< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إستحقاقات المضاربة بعد الإنتهاء 5 / أحكام المضاربة / كتاب المضاربة

 

لازال الحديث عن الاستحقاقات اللاحقة للمضاربة، ومنها ضرورة إيصال مال المضاربة إلى صاحبه، إذ المال إما يكون نقداً أو عروضاً، ولابد من إيصاله إلى مالكه، ولكن السؤال عن معنى الإيصال، فما أداء الأمانة أو أداء ما أخذت اليد؟

قبل الإجابة لابد أن نتسائل عن حدود واجبات الفقيه، فهل يحدد الحكم والموضوع أم الحكم وحده؟ وحينئذٍ فمن يحدد الموضوع؟

من البديهيات بأن الشرع يبين الأحكام، أما الموضوعات فتحدد من خلال سبل أخرى، إما اللغة أو الفهم العرفي بإعتبار تحدث الشرع مع الناس بقدر عقولهم فبقدر تلقيهم يلزموا به.

ويبدو أن هذا الموضوع موضوع هامٍ لابد أن يبحث مفصلاً ليس هنا فقط بل في كل الأبواب الشرعية بدءاً من كتاب الطهارة وحتى كتاب الديات، فمثلاً حين يأمرنا الرب بأن نغسل وجوهنا وأيدينا في الوضوء، فما معنى الغسل وما هي حدود الوجه واليد و غيرها من أسالة مفصلة، فهذه الأمور قد تكون مبينة شرعا وقد لا تكون فكيف نشخصها؟

هناك أمور:

الاول: لو اخلينا بين الكلمات الشرعية وبين فهم الناس فربما تحل هذه المشكلة، وربما يقال أن فهم الناس لها قد يكون مختلفاً، بل قد يؤدي ذلك إلى حصول سوء الفهم من قبل البعض، فالغسل عند من هو بجنب النهر ربما يفهم منه حالة الإسراف والموجود في الصحراء بالعكس وغير ذلك من الفهم المتعارض، فحينئذ يطرح السؤال التالي: هل يمكن أن نقول أن الشرع يبين للناس وكلٌ يطبق منه بحسب فهمه وإن إختلف، ولو أراد الشارع أن يلتزموا بحدودٍ معينة لكان قد بينها والحال أنه قد سكت عنها، فإذا سكت عنها فلا يصح تكلفها، فلا ندقق أزيد مما ذكره الشارع المقدس وأتاح فهمه إلى الناس، وقد قال الإمام الباقر عليه السلام: "إِنَّ الْخَوَارِجَ ضَيَّقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِجَهَالَتِهِمْ، إِنَّ الدِّينَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِك‌"[1] ، وفي نصٍ آخر عن الإمام الرضا عليه السلام، أن بني إسرائيل شددوا على أنفسهم في تطبيق أمر النبي موسى عليه السلام، حيث قال الإمام عليه السلام: "أنّهم لو ذبحوا أي بقرة أرادوا، لأجزأتهم ولكن شدّدوا على أنفسهم، فشدّد اللّه عليهم"[2] .

وفيما يرتبط بهذه النصوص لدينا تفسيرٌ لابد من بيانه في سطور:

البعض يترك جوهر الدين ويتمسك بالقشور بدلاً عن ذلك، مثل اليهود الذين يتركون كل عملٍ صغيرٍ أو كبير في يوم السبت فيتركون حتى ضغط زر الجهاز الصغير، ولكنهم في المقابل يستبيحون دماء الأبرياء ولا يتورعون عن أي جريمة كبيرة، وكذا الخوارج والدواعش، الذين بقروا بطن المرأة الحامل وذبحوا جنينها دون أن ترمش لهم عين، ولكن حين أراد أكل تمرةٍ قالوا أنها محرمة عليهم.

وهذه حالة شيطانية تدعوا إلى ترك روح الدين والتمسك بقشوره إرضاءاً للضمير، والحال أن الدين ليس هذا، فحقوق الناس دين والعدالة دين أما هذه التصرفات فهي بعيدة عن الدين، وبذلك يرتكب جريمتين: أولاهما ترك الدين، والثانية البدعة فيه.

وعلى أي حال، فأوامر الشرع الملقاة إلى العرف – المعتدل منه بين المتشدد واللاابالي- ، هل يترك فهمها إليه أم لابد للفقيه أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة؟

وفي موضوعنا (رد الأمانة و أداء ما أخذت اليد) أيضاً يأتي التساؤل نفسه، فهل يحدده الناس أم الفقهاء، وقد إختلف الفقهاء فيما بينهم، فمنهم من قال أن الأداء لا يعني أكثر من التخلية بينه وبين المالك، ومنهم من قال أن رفع اليد لا يكفي، لأن الاداء نوعُ إستحواذ، فبرفع اليد لا يتحقق وضع يد المالك ضرورةً فلابد من إيصال المال إليه.

وفصّل ثالثٌ بين رفع اليد مع وجود يدٍ ثالثة ممكن أن تتسلط عليه فلا يسمى أداءاً، كما لو وضع متاعه بباب داره دون إخباره مع وجود السراق، فلا يتحقق الأداء حينئذ، وبين أن يتركه في مخزنٍ ويرفع اليد عنه مع إخبار صاحبه به، فهو أداءٌ.

أقول: أن الأداء بحسب العرف، فقد يرى العرف كفاية رفع اليد والتخلية، وقد لا يرى ذلك،كما لو قال له المال في مدينة أخرى فإذهب أنت لأخذه منه، وإن قيل: كيف نعرف تحديد العرف؟ فنقول: يعرف ذلك من خلال القضاء، فالقاضي يفهم ذلك من خلال إستقراء آراء العرف، وهذا ليس عمل الفقيه، بل عمل القاضي الذي يأخذ الحكم من الفقيه ويشخص الموضوع من خلال الواقع، بل إن بعض الفقهاء – بحسب تصورنا- كتب كتبه الفقهية وهو يخاطب القضاة لا عموم المكلفين.

 

بيان السيد اليزدي قدس سره

قال السيد اليزدي قدس سره عن هذه المسألة: "لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ (وهناك صورة أخرى هي إنتهاء مدة المعامة و موت أحد الطرفين) أزيد من التخلية بين المالك و ماله فلا يجب عليه الإيصال إليه (نحن نقول يجب رده لأن الله يأمر بأن نؤدي الأمانة، أما كيفية الرد فإلى العرف، ومع عدم معرفة رأي العرف فإلى القضاء حيث يشخصه) نعم لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك و لو كان بإذنه يمكن دعوى وجوب الرد إلى بلده لكنه مع ذلك‌ مشكل (لأنه كان عاملاً عنده ومأذوناً في نقله إلى هناك، أما لو أستشكل عليه بحديث على اليد فيقول السيد) ‌و قوله عليه السلام: على اليد ما أخذت ‌أيضا لا يدل على أزيد من التخلية (والتخلية يختلف معناها كما ذكرنا سابقاً) و إذا احتاج الرد إليه إلى الأجرة فالأجرة على المالك (فيما إذا كان عليه أن يسترجع المال وهي على العامل إن كان عليه إرجاع المال وعليهما مع الشك في التعيين) كما في سائر الأموال نعم لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر و حصل الفسخ فيه يكون حاله حال الغاصب في وجوب الرد و (في وجوب) الأجرة و إن كان ذلك منه للجهل بالحكم الشرعي- من عدم جواز السفر بدون إذنه‌"[3]

نعم؛ قد لايكون غاصباً بسبب الغفلة أو الجهل بالحكم الشرعي فعليه الرد لأن قاعدة اليد تشمله.

ولا يقال أن الأصل هو عدم وجوب الرد على العامل، لأن الأصل أيضاً هو عدم حصول الرد بعد العلم بوجوب تحقق الأداء كما في الآية والرد كما في الرواية، فهنا الشك في الواجب ليس الشك في الحكم، والشك في الواجب هو الإشتغال لا البراءة.

وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo