< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النزاع على ملكية الحائط والأمارات المرجحة / كتاب نزاعات الملك

 

"إذا تداعيا جدارا مطلقا و لا بينة ‌فمن حلف عليه مع نكول صاحبه قضى له و إن حلفا أو نكلا قضى به بينهما"[1] .

 

قبل أن ينهي المحقق الحلي البحث حول ملحقات باب الصلح وهو العلاقة بين الجيران يذكر بعض المسائل المرتبطة بالنزاعات والخلافات الحاصلة بينهم، وفي الواقع أن أكثر هذه المسائل ترتبط بباب القضاء لا الفتوى والكتب الفقهية إلأ أن بحث بعضها نافع للقضاة ليستهدوا بها بما يسمى في العرف الحديث بالـ(السابقة القضائية) حيث يرجع القاضي إلى من سبقه من القضاة وإلى كيفية حكمهم للقضايا المشابهة، ومن المعروف أن قواعد باب القضاء ثابتة كوجوب البينة على المدعي واليمين للمنكر، وفيما كان هناك تداعي من جهتين فعليهما البينة او اليمين وإن نكل أحدهما رجع إلى الآخر.

من تلك المسائل مسألة الخلاف حول ملكية الحائط، حيث يختلف الجاران على ملكية حائط بينهما فيدعيه كلٌ منهما، فهنا ينبغي أن نرجع إلى الأمارات المرجحة والدالة على ملك أحدهما – مع عدم وجود البينة – وقد وردت نصوص في تعيين بعض الأمارات ولكن يبدو أنها كانت قضايا في وقائع محددة لا أنها نص في المرجحية، وبالتالي يمكن أن تكون هناك أمارات أخرى يرجع فيها إلى الخبراء.

ونحن إذ نذكر بعض تلك الأمارات لا نقول بإنحصار الترجيح بها، فقد تكون هناك أمارات أخرى مستحدثة، كما استحدثت في عصرنا بعض الأمارات المفقودة في السابق.

من الأمارات الدالة

إن كان الحائط متداخلاً مع العمارة فهو أمارة على تبعيته له كما لو تداخلت الأعمدة أو الأسس، فكل ذلك يدل على أن الجدار لصاحب هذا البيت.

نعم قد يكون جذع بيت الجار معتمداً على الحائط بإذن صاحبه – كما مرّ سابقاً – لكن لا يكون بحيث يتداخل مع البناء كله، فلا يكون أمارةً على ملك صاحب الجذع للجدار.

نوع بناء الجدار هو الآخر أمارة على تحديد المالك، وذلك فيما لو كان الحائط بعيداً عن البناء ولكن نجد أن البناء من جهة الداخل متقن كتنظيم الفواصل والأحجار بينما مهملٌ من جهة الخارج – كما هي العادة عند أصحاب البساتين حيث يهتمون بالجهة الداخلية دون الخارجية-.

وفيما يرتبط بغير الجدار كالعريش أو الحواجز القصبية (او السعفية) التي كانت مستعملة في الحضاير أو في بعض البساتين، فجهة العقدة الرابطة بين بعضها البعض تكون إلى طرف الباني، فحينما نرى حاجزاً قصبياً أو ما أشبه نقتفي أثر العقد حيث يعقدها بانيها من جهته.

وفيما لو كان الحاجز نباتاً أو شجراً فهناك علامات تدل على زارعها أو غارسها يعرفها الخبراء كمجرى الماء مثلاً.

واليوم هناك أمارات أخرى جديدة لم تكن معهودة سابقاً، كوجود الخرائط الدالة على المالك، او عمر البناء حيث يكون المقارب لعمر الدار هو لصاحب الدار دون المتباعد، وكذا يمكن معرفة مالك الجدار من خلال وحدة أسسه مع أسس البناء.

عدم إقتصار المسألة على الجدار

والحديث هنا لا يخص الإختلاف على الجدار وحده، بل يعم الإختلاف على الطاق مثلاً أو مجاري المياه أو الأنهار المكرية، فإذا تشاحا فيمكن أن يعتمد في التعيين على الأمارات المتاخمة لليقين، مما يعتبر طمأنينة عرفية يعتمدونها في حياتهم وعلاقاتهم، فتكون الأمارة هي المعتمدة والمعينة.

ومعنى ذلك أن من دلت له الإمارة يعتبر منكراً والآخر مدعياً، فيطالب المدعي بالبينة ولا يطلب من المنكر سوى اليمين، إذ هذا هو ما يهمنا في المقام لفض النزاع.

أما كلام المحقق الحلي قدس سره في هذا المجال فقال: "إذا تداعيا جدارا مطلقا [بمعنى لا دليل على ملكِ أحدٍ له] ولا بينة [ومعها أو مع الإقرار فلا نزاع] ‌فمن حلف عليه مع نكول صاحبه قضى له و إن حلفا أو نكلا قضى به بينهما"[2] .

لقاعدة العدل القاضية بالتنصيف فيما لو لم تكن هناك بينة أو أمارة، ويكون التقسيم بالطول لا العرض.

وبعدئذ يبين المحقق قدس سره بعض الأمارات الحاكمة، فيقول: "و لو كان متصلا ببناء أحدهما كان القول قوله مع يمينه [للحكم بكونه منكراً] وإن كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع قيل لا يقضى بها وقيل يقضى مع اليمين و هو الأشبه‌".[3]

وفيما يرتبط بالجذع أو السقف المعتمد على الجدار فقد سبق وأن قلنا بوجود من يرى وجوب الإستجابة للجار في وضع الجذع على الجدار من العامة كالمالكي والحنبلي والشافعي في أحد قوليه إعتماداً على رواية أبي هريرة التي ضعفها علمائنا وحملوها على الإستحباب وعدّوها من الأخلاقيات لقاعدة التسامح.

ولكن لو فرض إتباعهما لمالك أو الشافعي أو فرض كونها متحابين إلى درجة لا يرفض أحدهما وضع جاره جذعاً على جداره، فوجود الجذع لا يدل على أن الجدار له، أما في صورة عدم إذن أحدٍ لجاره وضع جذعه على جداره، فوجود الجذع على الجدار أمارة حاكمة.

وبالتالي فنحن نحمل القولين المختلفين على اختلاف الأحوال والأزمان والمجتمعات، فلا يقضى إن كان الوضع سهلاً ويقضى إن لم يضع أحدٌ جذعه على جدار جاره.

وفي غير الجدار قال المحقق قدس سره: "و لا يرجح دعوى أحدهما بالخوارج التي في الحيطان و لا الروازن".

وهذا يختلف بحسب الظروف، فإن كانت في المناطق التي يتسامح فيها إخراج الرواشن والخوارج فلا يدل على كونه صاحب الجدار، أما فيما إذا كان الناس يتشاحون فيما بينهم على هذا الأمر ولا يدخل أحدهم روزنته أو خوارجه على جاره ففي مثل هذه الحالة نحكم له.

فليست الظروف إذاً واحدة، ولذلك يجب على القاضي أن يحكم بما أراه الله سبحانه وبما دلت عليه كلمة الخبراء وشهادتهم في القضايا، ومن هنا فلا يصح إطلاق الحكم كما فعل المحقق الحلي قدس سره.

الإختلاف في الخص

قال المحقق قدس سره: "و لو اختلفا في خص قضى لمن إليه معاقد القمط عملا بالرواية"[4] .

وهذا صحيح، ولكن العمل بالرواية التي سنذكرها يكون في الحالات العادية، أما إذا اشترى الحاجز جاهزاً ووضعه بطريقة تكون القمط بإتجاه الخارج فذلك لا يدل على ملك الجار لها، وهكذا يكون هذا الأمر مختلفاً أيضاً بحسب الظروف والأماكن.

أما الروايات:

عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ خُصٍّ بَيْنَ دَارَيْنِ فَزَعَمَ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام قَضَى بِهِ لِصَاحِبِ الدَّارِ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ وَجْهُ الْقِمَاطِ[5] .

عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام: أَنَّهُ قَضَى فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي خُصٍّ فَقَالَ إِنَّ الْخُصَّ لِلَّذِي إِلَيْهِ الْقُمُطُ[6] .

الخبر العامي أن قوما اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله في خص، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم فحكم به لمن اليه معاقد القمط، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه و آله فأخبره، فقال: "أصبت و أحسنت"[7] . [8]

وبعد إيراده للنصوص قال المحقق النجفي قدس سره: "وبفتوى المعظم من الأصحاب بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا"[9] .

نقول: هذه النسبة صحيحة ولكن الروايات ليست عامة وإنما هي قضية في واقعة، وحتى لو إعتمدناها فتعتمد في هذه الخصوصية دون سائر الموارد، ومن هنا ذهب المحقق قدس سره في كتابه النافع إلى كونها قضية في واقعة[10] .


[7] سنن البيهقي، ابوبكر البيهقي، ج6، ص67.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo