناها عن أمير المؤمنين عليه السلام هي الأخرى تدل على ما ذكرنا من مقتضى القاعدة والأصل.

نعم؛ ورد التعبير فيها بأنه: "يموت وعنده.." فقد يقال بلزم العلم بكون المال عنده والحال أنّا نشك في ذلك، لكنه يقال: بأن الأصل ينزل منزلة العلم كما حقق في محله.

 

تحقيق المسالة

بعد معرفة المباني الثلاث يتضح الرأي ف ي المسألة التي أوردها السيد قدس سره حيث قال: "وأما إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت (وهنا ثلاث حالات:) و لم يعلم أنه موجود في تركته الموجودة أو لا بأن كان مدفونا في مكان غير معلوم أو عند شخص آخر أمانة أو نحو ذلك (والصورة الثانية:) أو علم بعدم وجوده في تركته مع العلم ببقائه في يده بحيث لو كان حيا أمكنه الإيصال إلى المالك (والصورة الثالثة:) أو شك في بقائه في يده وعدمه أيضا ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشكال على اختلاف مراتبه وكلمات العلماء ‌في المقام وأمثاله كالرهن والوديعة ونحوهما مختلفة (وحتى المعلقين، فقد أختلفوا في الصور الثلاث، ففي الصورتين الأوليتين يقول السيد قدس سره بضمان الورثة للمال حيث قال:) و الأقوى الضمان في الصورتين الأوليين (العلم ببقاء المال بيد العامل سواء شككنا بوجوده في التركة، أو علمنا بعدم وجوده في ضمن التركة وذلك) لعموم ‌قوله عليه السلام: على اليد ما أخذت حتى تؤدي‌"[5] .

ونذكر هنا ملاحظة بأن الآيات والروايات الشريفة بينها تشابه وتكامل، فيمكن إستلهام المباني الأساسية، فما من آية أو رواية إلا ولها مشابهات مع وجود بعض الفوارق، وهذا هو التفقه الذي يفيدنا إستيعاب المباني الأصلية للشريعة.

وقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "على اليد.." يشمل الأمانات أيضاً كما ذكرنا، ومن هنا قال السيد قدس سره: "حيث إن الأظهر شموله للأمانات أيضا ودعوى خروجها لأن المفروض عدم الضمان فيها (فالحديث لا ينظر إلى الضمان، بل يوجه إلى الأداء وما لا يختلف فيه أحد هو وجوب رد الأمنة مع بقائها، والضمان يستفاد بدلالة الإلتزام) مدفوعة بأن غاية ما يكون خروج بعض الصور منها كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادعى تلفها كذلك إذا حلف و أما صورة التفريط و الإتلاف و دعوى الرد في غير الوديعة و دعوى التلف و النكول عن الحلف فهي باقية تحت العموم (هناك موارد في الأمانة لا تزال باقية في عموم على اليد، كالأمين المفرط فيها، أو مدعي التلف دون تفريط مع نكوله فيضمن الأمانة وعليه ردها، أما ما قاله البعض بأن الضمان في حال التفريط مستفاد من دليل الخيانة لا من جهة الحديث كما ترى ومن هنا قال السيد رداً على هذه الدعوى: "ودعوى أن الضمان في صورة التفريط والتعدي من جهة الخروج عن كونها أمانة أو من جهة الدليل الخارجي كما ترى لا داعي إليها و يمكن أن يتمسك بعموم ما دل على وجوب رد الأمانة (قالوا لا يشمل رد الأمانة رد بدلها إذا تلفت وفيه: أن كلمة الرد كما تشمل العين تشمل البدل، وهي تأتي في الدين الذي يكون في البدل عادةً، والذي يشمل حالة تلف الأمانة.. والسيد تحدث مفصلاً حيث قال:) بدعوى أن الرد أعم من رد العين و رد البدل واختصاصه بالأول ممنوع.."[6] .

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo