< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع في الجدار المشترك / كتاب نزاعات الملك

"لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء و لا تسقيف و لا إدخال خشبة إلا بإذن شريكه‌"[1]

من المسائل التي يطرحها المحقق الحلي في نهايات بحث الصلح عن النزاع الحاصل حول الجدار المشترك في ملكه.

وقبل بيان رأي المحقق لابد من بيان أن الشركة في الجدار ليست على نحوٍ واحد، فقد يكون الجدار مشتركاً على أرضٍ مملوكة لأحد الشريكين أو لهما معاً وقد يكون جداراً مشتركاً في أرض مباحة، بأن لا يكون هناك قيمة للجدار الا في طوبه وأحجاره وما يكون فيه من المواد الإنشائية.

فإن كان الجدار على أرضٍ مشتركة فهناك أمران لابد من أخذهما بعين الإعتبار:

الأول: ذات الجدار، أي ذات الأطواب والأحجار المكوّنة للجدار.

الثاني: موقع الجدار وأرضه.

فليست هناك قيمة واحدة مشتركة وإنما قيمتان (قيمة الأرض والجدار المقام عليها) فإذا هدم الجدار وأريد بناءه على الأرض المشتركة فيجب أن يكون بإذن الشريك.

أما إذا كان الجدار في الصحراء ثم انهدم، فقد انتفت الشركة بإنهدامه لإنتفاء موضوع الشركة (وهو الجدار)، نعم لو كان للأحجار المتبقية والأنقاض الموجودة قيمة ومالية كانت بينهما وإلا فلا شركة، وإذا أراد أحد الشريكين بناء جدارٍ جديد من غير الأحجار القديمة فله ذلك دون الحاجة إلى إذن الآخر، إذ لا قيمة للأرض كما لا شراكة فيها.

ويبدو لنا أن إختلاط الأمرين سبب بعض الإشكالية عند الفقهاء، ولم يفرقوا بين حالتي الإشتراك في الأرض أيضاً فلا يجوز للشريك البناء إذا أنهدم بدون إذن الشريك، وإن لم يأذن له وكان في عدم إذن الشريك إضرارٌ به رجع إلى الحاكم الشرعي، لأنه مع وجود المشاركة فلابد أن يكون التصرف بإذن الشريك أو إذن الحاكم الشرعي، وربما يقسّم الحاكم الحق في التصرف أو غير ذلك من طرق الإنتفاع والتصرف بحسب الخبراء.

والحديث عن الجدار قد يسري على الحضيرة أو شيء غير الجدار كالمواقع المشتركة للمواكب الخدمية لخدمة الزوار، فإشتركا فيه ولم يكن وقفاً، فيجب أن يرجع أحدهما إلى الأخر للتصرف، ومع عدم التراضي يرجع إلى الحاكم الشرعي ليقوم بفض النزاع، فعنوان الجدار فيما نحن فيه مثالٌ واحد للمسألة، وهناك أمثلة أخرى ترد في مسألة تقسيم الحقوق.

قال المحقق الحلي قدس سره: "لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء و لا تسقيف و لا إدخال خشبة إلا بإذن شريكه‌"[2] وذلك بإعتبار كونه مشتركاً بينهما وكل مشترك لا يجوز التصرف فيه إلا برضا الشركين.

ثم قال المحقق قدس سره: "ولو انهدم لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته"[3] .

وهنا نتسائل عما لو كانت هناك حاجة إلى إعادة بناءه، كما لو كان الجدار لصد السيول أو الأعداء، فطلب أحدهما من صاحبه إعادة البناء ورفض الشريك، ففي مثل هذه الحالة عليه (أي الرافض لإعادة البناء) أن يبني أو يبيع حقه أو يرجعان إلى الحاكم الشرعي لحل النزاع.

وقلنا أن هذا يصح فيما إذا كان الجدار على أرضٍ مملوكة لهما أولهما الحق فيها، أما إذا انتفى موضوع الشركة بإنهدام الجدار ـ كما لو كان في الصحراء ـ فليس للشريك سوى الأحجار – إن كانت لها قيمة – وللآخر أن يبني دون الرجوع إليه.

حدود الإنتفاع بملك الآخرين

وفي هذا المجال يذكر الفقهاء مسألةً إستطراداً ولا بأس ببيانها، وهي حدود الإستفادة من أملاك الآخرين كجداره مثلاً، فهل يجوز لغير المالك الإستظلال به أو الإتكاء عليه أو الكتابة عليه أو وضع الإعلانات عليها، وهل يجوز لغير المالك صبغها لمصلحة من المصالح؟

الجواب على ذلك بكلمة: إن أي حقٍ من الحقوق يتصل بالمالك – كصاحب الجدار – سواء كان صغيراً أو كبيراً فلا يجوز الإعتداء عليه والإستفادة منه إلا بإذنٍ من المالك فـ "لا يتوى حق امرء مسلم"، والتصرف بغير إذنٍ من المالك ظلمٌ وقد قال الله سبحانه: ﴿وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْما[4] ويحدد الشرع المقدس أو العرف هذه الحقوق، فقد لا يرى العرف لصاحب الشجرة المثمرة في الأرض المباحة حقاً بمنع المستظل بظلها، وكذا بالنسبة إلى صاحب الجدار على الشارع النافذ، بل وحتى الإتكاء على الجدار لا يعتبره العرف مما يحق للمالك منع غيره عنه، نعم؛ قد يكون حقاً لكن العرف يرى الحق للغير فيه بهذا المقدار أيضاً كما في حق المارّة من الثمار على الطريق، أو الوضوء من السواقي والأنهر المكرية في الأراضي المباحة.

وأما ما عن بعض الفقهاء في المنع من وضع الإصبع على تراب الجدار أو الأخذ منه ووضعه على الحبر المكتوب (لحفظه)، صحيحٌ ولكن إن لم يعتبر العرف ذلك من حقوق المالك أو إعتبرها حقا ولكن من التي ينبغي على صاحبها التازل عنه، فحينئذ تجوز هذه التصرفات البسيطة.

ومثل ذلك إستضاءة الجار بضوء جاره المشرف على سطح داره، إذ لا حاجة إلى الإستئذان للإستضاءة، إلا إذ إستتبع ما يضر صاحب الضوء كالجلوس على باب داره، أما مجرد وجود ضوءه على بيت المستضيء، أو حجز داره الأصوات المزعجة عن الوصول إلى الجار لا يعد حقاً من حقوقه إلا إذا كانت المنفعة الواصلة إلى هذا تؤدي إلى الإضرار بصاحب الضوء أو صاحب البيت بشكل من الأشكال فيشكل، إذ يقيّد الإنسان تجاه الآخرين من جهتين أو بسببين:

الأول: يقيد بأن لا يلحق به ضرراً، كما لو قام بشيء أدّى إلى الإضرار به فلا يجوز، إذ لا ضرر ولا ضرار.

الثاني: لابدية إحترام حقه وأداءه إليه، وهذا المعيار أعم من الأول، حيث قد يكون العمل الكذائي لا يؤدي إلى الإضرار به ولكن تجاوزٌ لحقه.

وفي مسألة الجدار ونزاع الشركاء فيه، رواية في كتاب الدعائم عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، ونحتمل أن القاضي النعمان روى عن روايات عن غير الإمام الصادق عليه السلام من الأئمة ولكن للظروف القائمة حينذاك في الدولة الفاطمية لم ينسبها للأئمة بل إلى ما انتهت إلى الإمام الصادق عليه السلام.

وكيف كان، فقد ورد في كتاب الدعائم:

رُوِّينَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جِدَارٍ لِرَجُلٍ وَ هُوَ سُتْرَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ جَارِهِ سَقَطَ فَامْتَنَعَ عَنْ بِنَائِهِ قَالَ: "لَيْسَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَجَبَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّارِ الْأُخْرَى بِحَقٍّ أَوْ بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْمِلْكِ وَ لَكِنْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ فِي حَقِّكَ إِنْ شِئْتَ"، قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ لَمْ يَسْقُطْ وَلَكِنَّهُ هَدَمَهُ أَوْ أَرَادَ هَدْمَهُ إِضْرَاراً بِجَارِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى هَدْمِهِ؟ قَالَ: "لَا يُتْرَكُ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ لَا ضَرَرَ وَ لَا إِضْرَارَ فَإِنْ هَدَمَهُ كُلِّفَ أَنْ يَبْنِيَهُ"[5] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo