< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العوضان في الصلح / كتاب الصلح

 

"و يصح الصلح على عين بعين أو منفعة و على منفعة بعين أو منفعة"[1] .

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

يجوز أن يكون كلٌ من العوضين في عقد الصلح أعيان ومنافع، قال المحقق قدس سره في ذلك: "و يصح الصلح على عين بعين أو منفعة و على منفعة بعين أو منفعة"[2] .

من الواضح أن العوضين في الصلح يمكن أن يكونا عيناً أو منفعة وإما أن يكونا حقاً من الحقوق، فيمكن أن يتم التصالح عليه كذلك فيما ينفع منفعة البيع أو الإجارة أو ما أشبه.

ولا إشكال في العين والمنفعة وإنما الحديث عن وقوع الصلح على الحقوق، فهل كل الحقوق يمكن إخضاعها للصلح أم لا؟ وهي على قسمين: الأول: ما يمكن نقله وإسقاطه. الثاني: ما لا يمكن فيه النقل والإسقاط.

وقبلئذٍ لابد من التسائل عن المرجعية في حالة الشك في حقٍ من الحقوق وكونه من القسم الأول أو الثاني، فقال بعض الفقهاء أنه لا أصل يرجع إليه في المقام، بل لابد من البحث في الدليل الخاص لكل حقٍ، وهل يمكن إسقاطه أم لا؟ فالبحث يكون في كل مصداقٍ على حدة.

وقال آخرون بوجود أصل للحقوق ولكنهم أختلفوا في تحديده، فمنهم من قال بأن المرجع في المقام هو العرف، فكل حق أعتبره العرف قابلاً للنقل والإسقاط وبالتالي التعامل معه بأحد العقود – كالصلح - كان كذلك وإلا لم يجز فيه النقل.

وقال بعضٌ بعدم مدخلية العرف للأمر، بل الأصل في الحقوق هو عدم إمكانية النقل فيها، فالأصل هو بقاء الشيء على وضعه السابق، كما لو شككنا في صحة البيع وبالتالي إنتقال البضاعة إلى المشتري فالمرجع إلى أصالة العدم، وكذا في الصلح لو شككنا في قابلية الحق للنقل أم لا فالأصل هو العدم، وفي هذا السياق قال المحقق النجفي قدس سره: "نعم الظاهر في كثير من الحقوق صحة الصلح لإسقاطها لا نقلها، بل لو شك فيه أمكن القول بعدم مشروعيته بعمومات الصلح فتأمل جيدا"[3] وذلك لأنه تمسكٌ بالعام في الشبهة المصداقية فلا يمكن التمسك بعمومات الصلح في الموضوع المشكوك ومن ثم ترتيب حكمٍ عليه.

تحقيق القول

والحق أن هناك حقوقاً نعتمد فيها فعلاً على العرف، فحين ينهى القرآن الكريم عن بخس الناس اشيائهم في قوله سبحانه: ﴿وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُم[4] فيعني ذلك حرمة تجاوز حقوقهم، وبتجاوز حقوقهم يكون المتجاوز ظالماً يشمله قوله سبحانه: ﴿وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْما[5] ، وهذا عنوانٌ عام، وفي المصاديق نتسائل عن الشيء هل هو حقٌ أم لا، فحين نشك في كونه حقاً ويرى العرف أنه كذلك دون أن يكون هناك نصُّ شرعي فلابد من الأخذ بقول العرف، كما فيما نجده اليوم من التجاوز على شبكة الانترنت للجار ـ على سبيل المثال ـ فالعرف يرى إشتراك الانترنت حقٌ للشخص، فيدخل في عموم الآية السابقة، والمتعدي على حقه يشمل بآية الظلم.

والسبب في ذلك أن للعرف تواضعاً فيما بينهم وهو الميثاق الذي يتفقون عليه فيما بينهم ويسيرون وفقه، كالتحدث بلغة معينة أو التعايش ضمن قوانين محددة أو ما أشبه، والحقوق الإجتماعية داخلة ضمن هذا الميثاق، فالحقوق التي تواضع المجتمع عليها كحق السير أو حق السبق أو حق إستغلال مكانٍ مباح لعمل ما – كموكب حسيني-، كلها مشمولة بالآية الكريمة.

فهناك إذاً مرجعية عرفية، بلى؛ لابد من عرضها أولاً على الشارع المقدس فما لم يخالف الشرع أخذ به، والأفضل أن تكون هناك فتوى للفقيه الجامع للشرائط- بعد التعارف- لتكون الحقوق ملزمة شرعاً.

أما ما ذهب إليه صاحب الجواهر قدس سره في حالات الشك في إمكان نقل الحق والأخذ بأصالة عدم النقل فهو حقٌ وصحيح وذلك لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

 

الحقوق بين الثابتة والتي ستثبت

وفي هذا السياق لا بأس من بيان أن الحق قد يكون ثابتاً وقد يثبت لاحقاً ويمكن المصالحة عليهما، فالأول مثل الحقوق التي تكون للشخص على غيره فيصالحه عليها لإسقاطها، أما الحق الذي سيثبت فيتصور في مثل حق السبق إلى المباحات، كما تصالح الصيادين على ترك احدهما محل الصيد لصالح الآخر في قبال ثمن أو نسبة من الصيد.

ولو عرف المجتمع بوجود طرق للمصالحة في مثل هذه الأمور لأنتهت الكثير من الخلافات القائمة والمؤدية إلى النزاع أحياناً.

 

الصلح والصرف

كما ذكرنا سابقاً بأن الصلح عقدٌ برأسه وليس جزءاً من العقود الأخرى وفرعاً لها، وبذلك فلا يشترط فيه ما يشترط في خصوص العقود التي يفيد فائدتها، ومنها بيع الصرف الذي يشترط فيه التقابض في المجلس، على الإختلاف القائم في معنى الصرف وهل هو مختصٌ بالدينار والذهب أم يعم النقود المعدنية والورقية.

وكيف كان فلا يشترط في الصلح الذي يفيد فائدة الصلح التقابض في المجلس، قال المحقق الحلي قدس سره: "و لو صالحه على دراهم بدنانير أو بدراهم صح و لم يكن فرعا للبيع.و لا يعتبر فيه ما يعتبر في الصرف على الأشبه"[6] .

نعم، لا يجوز الصلح فيما يفيد الصلح إذا أدّى إلى الربا، وهو ليس كالتقابض لأن التقابض شرطٌ في خصوص الصرف فلا يعم الصلح المفيد فائدة الصرف، بينما الربا فحرمته لا تختص بالبيع بل مطلقة، لقوله سبحانه: ﴿وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا[7] ، إذ يمكن أن يتحقق الربا في البيع وفي الصلح ولا يجوز فيهما جميعاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo