< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تصالح الأجنبي /كتاب الصلح

آخر مسألة في باب الصلح والتي هي الأخرى مبنية على رأي المحقق الحلي رضوان الله عليه بكون الصلح بعد التجاذب والخلاف هو فيما لو تنازع إثنان على ملكية شيءٍ ما فصالح بينهما ثالثٌ أجنبي ويكون هو مجري الصلح وطرفاً فيه مع المدعي أو المنكر، وللمسألة شقوق عدة، وقبل بيانها لابد أن نشير بدءاً إلى أن الصلح عقدٌ وهو – كسائر العقود – تابعٌ للقصد ونية الطرفين، وفي حال عدم العلم بها لابد من الإلتماس بوسائل الإثبات المرتبطة بالمسائل القضائية لا الفقهية.

وأما صور المسألة:

أولاً: التبرع بالصلح

وهي فيما لو بادر الأجنبي بالتدخل في النزاع لحله وصالح أحد الطرفين على بذل شيء ما، ولا خلاف حينئذ بعدم إشتغال ذمة المصالَح عنه للمصالح بشيء.

ثانياً: طلب الصلح

كما لو قام أحد الخصمين – المدعي أو المنكر- بطلب التصالح من الأجنبي، فقام هو بالصلح مع الطرف الآخر، فهل له الحق بالمطالبة أم لا؟

قيل: أن طلب الإذن بمثابة الأمر بالدفع، ومع ذلك لابد للطالب أن يدفع ما دفعه المتصالح، وقيل أن الأمر لم يكن بالدفع وإنما هو أمر بالصلح وهو لا يدل على الإقرار بملكية المدعي.

نقول: القضية عائدة إلى نية الطالب، فإذا نوى طالب الصلح بطلبه من الأجنبي جعله وسيطاً رجع عليه وإن أراده مجرد مصلحٍ لم يرجع، فالأساس هي نية الطالب والباعث لا القائم بالصلح.

وكيف كان فلا يبدو الخلاف بين القائلين بالرجوع كالشيخ وبين المانعين كصاحب الجواهر، جوهرياً لأن الخلاف ليس خلافاً فقهياً بل هو خلافٌ مرتبط بعالم الإثبات.

ثالثاً: الصلح الفضولي

وفي هذه الصورة يقوم الأجنبي بالصلح عن المدعي أو المنكر، فيكون عقداً فضولياً بحاجة إلى إذن الأصيل ليمضي ومع عدم الإجازة يبطل، فهو كالبيع الفضولي المحتاج إلى إجازة المالك.

وكل الصور السابقة مرجعها إلى قصد المصلح أو قصد طالب الصلح ونيته، فهل كان على نحو التبرع كما قام ذلك الصحابي لأبي عبد الله عليه السلام بمصالحة المتنازعين بمال الإمام عليه السلام، او هو على نحو الفضول أو على نحو الوساطة، والله العالم.

 

النزاعات الملكية

إلى هنا تنتهي مسائل الصلح وهناك بابٌ آخر الحقه بعض الفقهاء بباب الصلح وهو ما يرتبط بالنزاعات في الملك لإنتهاء الكثير منها إلى الصلح، ولكن أفرد لها بعض العلماء باباً خاصاً، ويبدو أن الإفراد أفضل.

وعلى أي حالٍ لابد من التمهيد لهذا الباب بما يلي:

تحتاج المجتمعات في شؤونهم المختلفة إلى قانون ينظم حياتهم، فلا يمكن أن تعم الفوضى الحياة البشرية بل لابد من أنظمة تنظم شؤونهم المختلفة ومنها البلدية وأنظمة المدينة، وللإسلام رؤية مفصلة فيما يرتبط بالتخطيط العمراني للمدن وما تحتاجه من منشئات مختلفة، وبإختصار فالمدينة – في المنظور الإسلامي – بمثابة الأسرة وكل ما تحتاجه الأسرة تحتاجه المدينة هي الأخرى.

والقوانين المنظمة تلك تكون في الكتب السماوية الإلهية، وإن لم يكن هناك كتابٌ إلهي حاكم فيجب أن يكون فيما بين المجتمع عقود ومواثيق محترمة، حتى وإن لم تكن مدونة كما العادات والسنينة، إذ المهم أن يكون هناك شيء يتعلق بعلاقاتهم فيما بينهم.

ومن الأمور الأساسية التي ينبغي بيانها هنا أنه ليست كل تلك القوانين مكتوبة كما أنها ليست جميعاً في مستوى واحد، فهناك تراتبية لدى أتباع القوانين الوضعية هي: الديباجة – وفيها الأهداف والغايات – و من ثم الدستور وبعد ذلك تكون القوانين المرعية وفي نهاية المطاف تأتي اللوائح واللوائح هي القرارات التي تكون في المجتمعات الصغيرة لحاجاتها الخاصة.

فلابد إذن من وجود قوانين وبالنسبة إلى المسلمين هي التي تنص عليها آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة ومن ثم الأحكام الشرعية المستوحاة من القرآن والسنة (كلمات النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته)، وبعدئذ فيما لم يرد حكمٌ نكون بحاجة إلى لوائح، وعادةً ما تكون في المستحدثات، ولابد فيها من الرجوع إلى مرجعية معينة لحلها، وهي إما تكون بالرجوع إلى الولي الفقيه ليحدد سبيل التعامل، وإما إلى الشورى.

ومن أبرز هذه المسائل المرتبطة بالمدينة هي قضية المساكن وحريمها وكذا حريم البساتين والمزارع وحريم البئر، وكذلك مسألة توزيع المياه وكيفية توزيعه بين الناس مع شحته، وكذا المسائل المرتبطة بكيفية بناء الشوارع والطرقات والبيوت وما يرتبط بأجنحة الدور (الشرفات) والدكة ومن المسائل المستحدثة هي مسألة مد الجسور والأنفاق و شق الشوارع في الأراضي السكنية، وكلها ترتبط بإختلاف الظروف والأماكن وإختلاف الحاجات والتي تحتاج إلى أحكام لوائح مرعية وقوانين تنظيمية إن حصلت هناك مشاحة دون ما لو لم تكن هناك مشاحة بين الناس.

وإن تسائل متسائل عن شرعية الإستفتاء والشورى بعيداً عن النص الشرعي، نجيبه بأن شرعيته نابعة من العهد والميثاق المتفق عليه.

وسنفصل في هذا الباب الحديث عن هذه المسائل إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo