< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

39/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مؤونة العامل في السفر / أحكام المضاربة / كتاب المضاربة

 

"المراد بالنفقة ما يحتاج إليه ‌من مأكول و ملبوس و مركوب و آلات يحتاج إليها في سفره و أجرة المسكن و نحو ذلك و أما جوائزه و عطاياه و ضيافاته و مصانعاته فعلى نفسه إلا إذا كانت التجارة موقوفة عليها‌"[1]

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

في سياق الحديث عن الحقوق بين العامل والمالك، هناك بحث عن نفقات العامل في عمله للإسترباح، فنقول أنه إنما يحسب الربح في كل عملٍ تجاري بعد إستثناء النفقات المصروفة في سبيل إستحصال الربح، فلا يحتسب الربح قبل إحتساب المؤونة، وبناءاً على ذلك فكل عملٍ كان في ضمن عمل تجاري بالوجه المطلق بهدف الإسترباح تكون نفقته على المال، لأنا نهدف الربح الخالص وذلك لا يكون إلا بعد النفقات المصروفة فيه جميعاً.

وبناءاً على ذلك، فمن سافر من أجل التجارة كما لو رأى فيها مظنة الربح فتحمل أعباء السفر وضرب في الأرض، تكون نفقة سفره من أصل مال المضاربة، لأنه لولا هدف الإسترباح لم يكن ليسافر، وكذا فيما لو إنتقل – من إجل المضاربة – من داره في منطقة متواضعة إلى أخرى فارهة لكسب ثقة التجار، أو شراء سيارة فارهة في هذا السبيل أو شبه ذلك فيكون على المال إلا مع إشتراط الخلاف.

الثاني: السفر المقصود هنا هو ما كان بهدف الإسترباح، لا مطلق السفر، فلو سافر للزيارة أو النزهة لا يستحق النفقة، كما أن النفقة في السفر هي الزائدة عن نفقات الحضر، فلو كان العامل مريضاً بحاجة إلى مراجعة المشفى كل أسبوع – سواءاً في السفر أو الحضر- فلا تحتسب نفقة مراجعته ودواءه من مال المضاربة.

الثالث: وردت رواية في هذه المسألة وسنبيّنها لاحقاً، أخذ بها أغلب الفقهاء ومنهم السيد اليزدي قدس سره، وبعضٌ كالشيخ في المبسوط لم يأخذ بها حيث قال بتحمل العامل نفقات السفر، مخالفاً بذلك ما اشتهر بين الأصحاب.

 

مناقشة في مفاد الرواية

ولابد في دراية الرواية من معرفة باب ورودها، فقد يكون الحكم فيها من جهة الولاية من باب إشراف الأئمة عليهم السلام على الوضع ومن باب حرصهم على إمضاء المضاربة في الأمة كيما يحجم عنها الناس فحكموا بذلك، إذ لولا ذلك لما تحمل العامل عناء السفر مضافاً إلى النفقة فيه بغية ربحٍ غير مضمون.

وقد إستدل بعضٌ من العامة على كونها من المال بهذا الدليل أي لكي لا يمتنع الناس من المضاربة، خصوصاً وأن الرواية وردت بسندين أحدهما عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام.

والذي نحتمله أن أمير المؤمنين عليه السلام فرض ذلك للمصلحة العامة ولكي تستمر المضاربة في الأمّة، وحين سارت الأمة على سيرة أمير المؤمنين عليه السلام بإعتباره آخر الخلفاء عندهم وأول الخلفاء المعصومين عندنا، تحولت تلك السيرة إلى عرف سائد في المجتمع أخذ به أغلب المذاهب، وأكد عليه الأئمة الأطهار عليهم السلام، فصار الحكم متبعاً مع عدم إشتراط العكس.

وهذا هو ما نستفيده من الخبر، حيث وردت الرواية في سياق عقلائي لإقتضاء العدالة كون نفقة العامل في سفره التجاري على المال، خصوصاً مع عدم تسمية الربح ربحاً قبل إستثناء كل المصاريف.

أما من خالف من فقهائنا الرواية – وهو الشيخ في المبسوط كما سيأتي قوله- فإن التفحص في رأيه يفضي إلى أن ما ذكره مطابق لبعض العامة، ولعله نقل القول والإستدلال منهم الدليل منهم فنسب القول إليه سهواً أو خطأً في النسخ، خصوصاً مع حمكه بخلاف ذلك في الخلاف، وكما قال إبن إدريس الحلي عن ذلك بقوله: "فهو في مبسوطة محجوج بقوله في مسائل خلافه"[2] ، مضافاً إلى إجماع الفرقة على الحكم بكون النفقة على المال.

 

دليل العامة على كون النفقة على العامل

أما ما أستدل للعامة على عدم كون النفقة من المال فأمران:

الأول: أن العامل سيربح في النهاية، وبذلك نحمل النفقة عليه من حصته من الربح.

الثاني: إحتمال عدم ربح المضاربة الذي سيؤدي بخسران المالك رأس ماله ـ أو جزء منه في نفقات السفر ـ فضلاً عن عدم ربحه.

وفيهما:

أولاً: أنه إجتهادٌ في مقابل النص عندنا فلا مجال لما ذكرو.

ثانياً: لو فرض تحمل العامل النفقة من ماله، مع لم تربح المضاربة فسيكون هو الخاسر الأكبر وهذا سيكون فيه شبهة الربا[3] .

 

الرواية

أما الرواية فهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السلام: "فِي الْمُضَارِبِ مَا أَنْفَقَ فِي سَفَرِهِ فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَ إِذَا قَدِمَ بَلَدَهُ فَمَا أَنْفَقَ فَمِنْ نَصِيبِهِ"[4] .

ورويت أيضاً عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام بنفس المضمون حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فِي الْمُضَارِبِ مَا أَنْفَقَ فِي سَفَرِهِ فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَ إِذَا قَدِمَ بَلْدَتَهُ فَمَا أَنْفَقَ فَهُوَ مِنْ نَصِيبِهِ"[5] .

والرواية الأولى صحيحة سنداً وقد عمل بها الأصحاب، وهي موافقة لمقتضى القواعد كما ذكرنا، لأن السفر كان للإسترباح فكيف لا ننفق عليه من المال مع عدم إشتراط العكس.

أما خلاف الشيخ في المبسوط فقد حكاه جامع المقاصد[6] فقال: "وذهب في المبسوط الى عدم الاستحقاق، و إنّ نفقته من ماله كالحضر، و لأنّه دخل على أنّ له سهما معلوما من الربح فلا يستحق سواه، و قد لا يربح المال أكثر من النفقة"، وهذان الدليلان عين ما أستدل بهما الحنابلة وبعض الشوافع.

وكيف كان، فهناك فرقٌ دقيق بين الأخذ بالرواية دون تفسير عقلائي لها وبين أخذها بعد تفسيرها، فإن فسرت الرواية بكون الحكم فيها من باب الولاية فلابد أن نرى حيئذ الظروف هل هي ذات ظروف زمن النصوص أم أنها إختلفت، وهذا بحثٌ مهم لم يؤت حقه من النقاش، نعم؛ قد بحث مقتضباً في الأصول عن شمول الخطاب لغير المشافهين، كما قد بحث في باب القضاء أيضاً لورود مجموعة من قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، إعتبرها الفقهاء – كالمحقق – قضية في واقعة خاصة.

ولابد أن يدرس هذا الموضوع دراسة وافية، لأن الأئمة عليهم السلام، في بعض الأحيان رفعوا بعض الأحكام الثابتة سابقاً بإعتبارها أحكاماً ولائية، مثل حكم أكل لحم الحمار الوارد في نهي النبي صلى الله عليه وآله، حيث عللوا تحريم النبي صلى الله عليه وآله بحال خاص، وظروفٍ خاص.

و يمكن التفصيل في المقام في أصل النفقة وما يعم نفقة حضره وتحديد نوعها وحدودها، ومن هنا قيل أن النفقة مقتصرة على الزائدة على نفقة الحضر فقط، كما قال السيد اليزدي قدس سره في العروة بعد بيان الحكم السابق حيث قال: "المراد بالنفقة ما يحتاج إليه ‌من مأكول و ملبوس و مركوب و آلات يحتاج إليها في سفره و أجرة المسكن و نحو ذلك و أما جوائزه و عطاياه و ضيافاته و مصانعاته فعلى نفسه إلا إذا كانت التجارة موقوفة عليها‌"[7] .

ثم قال في المسألة التالية: "اللازم الاقتصار على القدر اللائق‌ فلو أسرف حسب عليه نعم لو قتر على نفسه أو صار ضيفا عند شخص لا يحسب له‌"[8] .

وهذا واضح في حالة الإسراف لأنه زائد عن النفقة، أما في الإقتار فربما يقال بإستحقاقه إن لم يكن متبرعاً وكان إقتاره من إجل حصوله على المزيد من الربح، ولكنه غير واضح، وينفى لعدم الدليل على إعطاءه ما زاد عن نفقته[9] .

 

معنى السفر

وقريبٌ من المسائل السابقة، مسألة تحديد السفر، إذ لا يقصد من السفر هنا السفر الشرعي، بل هو السفر العرفي، لذلك قال السيد قدس سره: "المراد من السفر العرفي لا الشرعي‌ فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة كما أنه إذا أقام في بلد عشرة أيام أو أزيد كان نفقته من رأس المال لأنه في السفرعرفا"[10] ، لأنه لا يزال في سفر العمل وإن طالت إقامته، وإذا أخذنا كون السفر للتجارة معياراً لأخذ النفقة من المال، يشمل ذلك النفقات المصروفة في الحضر من أجل الإسترباح أيضاً، والله العالم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 


[3] بتقريب أن العامل سيصرف مضافاً على ما يعيده إلى العامل من رأس المال، نفقة السفر، فتأمل. [المقرر].
[9] خصوصاً إذا قلنا بأنه يستحق النفقة لا مقدارها. [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo