< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الإختلاف في نوع العقد / أحكام المضاربة / كتاب المضاربة

 

لازال الحديث عن الأحكام المرتبطة بحالة تناقض العقد من خلال التعارض بين صدر العقد وذيله، كما لو قال ضاربتك وكل الربح لك، أو كل الربح لي، فهل هذا عقد مضاربة أم هو قرض في الأول وبضاعة في الثاني؟

سبق وأن بينا أن العقود تتبع القصود والعقود الصحيحة هي التي لم ينهى عنه الشرع، ولم يخالف القصد جوهر العقد، فلو قال أحدٌ: أبيعك الدار بشرط عدم تملكك لها، فهذا عقد باطل لمخالفته جوهر العقد، فهل ما نحن فيه مخالف لجوهر العقد أم لا؟

قال البعض، بل الأكثر بأنه مخالف لجوهر العقد لأن الجوهر هو المشاركة في الربح. وإحتمل البعض الصحة لأنه أعتبر الجوهر المشاركة بين المال والعمل، أما تحديد الربح فراجع إلى الطرفين، وهنا يأتي تساؤل آخر؟

لو فرض عدم كونها مضاربةً، فهل يمكن إعتباره عقداً جديداً برأسه، وإذا كان كذلك هل نصححه أم لا؟

أما بالنسبة إلى كونه عقداً برأسه، فيسأل المالك عن قصده، هل يقصد بإيجابه القرض فإذا قال أنه مضاربة رغم علمه بحكمها والفرق بينها وبين القرض، لغرضٍ له فيها، كما الأب يدفع أمواله لإبنه مضاربةً لا قرضاً ليربحه من جهة ولا يكون المال مضموناً عليه من جهة أخرى.

وإذا لم نعتبره مضاربةً فهل هناك إشكالٌ شرعي بهكذا عقد حيث يدفع المالك ماله دون حصوله على ربحٍ معين، بل يكون الربح كله للعامل؟

الجواب عن ذلك عائدٌ إلى المبنى المتبع في العقود، فإن كان على المبنى تصحيح كل عقدٍ لم ينهَ عن الشرع لشمول عمومات الوفاء بالعقد له، فهذا عقدٌ صحيح أيضاً.

أما إذا قيل بأصالة الفساد في المعاملات، وأن هذا العقد يخالف جوهر المضاربة لأن فيها الإشتراك في الربح لا التكامل بين المال والعمل فيكون باطلاً.

السيد اليزدي قدس سره ذهب في مبانيه في العروة إلى التوسع في باب المضاربة – كما مرّ - كعدم إرتضائه الشروط التي إعتبرها الفقهاء في أصل المضاربة، بل جعلها من أحكامها، وأهمها الضمان من جهة، وكذا إمكان جعل المضاربة عقداً لازماً، وكذا قوله بصحة العقود الجديدة، ولكن هنا لم يشِر ولو إشارة إلى إمكانية صحة هذا العقد، وهذا عجيب.

والمرجع الشيرازي قدس سره في فقهه يوافق في المبنى مبنى السيد اليزدي قدس سره، حيث ذهب إلى إمكان تبديل الشروط التي إعتبرها الفقهاء شروطاً لعقد المضاربة، وكذلك تصحيحه للعقود الجديدة ما لم تنافي الشرع، ولكنه وبالرغم من ذلك يحكم بعدم صحة المضاربة هنا مع ميله إلى التصحيح، وهذا عجيبٌ منهما قدس سرهما، حيث يذهب السيد الشيرازي إلى مخالفته لجوهر العقد بالرغم من إمكان القول بكونه عقداً جديداً وتصحيحه، قال السيد الشيرازي: "واللازم البطلان فيهما، إذ حقيقة المضاربة الاشتراك في الربح، وإن كان هناك أمر عقلائي في إجراء العقد هكذا، مثل أن يزيد على مال العامل الذي يريد التجارة بمال نفسه مما يسبب له إمكان المعاملة بماله فيما لا يمكنه تلك بماله وحده، مثلاً كانت صفقة تباع بمائة ألف، وليس للعامل إلا خمسون، فلا يقدر على المعاملة المربحة بتلك الصفقة إلاّ بخمسين آخر"[1] .

وفيه: أنا لم نسلم بكون جوهر المضاربة الإشتراك في الربح بل هو الإشتراك بين المال والعمل، خصوصاً إذا أخذ في معناها الضرب في الأرض.

 

الخلاف في العقد

ولو فرض بطلان المضاربة ووقع خلافٌ بين المالك والعامل فادعى كلٌ منهما الربح كله، فأي القولين يقدم؟

ذهب السيد اليزدي قدس سره إلى أن المقام هو من باب التداعي، أي أن كلٌ منهما ينكر ما يدعيه الآخر ويدعي ما ينكره، وبعدم وجود بينة والتحالف يسقط قولهما.

وهنا تساؤل عن وجود منكر ومدعي أم منكران ومدعيان –كما قلنا-؟

وهذا السؤال يفتح لنا باب التساؤل عن المنكر والمدعي في باب القضاء، الذي يعد من أعقد الأمور فيه، أي تشخيص المدعي وتمييزه عن المنكر، ففي بعض الأحيان يغيّر الناس أو الحكام وجه الدعوى حتى يصير المدعي منكراً والمنكر مدعياً، كما فيمن يقر بالدين الذي عليه ويدعي الأداء، فيكون مدعياً للأداء والمطالب بالدين منكر ذلك، بينما إذا عكست الصورة فأنكر من أدعي عليه الدين، أصل الدين – لأنه قد أداه فعلاً - صار منكراً وليس عليه سوى اليمين، فربما يكون الشخص الواحد منكراً وقد يكون مدعياً في قضيةٍ واحدة من خلال تبديل طريقة الحديث.

وفيما نحن فيه، هل هناك مدعٍ ومنكر واحد أم لا؟

حاول بعض الفقهاء جعل أحدهما مدعياً والآخر منكراً، لكن لدينا ملاحظة على هذه المحاولة وهي عدم وجود قانون واضح لتمييز المدعي عن المنكر، وإنما ذلك عائد إلى القاضي، فهو الذي يشخص في نهاية المطاف المدعي والمنكر، لأنه – كما مرّ - يمكن من خلال تغيير وجهة الدعوى تبديل مكان المدعي والمنكر.

ويبدو لي أن الإسلام يعطي في باب القضاء، المزيد من الصلاحية للقاضي، بعكس بعض القوانين الحديثة التي تقيّد القاضي بالقانون المدوّن كما في أوربا، بينما يعطي القانون الأمريكي للقاضي دوراً أكبر، فالإسلام يعطي للقاضي دوراً في القضاء ويعتبر علمه حجة.

 

إجراء أصالة الصحة

هل يمكن أن نجري أصالة الصحة في هذه المعاملة؟ فالمعاملة قد تمت، وهي في وجهٍ منها صحيحة بينما هي باطلة في الوجه الآخر، كما إذا أدعى العامل أن جميع الربح له، بينما أدعى المالك أنه قال بتنصيف الربح بينهما، فعلى القول الثاني تكون المضاربة صحيحة، بينما تكون باطلة على أساس قول العامل – حسب فتاوى العلماءر-، فهل يمكن إجراء الصحة في المقام؟

هذا ما سنبحثه في البحث القادم.


[1] الفقه، السيد محمد الشيرازي، ج53، ص279.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo