< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاعات في المضاربة/4

 

من المسائل المتعلقة بالنزاع في المضاربة، هي مسألة الإختلاف في صحة المضاربة، فإن إدعى أحدهما فساد المضاربة وقال الآخر بل هي صحيحة، فالأصل صحتها، لأن أصالة الصحة أصال قائم على الفطرة الإلهية؛ فالله سبحانه أحسن كل شيء خلقه وخلق كل شيء على الفطرة وقال: ﴿وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها﴾[1] ، ولابد أن نعكس هذا الأصل على واقعنا فنعتبر كل شيء صحيحاً إلا ما خرج بالدليل.

ومن هنا، نرى الناس يتعاملون مع كل شيء على أساس صحته وسلامته، ويتعاملون فيما بينهم بناءاً على عدم وجود الحيلة والكذب وتصديق بعضهم بعضاً.

وتقضي هذه الأصالة على صحة العقد الذي جرى بينهما وعلى مدع الفساد البينة، قال السيد اليزدي قدس سره: "إذا إختلفا في صحة المضاربة الواقعة بينهما وبطلانها قدم قول مدعي الصحة"[2] ، سواء كان المالك أو العامل.

 

إنكار أصل المضاربة

قال السيد قدس سره: "إذا ادعى المالك أني ضاربتك على كذا مقدار وأعطيتك فأنكر أصل المضاربة أو أنكر تسليم المال إليه فأقام المالك بينة على ذلك فادعى العامل تلفه لم يسمع منه و أخذ بإقراره المستفاد من إنكاره الأصل"[3] .

فبعد إنكار العامل لأصل المضاربة وإقامة المالك البينة، إدعى العامل تلف المال، وحينئذٍ لا تسمع دعواه لأن إنكاره للمضاربة تكذب دعواه التالية بفساد المال، فكأن الإنكار الأول إقرارٌ خالفه إدعاءه.

نعم، فيما لو لم ينكر المضاربة أو إعطاء المال، بل أنكر وجود حقٍ للمالك عليه، فإذا أقام المالك البينة وأدعى التلف سمعت دعواه لأنه أمينٌ وعليه اليمين، ودعواه التالية لا تناقض إنكاره الأول.

وقد قال بعض الفقهاء تسمع دعواه حتى في الصورة الأولى، إذا لم يؤل الأمر إلى التناقض،كما لو قال أنكرت خوف عدم قبول دعواه بالتلف اللاحق، حيث تبقى أدلة الأمين تشمله، ولكنه مستبعدٌ والأمر في تعيين ذلك إلى القاضي لأن الإقرار التالي يناقض الإنكار السابق، وتبديل الأقوال من أسباب شك القاضي في مصداقية المدعي، قال السيد قدس سره:"نعم؛ لو أجاب المالك بأني لست مشغول الذمة لك بشي‌ء ثمَّ بعد الإثبات ادعى التلف قبل منه لعدم المنافاة بين الإنكار من الأول و بين دعوى التلف‌"[4] .

 

دعوى الفسخ في الأثناء

قال السيد قدس سره: "إذا ادعى أحدهما الفسخ في الأثناء و أنكر الآخر قدم قول المنكر‌و كل من يقدم قوله في المسائل المذكورة لا بد له من اليمين‌"[5] .

والأمر واضحٌ بضرورة اليمين لأن القضايا لا تحسم إلا ببينةٍ أو يمين، والقول بسماع الدعوى لايعني قبوله من دون يمين.

 

دعوى رد المال

من المسائل التي كثر الخلاف فيها دعوى العامل رد المال إلى المالك وإنكار المالك ذلك، وبالرغم من صعوبة تحقق هذا النزاع إلا أنه يمكن تصوره فيما لو إختلفا بعد فترة طويلة من الفسخ أو مع وجود عدة مضاربات بينهما، وكيف كان، فإذا أدعى العامل الرد وأنكر المالك فالقول قول من؟

قيل: أن القول قول العامل، لأنه أمينٌ وليس على الأمين سوى اليمين، فكما لو أدعى تلف المال وخسارته قبلت دعواه لأمانته ولأنه صاحب اليد، كذا تسمع دعواه برد المال إلى المالك.

وقال البعض – ولعله المشهور عند الفقهاء خصوصاً المتأخرين منهم - بعدم سماع دعوى العامل، لأن المالك منكرٌ للرد الذي يعني إنكاره وصول حقه إليه، وأما قاعدة "الأمين" فلا تشمل المقام لأنها منصرفة عنه، وذلك لأن الرد بالرغم من كونه فعلاً واحداً في الظاهر إلا أنه فعلين في الواقع لأنه مجموع الإعطاء والأخذ، وهذا ما ذهب إليه المرجع الحكيم قدس سره[6] .

أما المرجع الشيرازي قدس سره[7] فذهب إلى شمول القاعدة للمقام وعدم إنصرافها عنه، ويأتي بأمثلة لإثبات ما ذهب إليه، وما يهمنا هنا هو بيان المعيار في المقام: وهو أنه إذا شككنا في شمول قاعدةٍ لمسألةٍ ما أو إنصرافها عنها فلابد من الرجوع إلى القاعدة الأعم منها، وفيما نحن فيه إن علمنا بشمول القاعدة للمقام فبها، وإلا فالأصل هو قبول قول المنكر لأصالة عدم وصول حقه إليه.

ومن هنا فقول المرجع الحكيم أدق مما أفاده المرجع الشيرازي قدس سرهما، لأنه هو المتبع عرفاً أولاً والمشهور عند الفقهاء ثانياً حيث لم يروا شمول القاعدة للمقام وهو يعني إنصرافها عنه، قال السيد اليزدي قدس سره: "إذا ادعى العامل الرد وأنكره المالك قدم قول المالك"[8] .

وبالرغم من مخالفة المرجع الشيرازي لما ذهب إليه السيد قدس سره إلا أنه قال : "نعم كافة المعلقين الذين ظفرت بتعليقاتهم سكتوا على المصنف، كالسادة ابن العم والبروجردي والجمال، وكأنهم ذهبوا إلى الانصراف المذكور"[9] .

وقد إستدل البعض كالمحقق الثاني في جامع المقاصد[10] من أن عدم سماع دعوى العامل يلزم حبسه حتى الإتيان بالمال، ولكن لم نفهم لهذا المسلك وجهاً: أولاً: لقوله تعالى: ﴿وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‌ مَيْسَرَةٍ﴾[11] الشاملة لمثل المقام، وثانياً: أن العامل إن كان له مالٌ فيؤخذ من ماله ولا يحسب.

 

إدعاء الشراء للنفس

قال السيد اليزدي قدس سره: "لو ادعى العامل في جنس (بضاعة أو بيت) اشتراه أنه اشتراه لنفسه و ادعى المالك أنه اشتراه للمضاربة‌ قدم قول العامل"[12] .

لأنه هو المشتري وهو أعرف بقصده، نحن نقول: من الناحية الأولية هذا صحيح، ولكن قد يتعارض الظاهر في بعض صور المسألة مع الأصل، كما لو لم يكن للعامل مالٌ إلا مال المضاربة، فدعواه بشراء الجنس لنفسه تكذبه ظواهر الأمور، خصوصاً بعد العلم بأن التجارة لا تكون في المال فقط بل بالإعتبار أيضاً.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


[6] انظر، مستمسك العروة : ج12، ص406.
[7] أنظر: الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج54، ص158.
[9] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج54، ص159.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo