< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل في الصلح / كتاب الصلح

 

المسألة: بين طلب الصلح والإنكار

لا ريب أن طلب الشراء يدل على الإقرار بالملكية لدى العرف والفقهاء، فإذا أدعى شخصٌ ملكية عينٍ ما وطلب منه الآخر الشراء فإن ذلك يدل على إقراره بالملكية، لأن طلب الشراء يدل على الإعتراف ضمناً بملكية العين للبائع، ولكن هل يسري ذلك على من يطلب الصلح؟

قال الفقهاء أن طلب الصلح لا يدل على الإقرار لأن الصلح قد يكون في ملك وقد يكون في حقٍ من الحقوق ولو حق الإدعّاء، كما يتصور ذلك أن ذو اليد يعلم بقوة المدعي وسلطته واستعماله للرشى مثلاً، فيطلب منه التصالح لكيلا يؤدي الأمر به إلى فقدان ما يملكه، ففي هذه الحالة طلب الصلح ليس إقراراً منه على الملكية.

ولابد أن نقول في هذا المجال أن المسألة المبحوثة مرتبطة بالأحكام القضائية والتي تختلف عن الأحكام الفقهية في أن الفقه يبين الأحكام الكلية بينما يتجاوزها القضاء إلى الجزئيات، فتشخيص الحكم في هذه المسألة عائد إلى القاضي، فقد يكون طلب الشراء ليس إقراراً كما لو ذهل المنكر بدل الإنكار أو أراد الصلح فعبّر عنه بالشراء أو ما أشبه. فإذا علم القاضي عدم كون طلب الشراء للمنكر إقراراً لم يعتبره كذلك، وفي المقابل قد يكون طلب الصلح في بعض صوره إقراراً بالملكية.

فنحن لا نتحدث بصفة عامة، بل نقول إن كان العرف يرى أن طلب الشراء إقرارٌ فهو كذلك وإن كان يرى عدم كون طلب الصلح إقراراً أخذنا به أيضاً، ولكن إن تغير العرف في زمانٍ أو مكانٍ معينين فلابد من إتباعه والأخذ به، لأن القضية قضائية مرتبطة بالإثبات لا الواقع، ولا نص فيها تحديداً ولذلك اختلفت كلمة الفقهاء في مسألة الصلح فعد بعضٌ منهم طلب الصلح بمثابة الإقرار أيضاً.

 

المسألة: الصلح على بعض العين المملوكة بالشركة

من المسائل التي كثر الحوار فيها بين الفقهاء والتي يبدو عموم الإبتلاء بها لتعرض جميع علماء المذاهب لها، هي ما لو إدعى شخصان ملك عينٍ شركةً مشاعة، وأقرّ المتشبث به بملك أحدهما للنصف وطلب التصالح بينما أنكر ملك الثاني، وذلك مثل ما لو ورث أخوان داراً من أبيهما بيد ثالث فطالباه بها فأقرّ لأحدهما بالملك وصالحه عليها وأنكر ملك الثاني، فما هو الحكم هنا؟

قال فقهائنا: مصالحة المتشبث على النصف فليست مصالحة على نصف أحدهما فقط، لأنه مشاعٌ بينه وبين أخيه وبذلك يكون له الربع ولأخيه الربع أيضاً، وبقبول الأخ للمصالحة كان عليه الإلتزام بمقتضيات ولوازم المصالحة، أما النصف الآخر فيكون حاله حال التالف، أما مع عدم قبول الشريك للصلح بطل الصلح في الربع وصح في الربع فقط.

وهذا أصل المسألة التي عبر عنها المحقق الحلي قدس سره بقوله: "و لو ادعى اثنان دارا في يد ثالث بسبب موجب للشركة كالميراث فصدق المدعى عليه أحدهما و صالحه على ذلك النصف بعوض فإن كان بإذن صاحبه صح الصلح في النصف أجمع و كان العوض بينهما و إن كان بغير إذنه صح في حقه و هو الربع و بطل في حصة الشريك و هو الربع الآخر"[1] .

إلا أن بعض الفقهاء شككوا في هذه المسألة وقبل بيان رأيهم لابد من بعض التمهيدات:

الأول: الشركة تعني الإشاعة، فإذا مات شخصٌ وورثه إثنان فكلٌ منهما يملك نصف جميع ما يملك مورثهم مشاعاً، والمشاع لا يفرز إلا بالتوافق أو بحكم شرعي أو قضائي.

وهل الغاصب في موقع يستطيع أن يقوم بجعل المشاع مفروزاً ويميز ملك هذا عن ملك ذلك؟ كلا؛ فليس من حق المتشبث أن يورّث هذا دون ذاك، أو يقسم البيت قسمين، فكل ذرة من ذرات هذا البيت مملوكة مشاعة بين الوارثين، ولعدم إمكان الفرز يرجح كلام المحقق قدس سره.

الثاني: لو أن الأول – الذي صدقه المتشبث – صالح المتشبث على النصف فإن ذلك يعني مصالحته على ما يملكه فلو أعطاه النصف كان النصف بين الأخوين بالإشاعة وليس نصفاً مفروزاً، وذلك مثل ما لو قام الورارث بالمصالحة على حصته من الإرث مع شخصٍ آخر، فيكون حصة المتصالح مشاعة مع حصص الورثة دون الفرز، والصلح أعم من سائر العقود.

 

حوارٌ في المسألة

وأما ما قيل بأنه ما دام الأول يملك نصف الدار – وصدقه المتشبث – فإنه قادرٌ على المصالحة على حصته دون أن يكون للثاني حقٌ، فصحيحٌ ولكن فيه أن المشاع كيف تم فرزه؟ ومن الذي قام بفرز المشاع وهو أمر يتم إما بالتوافق أو بحكم الحاكم وكلاهما مفقودان، فلا يمكن حينئذ القول بإمكان أخذ النصف المعين وعدم إعطاء الشريك شيئاً بأي سبب، حتى لو أدعى المنكر أنه لا يرث.

فلا يستطيع المتشبث بالتخلص من حق الآخر بالصلح مع أحدهما، وينسحب هذا الحكم إلى غير الإرث من الشركات المشاعة كما في الشريكين اللذين اشتريا ملكاً مشاعاً أو حصلا عليها بالهبة بصورة مشاعة، وكذلك إن وقعت المصالحة على جزء أقل من النصف فالمسألة كما هي.

ويبدو أن أساس الحكم هو أن الغاصب أو المتشبث ليس من حقه فرز المشاع، وما دام المشاع على حاله لا يمكن فرزه بمجرد إدعاء هذا أو إنكاره، نعم لو إتفقا على أن يكون النصف المصالح عليه لإحدهما فقد تم الفرز وصح الصلح.

التفصيل بين التشبث قبل الملك أو بعده

وفصّل البعض بين ما لو تم الغصب قبل الملك أو بعده، فإن كان قبل الإنتقال لملكهما كان الحكم ما سبق، أما إذا كان بعده فما صالح عليه الغاصب (او المتشبث) فهو حصة الشريك فقط دون الآخر، وهذا رأي بعض الشافعية[2] الذي لم يقبله البعض الآخر منهم كما لم يقبله علماء سائر المذاهب، إذ لا حق للغاصب في فرز المشاع او تقسيم الحقوق كما مرَ، وكما لو أخذ أحدهما نصف الحق دون مصالحة بل بطريقٍ آخر ففي هذه الصورة أيضاً يكون المأخوذ مشاعاً بينهما، قال الفقيه الشيرازي الراحل: "أما لو أعطى المتشبث أي جزء منه ولو جزءاً من مائة جزء كان كلاهما شريكاً فيه، إذ الإفراز يتوقف على رضا الشريكين، والفرض أنه لا رضا من الشريك المنكور حقه، ففرق بين أن يتسلم المقر له نصفه حيث أنهما شريكان، وبين أن يصالح عن نصفه، حيث ان بدل المصالحة يكون له وحده، كما إنه إذا باعه وأخذ الثمن كان كذلك أو آجره وأخذ الأجرة، إلى غير ذلك من الأمثلة".[3]

ومن هنا فالفرق الذي ذكره الشافعي غير فارق، إذ المشكلة هي مشكلة الفرز وهي لا زالت قائمة.

الشركة مع عدم الإشاعة

هذا مع الإشاعة في الملك أما مع عدم الإشاعة فلكلٍ منهما أن يصالح على ما يملكه من النصف المفروز ولا حق للآخر فيه، قال المحقق الحلي قدسر سره: "أما لو ادعى كل واحد منهما النصف من غير سبب موجب للشركة لم يشتركا فيما يقر به لأحدهما"[4] .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo