< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الطرق المرفوعة 3 / فتح الرواشن والأجنحة في الطرق النافذة / كتاب نزاعات الملك

 

لا زال الحديث في البحث عن الطرق وبالذات الطرق المرفوعة، وفصلنا الحديث عن ماهيتها وهل هي ملكٌ للمسلمين جميعاً أم يختص بها أهلها ممن تشرف بيوتهم عليها.

قلنا أن رأي المشهور والذي يذهب إليه المحقق الحلي رضوان الله عليه أيضاً، هو أن الطرق المرفوعة لأهلها ونتعامل معها معاملة الملكية المشتركة بين أصحاب البيوت المشرفة، وبعضهم أولى بملكية هذا الطريق من بعض، وهو الأدخل، فلو كانت هناك خمس بيوتٍ في زقاقٍ مرفوع فالبيت الأقرب إلى الشارع العام يحق له أن يقترب بينه وبين الشارع العام، أما بينه وبين البيوت الأدخل فلا إلا بإذن أصحاب البيوت الأخرى.

وإن كان في نهاية الطريق فسحة أو فضاوة فالجميع يشترك في حق الإستفادة منها كربط الدواب أو إيقاف السيارات أو غيرها من الإستعمالات بإعتبارها من المرتفقات العامة، ويجوز لصاحب البيت الأول المرور إليها لأن من ملك شيئاً أو حقاً ملك المرور إليه أيضاً، نعم؛ يجوز المرور لهذه الجهة دون غيرها.

وعن لعب الأطفال في الزقاق أيضاً ذهب المحقق الحلي قدس سره إلى ضرورة التحديد.

أما صاحب الجواهر قدس سره[1] فقد خالف المحقق في قوله، فشكك في المنع من المرور رغم حق التخصص، فكيفية علاقة أهل الزقاق بالطريق عامة كالإرتباط بسائر الطرق، ولذلك لا فرق بين الداخل والخارج في الإستفادة منه وكذا بالنسبة إلى لعب الأطفال، وهذا ما ذهب إليه الشهيد الثاني أيضاً[2] .

واستدل صاحب الجواهر على ذلك بأنهم حين بنوا البيوت واختص بهم الطرق حاوزه (أي تخصص هذا الطريق بهم بالحيازة) ولذا نشك في تحولها إلى ملكية مشتركة، بل تبقى على كونها طريقاً يحق للخارج أن يدخل كما يجوز لغير أهلها بطرقها كسائر الطرق، إذ الحيازة تختلف عن الملكية، فهي كمن حاز طريقاً إلى النهر مع عدم ملكيته له، فهو طريقٌ له يطرقه.

ونستفيد من كلامه قدس سره ما ذكرناه في البحث السابق من أن حيازة كل شيء بحسبه، فحق الأولوية الذي يستفيده الحائز تكون بحسب ما حازه، فحيازة مكانٍ وجعله محمية طبيعية لا يعني عدم جواز دخول الأغيار فيه وقطف ثمار أشجاره، بل يعني عدم جواز الصيد فيه.

صحيحٌ أن المحقق النجفي قدس سره لم يصرح بما ذكرناه إلا إشارةً، ولكن بإرجاع إعتماده على السيرة حيث لا يكتفى بها إلا بعد التحقق من كيفية صيرورتها سيرة متشرعة أو عقلاً، وذلك عبر تلك الأصول الكلية التي لو وعيناها فستفتح لنا آفاق في معرفة الأحكام الشرعية الفرعية.

قال المحقق الحلي قدس سره في هذا الإطار: "ولو كان في زقاق بابان أحدهما أدخل من الآخر فصاحب الأول يشارك الآخر في مجازه و ينفرد الأدخل بما بين البابين"[3] مما يعني عدم ملك الخارج لما بينه وبين بيت جاره الأدخل منه، الأمر الذي لم يرتض به المحقق النجفي قدس سره.[4]

ثم قال قدس سره : "ولو كان في الزقاق فاضل إلى صدرها و تداعياه فهما فيه سواء" فالفضوة مشتركة بينهم لعدم شمول الحيازة لها حين حازوا البيوت، فهي لهم جميعاً.

وهو صحيحٌ، وبملكها يملك الطريق للوصول إليها، بل ولا يملكها أحدهم وإن أحدث فيها حدثاً كما لو زرع فيها أو سوّرها.

أما عن فتح الباب في الزقاق المرفوع فقال قدس سره : "ويجوز للداخل أن يقدم بابه و كذا الخارج و لا يجوز للخارج أن يدخل ببابه و كذا الداخل"[5] .

وهذا على مبنى أن الزقاق لكلٍ بحسب موقعه، فإن كان قريباً على الشارع العام جاز له تقديم بابه نحو الشارع ولا يجوز أن يؤخرها تجاه بيت جاره الأدخل منه وهذا ما لم نرتضه كما لم يرتضه المحقق النجفي.

 

فتح الروشنة والجناح في الطريق النافذ

يجوز لمن كان داره على الطريق النافذ أن يفتح الروشنة والجناح، يبدو أن كلمة الروشنة فارسية الأصل من الـ(روشن) بمعنى المضيء، والروشنة هي النافذة التي تستقبل الضوء.

وليس للبيت المقابل أن يمنعه من ذلك لجواز تصرف الجميع في الطريق، ولكن في إطلاق الجواز نظر، بل لابد أن يخضع حق كل مستفيد إلى القانون، خصوصاً إن كان التصرف زيادةً عن الحاجة، كما لو كانت تقضى الحاجة بروشنة واحدة ففتح ثلاثة ومن هنا فإن تنظيم العلاقة بين حق شخصٍ وحق شخصٍ آخر ليس أمراً متعلقاً بالناس ولا بالفتيا بل هو أمر يرتبط بمن يدير البلد وهو الذي بيناه سابقاً.

قال المحقق الحلي قدس سره : "ولو أخرج بعض أهل الدرب النافذ روشنا لم يكن لمقابله معارضته و لو استوعب عرض الدرب"[6] ، فمع استيعاب عرض الدرب لا يمكن القول بالجواز مطلقاً بل إلى حد عدم الإضرار بالجار أو بالطريق، وقد ذكرنا رواية أمير المؤمنين عليه السلام في طريقه إلى الفرات التي ذكرت فيها العلة المنصوصة للحكم بأمره عليه السلام بإزالة ما أحدثوه في طريق المسلمين لأنه يضر المارة.


[4] ومن قبله الشهيدان في الدروس والمسالك [المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo