< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المصالحة على سقي الأرض / كتاب الصلح

 

من المسائل التي ذكرها المحقق الحلي هي مسألة الصلح على سقي الأرض بالماء والتي كسابقاتها مبنية على رأيه قدس سره في أن الصلح إنما يكون بعد التجاذب وبالتالي يأتي لحل الإختلاف وفض النزاع لا أن يكون بدءاً ومبادرة، أورد المحقق النجفي قدس سره عبارة المحقق مع تعليقه عليها بقوله: "و لو ادعى عليه بشي‌ء مثلا فأنكر أو أقر أو لم تمكن دعوى أصلا [لأنه لا يرى ضرورة التصالح حين التجاذب بل يجوزه دونه] فصالحه المدعى عليه مثلا عما ادعى به على سقى زرعه أو شجره بمائه أي ما يسقى به زرعه أو شجره من ماء المدعى عليه قيل: و القائل الشيخ فيما حكى عنه لا يجوز لأن العوض هو الماء وهو مجهول فلا يصح الصلح بناء على فرعيته على البيع [إذ يرى الشيخ قدس سره تبعية الصلح لسائر العقود وتفرعه منها دون أن يكون له إستقلالية] وفيه وجه آخر بالجواز مأخذه جواز بيع ماء الشرب أي النهر بتقدير المدة بعد المشاهدة بل قد عرفت فيما تقدم المنع من فرعية الصلح للبيع أولا، و عدم قدح مثل هذه الجهالة في الصلح ثانيا لكونها تؤل الى العلم"[1] .

وهكذا ذهب المحقق إلى خلاف ما ذهب إليه الشيخ الطوسي قدس سرهما، ومن أجل توضيح المسألة نبين بعض الحقائق:

الأولى: قد تكون المسألة مترتبة على التجاذب وقد لا تكون، بل دون أن يسبق الأمر نزاعٌ يقومان بالصلح على السقي، كما هو حال أصحاب الأراضي المتقاربة التي يحتاج بعضها إلى ماءٍ أزيد من جارتها لإستصلاح صاحبه لها دون تلك، فيمكن أن يصالح صاحب الزرع جاره على أخذ الماء من جاره.

الثانية: ذهب الشيخ قدس سره في المسبوط إلى كون الصلح فرع العقود الأخرى، فإن كان على مبادلة شيء بشيء فهو فرعٌ للبيع، وبناءاً على ذلك فلا يجوز التصالح على الماء لأنه في الواقع شراءٌ للماء الذي هو شيءُ مجهول المقدار، ولا يدرى كم هو مقداره أو كميته أو مدة وصوله وما إلى ذلك، فلا يجوز ذلك للجهالة.

وفيه: أولاً: أن الصلح – كما مرّ- ليس فرعاً على العقود الأخرى بل هو عقدٌ برأسه، وبذلك لا يشمله النهي النبوي الصحيح عن بيع الغرر، لعدم كون الصلح بيعاً.

ثانياً: إمكان إرتفاع الغرر والجهالة مسوّغٌ للجواز خصوصاً في عصرنا اليوم، بل وحتى سابقاً عند أصحاب البساتين والأراضي حيث كانوا يبيعون الماء بحسب الساعات، والماء يجري في سواقي معلومة المقدار (طولاً وعرضاً وعمقاً) ولو إجمالاً فيكون بالتالي مقدار الماء معلوماً.

ثالثاً: الجهالة مرفوضة في العقود وهي مرفوضة كذلك في الصلح، ولكن هناك نسبة من الجهالة مغتفرة عند العرف في الصلح دون أن سائر العقود، لأن أساس الصلح – كما مرّ- من أجل التواصل الإنساني والترابط الإجتماعي، فالقضية تعود إلى حكم العرف في مدى الجهالة المغتفرة فيه.

ومن هنا يتبين جواز التصالح على سقي الزرع او الشجر بمائه.

 

مسألة: التصالح على إجراء الماء

لو صالحه على أن يحفر له ساقية فلا حاجة إلى المداقّة في تحديد الطول والعرض والعمق لأن ذلك يكون فيما لو استأجره على ذلك، وكذا لو صالحه على إجراء الماء إلى أرضه فلا حاجة إلى الدقة في تحديد قدره، وكذا لو طلب منه ماء المطر فلا ينبغي الدقة في مقداره والمساحة التي يهطل عليها ووقت المطر لعدم وجوب الدقة كثيراً، نعم؛ لو أراد بيعه كان عليه تحديد ذلك.

ويسري الحكم على غير الماء من السوائل أيضاً كالنفط والغاز السائل وغيرهما من السوائل التي تباع وتشترى، فلابد من الدقة في البيع دون التحديد الدقيق في الصلح وذلك لكونه أخف مؤونة من سائر العقود.

فنحن لا نعتبر الصلح كالبيع في شدة الإهتمام بعدم كونه غررياً كما أنا لسنا مع جواز وجود الغرر مطلقاً، بل هناك حدود يستامح فيها العرف هي التي تكون مغتفرة دون أزيد منها، قال المحقق الحلي قدس سره: "أما لو صالحه على إجراء الماء على سطحه أو ساحته صح بعد العلم بالموضع الذي يجري الماء منه"[2] .

والمراد من العلم بالموضع – كما عن المسالك – هو معرفة الطول والعرض دون إعتبار العمق[3] ، لإشتراط البعض تحديد عمق الأرض لأنه من ملك الأرض فقد ملك تخومها أنى كانت، ولكنا نشكك في إطلاق ذلك، نعم؛ من ملك أرضاً ملك تخومها لكن بمقدارٍ عرفي، فهو يملك بمقدارٍ لا يتزعزع داره بالحفر، ومن هنا لا يملك الأعماق الداخلية التي يمكن أن يتم حفر الأنفاق فيها – كما في عصرنا -، وذلك لأن ملكية الأرض محددة حسب الفهم العرفي وليس هناك نصٌ شرعي دالٌ على ملك المالك تخوم الأرض كلها.

وفرّق البعض بين الأرض الموقوفة والملكية فأوجبوا العلم في الوقف دون الملك، ولا أدري ما الفرق بينهما حقاً.

 

حدود المساجد

وبهذه المناسبة هناك بحثٌ في تحديد حدود المسجد، فهل للمتولي أو الواقف أن يبني بناءاً فوق المسجد أم لا؟ إن قلنا أن المسجد هو مسجدٌ من تخوم الأرض إلى عنان السماء فلا يجوز إحداث شيء فوقه وإلا جاز، وتحديد ذلك عائدٌ للنصوص الشرعية أولاً وإلا فإلى العرف.

وبكلمة: تحديدٌ الجهالة أمرٌ عائد إلى العرف، فإن عده مغتفراً في الصلح كان كذلك، وإلا لم يجز، هذا بناءاً على القول بإستقلالية الصلح، أما حسب مبنى الشيخ فلا تجوز الجهالة والغرر فيه لكونه فرعاً للبيع والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo