< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاعات في المضاربة/ 5

 

"لو ادعى المالك أنه أعطاه المال مضاربة و ادعى القابض أنه أعطاه قرضا يتحالفان"[1] .

 

بين مصب الدعوى ومآله

هل المعيار في الخلافات هو مصب الدعى أي طريقة إظهار الخصمين لدعواهم أم مآلها الذي يعني معرفة المدعي والمنكر بعيداً عن أسلوب طرح القضية؟

ففيما لو قلنا بالأول فلابد أن نرجع إلى ظواهر الأمور وعادةً ينتهي النزاع إلى التحالف فيما لو لم يكن بين الطرفين قدر مشترك، حيث ينكر كلٌ من الطرفين ما يدعيه الآخر، بينما في الثاني لابد أن يتم تمييز المدعي عن المنكر ليسمع قول المنكر مع يمينه.

 

الربح بين المال والعمل

سبق وأن قلنا أن للمال نصيبٌ من الربح كما للعمل نصيب، إذ الربح حصيلة المال والعمل، ويمكن للعرف أن يحدد نسبة دور كل منهما في إستحصال الربح، وإن لم يمكنه ذلك فهناك طرق أخرى، فليس لصاحب المال كل الربح.

 

النزاع بين القراض والقرض

والمسألة المبحوثة هي فيما لو أدعى المالك أن المال كان بينهما مضاربةً (قراضاً) بينما أنكر العامل ذلك وقال بل هو قرضٌ، وقد تعكس الدعاوى إذا خسر المال ولم حصل ربح حيث سيكون دعوى العامل أنه قراض والمالك أنه قرض بطبيعة الحال.

وقد تحدث خلافات جزئية في التفاصيل بين الطرفين، يبدو أن مرجعها إلى القاضي حيث يحدد المدعي عن المنكر فيها.

فإذا ربح المال، وحصل النزاع بين الطرفين، فأدعى المالك أنه مضاربةً وأدعى القابض أنه قرض، فقال بعض العلماء ومنهم السيد اليزدي قدس سره بالتحالف، حيث قال: "لو ادعى المالك أنه أعطاه المال مضاربة و ادعى القابض أنه أعطاه قرضا يتحالفان"[2] .

وذلك لإدعاء كل منهما معاملةً غير ما يدعيه الآخر، فكلٌ يحلف منكراً دعوى المقابل.

ولكن البعض خالف في ذلك وقال بالتحقق لكشف المنكر وتمييزه عن المدعي، فلو فرض مالٌ مقبوض من شخص بدون عقد وربح فيه القابض، فمن الطبيعي سيقسم الربح بينهما بحسب نسبة المال والعمل، والأمر ذاته في الإختلاف في المعاملة فلو تركنا مصب الدعوى وإهتمننا بمآله سنجده مالاً مقبوضاً رابحاً، والخلاف في الربح، حيث يدعي أحدهما أنه مالكٌ للنصف والثاني يقول بأنه مالكٌ للجميع.

ففي مثل هذه الحالة المالك هو المنكر، لأن المال له، لكن بإعتبار عمل العامل ودوره في الربح فله حصة أيضاً، فبالرغم من أن المالك قوله هو المقدم ولكن العدل يقتضي وجود حصة للعامل (القابض) أيضاً، فيقدم قول المالك في أخذ حصته وقول القابض في أخذ حصته أيضاً لأنه مقتضى العدل.

وما قاله هذا البعض ذهب إليه السيد اليزدي قدس سره ولكن بعد التحالف أو بعد نكولهما، حيث يرجع إلى التساقط وحينئذ يأخذ العامل حصته من العمل والمالك من المال، قال السيد قدس سره: "فإن حلفا أو نكلا للقابض أكثر الأمرين من أجرة المثل و الحصة من الربح (لأن المالك حيث يدعي بأنها مضاربة يقر للعامل بحصة من الربح، فإذا كان الربح أكثر من أجرة المثل فهي المقدمة، فلو افترض أن الربح كان مائة وكانت الأجرة خمسين بينما الحصة ثلاثة أرباع الربح يعطى للعامل خمسٌ وسبعون) إلا إذا كانت الأجرة زائدة عن تمام الربح فليس له أخذها لاعترافه بعدم استحقاق أزيد من الربح‌" نعم لو كانت أجرة المثل أكثر من كل الربح فلا يستحقها العامل لأنه بإنكاره للقراض يقر بأنه لا يستحق سوى الربح لا أزيد منه.

 

النزاع مع خسارة المال

أما إذا تلف المال، فسيكون النزاع بالعكس، حيث سيدعي العامل أنه قراض والمالك أنه قرضٌ مضمون، قال السيد: "إذا حصل تلف أو خسران فأدعى المالك أنه أقرضه وأدعى العامل أنه ضاربه قدم قول المالك مع اليمين"[3] .

وفي المسألة خلافٌ كبير بين الفقهاء، ولكن برأينا أن المسألة تتضح بالرجوع إلى الأصول العامة، فقاعدة (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) قاعدة عقلائية وعرفية فضلاً عن كونها قاعدة شرعية منصوصة -كما ذهب السيد البروجردي إلى ذلك- ومضافاً إلى ذلك فإن نظام الإجتماع البشري قائمٌ على مسؤولية الإنسان عما في يده، سواء أخذ الشيء من الناس أم من الله سبحانه كمسؤوليته عن إبنه الصغير.

فكل من استولت يده على شيء فهو مسؤول عنه، ولا ريب في المقام أن القابض أخذ مال المالك، وعليه رده إليه، ولا تسمع دعواه بكون المال مضاربةً إلا بالبينة.

ولكن البعض قال بأنّا نشك في اليد المستولية هنا هل هي أمينة أم ضمينة، فلا يمكن إجراء قاعدة على اليد ما أخذت، وهذا غريبٌ منهم لأن قاعدة اليد قاعدة أساسية خرج منا اليد الأمين بالدليل (ليس على الأمين إلا اليمين) فإذا إختلفنا في المستثنى والمستثنى منه وكان الاستثناء منقطعاً نرجع إلى العموم، وعجيبٌ منه قوله أنه من الأخذ بالعام في الشبهة المصداقية، لأن الأصل في اليد الضمان إلا ما خرج بالدليل.

وللبحث تتمة ندعه للبحث القادم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo