< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشات في مسائل الدرهم الودعي والثوبين الممتزجين / كتاب الصلح

 

سبق وأن بينّا الحكم في مسائل الدراهم الودعية وقلنا حينئذ بأن الإمام حكم بما يتوافق مع قاعدة العدل، لمشاركة أحدهما في الدعوى مع الثاني في درهمٍ واحد وعدم النزاع في الدرهم الثاني، ولكن قيل[1] في المقام بالقرعة لحل النزاع، إذ قد يكون التالف هو درهم صاحب الدرهم وقد يكون من مال صاحب الدرهمين، والقرعة لكل أمرٍ مشكل.

وفيه:

أولاً: أن الحكم بالقرعة مخالفٌ للنصوص المعمول بها في المقام.

ثانياً: القرعة إنما هي لأجل كشف الواقع إن لم يكن هناك سبيلٌ آخر لكشفه كما في التردد بين كون الولد لهذا أو ذلك، أما لو وجد طريقاً آخر مثل ما نجده اليوم من تحليل الحامض النووي الذي إعتمدناه في الفقه إذا أفاد علماً، إلا فيما كان هناك أصل شرعي مثل قاعدة الفراش، فحينئذ لا يعتمد على الحامض النووي أيضاً.

أما فيما نحن فيه فليست القرعة هي السبيل الوحيد لكشف الواقع، بل هناك قاعدة العدل التي يمكن تطبيقها في المقام.

ثالثاً: ذكرنا سابقا أن قيمة النقود ليست بذاتها وإنما بإعتبارها وقيميتها، فنحن لا نبحث في المقام عن الدرهم بل عن قيمته، لأن الدرهم قد تحول من العين إلى الذمة بالإستيداع، وبفقدانه فقد من ذمة المستودع.

وهذا ما نجده في حكم الإمام عليه السلام في الثوبين - المختلفين في القيمة- المختلطين أيضاً، حيث أمر الإمام ببيعهما ومن ثم إعطاء صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس من الثمن ولصاحب العشرين خمسين، وبذلك أحال بالبيع الثوب المثلي إلى قيمته وأجرى الحكم عليه.

ونود الإستفادة من روايات هذين المسألتين بصيرة وهي أن أساس حركة الناس هي القيم الإعتبارية أي القوة الشرائية للمال أو فائدتها لا ذواتها من جهة كونها أموالاً.

بقيت هناك بحوث نذكرها فيما يلي:

الأول: تعدية حكم الثوبين

هل يمكن أن نتعدى مسألة الثوبين إلى أكثر من الثوبين أو إلى أشياء أخرى، وبعبارة أخرى هل حكم الإمام يعدّ قاعدةً عقلية يرجع إليها أم أنه قضاءٌ في موضوع محدد؟

قيل[2] بالإقتصار على مورد النص وعدم تعدية الحكم إلى أكثر من ثوبين أو إلى غير الثياب، حيث يتوسل حينئذ بالقرعة أو سبل أخرى لحل النزاع، إلا أن صاحب الجواهر قدس سره فضّل إعتماد النص كقاعدة عقلية، فالثوب إذا تحوّل إلى قيمة تحل المشكلة بصورة سهلة، مستنداً على أمر الإمام عليه السلام بالتفريع من الأصول في قوله عليه السلام: "إِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُلْقِيَ إِلَيْكُمُ الْأُصُولَ وَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُفَرِّعُوا"[3] ، مضافاً إلى كون الرواية رواية تعليمية لا مجرد قضية في موضوع[4] .

وبالرغم من مقبولية رأيه قدس سره إلا أن في ايراده رواية التفريع كدليل إشكالٌ، فهي لا تفيد المقام إلا من حيث الإستئناس، فالرواية تعني محكمات الأحاديث وهي التي وردت تبياناً للأصول حتى نجد في بعضها سؤال الراوي عن كون الحديث أصلاً فيجيب الإمام بكونه كذلك، أو قولهم عليهم السلام بأن هذا الحديث بابٌ يفتح منه ألف باب، فهناك روايات خاصة يفرّع منها الفقيه أحكاماً، أما جعل كل رواية أصلاً فهو بحاجة إلى دليل.

أما كون الرواية تعليمية فلابد من وجود دليل على ذلك مع معرفة المائز بينها وبين الروايات الفتوائية، فالتعليميات هي ماكان الأئمة عليهم السلام يوردونها في مجالس درسهم ويدونها الأصحاب – كما الأصول الاربعمائة-.

نعم؛ الرواية أصلٌ ـ من غير الجهة التي ذكرها صاحب الجواهر ـ بعد إرجاعها إلى أصولها، إذ كل الروايات تعد أصلاً حتى الفرعية أو القضايا الجزئية إذا تم البحث عن مرجعية لها في نصوص أهل البيت عليهم السلام وفي الآيات القرآنية كما كان يفعل بعض الأصحاب من السؤال عن الأصل في الرواية في كتاب الله عزوجل، وبالقيام بالذلك تكون الرواية موضحة للقاعدة، وبعد معرفة القاعدة تتضح مداليل الرواية بصورة أفضل.

 

أصول الروايات

وبهذه المناسبة نقول أن أصول الروايات والنصوص المحكمة التي ترجع إليها سائر الروايات هي روايات أبواب العقائد والأخلاق، فالمحدث الكليني بدأ كافيه الشريف بالأصول، وكذا بينها العلماء في ذكرهم للروايات العقائدية والأخلاقية، وفي تلكم الأبواب تظفر بالأمر بالأصول كالعدل والإحسان وبيان صفات المؤمن والمنافق والكافر وغيرها من النصوص التي تعد بمثابة أصول للفقه وقواعد له، ومن هنا ينبغي أن لا نفرق بين الروايات في الأبواب المختلفة.

 

الثاني: التقسيم بالنسبة

وهناك مسألة أخرى مشابهة للسياق وهي ما لو كان ما استودعاه مما يمتزج كالسكر، فأعطى أحدهما كيلواً والثاني كيلوين ومزجهما المستودع، فتلف ثلث الجميع، فحينئذ تقتضي قاعدة العدل أن يتم تقسيم المتبقي إلى ثلاثة أثلاث وإعطاء صاحب الكيلوين ثلثين والباقي لصاحب الكيلو.

وكذا الأمر فيما لو امتزجت الدراهم الودعية بصورة كلية كما لو اشترى المستودع بها شيئاً فتلف بمقدار درهم، فحينئذ أيضاً لابد من تقسيم المتبقي على نسب حق كلٍ من المودعين، ويطبق هذا على أكثر من الدراهم الثلاثة فيعم كل مالين امتزجا ثم تلف جزءاً منها.

 

الثالث: هل المسائل قضائية؟

تحدث بعض الفقهاء عن مسألة الدراهم الودعية والثياب الممتزجة عن إقامة البينة واليمين وما إلى ذلك من الأحكام المرتبطة بالدعاوى، ولا أدري لما أوردوها في المقام وهو ليس مقام الدعوى، لأن الطرفان يصدقون المستودع في قوله ولا يدعون كذبه، فيصار إلى ما ذكر لتقسيم الحق.

نعم إن إدعى أحد الطرفين كذب المستودع فحينئذ يتجه إلى المسائل المرتبطة بالقضاء، أما دون وجود دعوى فلا يصار إليها.

 

الرابع: إشتراط مشروعية موضوع الصلح

الصلح كأي عقدٍ آخر بحاجة إلى كل ما نوجبه في سائر العقود من إعتبارات مثل شروط المتعاقدين، وكذا شروط العقد ومن تلك الشروط أن يكون موضوع الصلح حلالاً، فلا يصح الصلح على الخمر أو لحم الخنزير أو المخدرات أو ما يضر المجتمع.

وقيل بتصحيح الصلح مع إعطاء بدل الموضوع المحرم، فتعطى قيمة الخمر بدل الخمر، ولكن هذا لا يمكن أن يكون مصححاً للعقد لأن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.

ولا يمكن قياس المقام على النكاح حال بطلان المهر الذي لا يؤدي إلى بطلان النكاح، لسببين:

الأول: أن الشارع المقدس جعل للمهر الباطل بديلاً وهو مهر المثل، فإذا بان فساد المهر كان لها مهر أمثالها.

الثاني: أن المحور في العقود هو العوضين، بخلاف المهر في النكاح الذي لا يكون محور النكاح بل من ملتزماته، إذ إن محور النكاح هو العلاقة بين الإثنين، أما المهر فهو صداقٌ يثبت به الرجل صدق رغبته في الزوجة.

 

الخامس: الخيار في الصلح

وبحث الخيار في الصلح نشير إليه هنا إشارةً علنا نرجع إليه تفصيلاً في فرصة أخرى، فهل في الصلح خيارٌ كسائر العقود؟

يقسم صاحب الجواهر قدس سره الخيارات إلى قسمين: فمنها ما يرتبط بالعقد مثل خياري المجلس والحيوان، ومنها ما يرتبط بأصل العقود كخيار الغبن وخيار العيب وشبههما.

فالخيار المرتبط بعنوان واضح كالبيع، فهو لا يجري في الصلح حتى وإن كان الصلح فيما يفيد فائدة البيع، أما الثاني فيعم الصلح، لأن الأصل في تلك الخيارات قوله صلى الله عليه وآله: "لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ"[5] فالعلة في تشريع الخيارات هو رفع الضرر، وبذلك فهي تشمل الصلح كما تشمل سائر العقود.

وهذا الكلام صحيح في أصله، ولكن لنا ملاحظة على تأصيل صاحب الجواهر، فلا ضرر ليس أصلاً للخيارات كما ذهب المحق النجفي قدس سره، وإنما الأصل فيها هو النقص في الإرادة والقصد، وذلك بإعتبار أن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، فتشرع الخيارات لتتميم القصد الذي يكون العقد تابعا له، فإذا كان العقد يشمل بيع بيتٍ وبستان فلم يقدر على تسليم البستان، فهنا يكون خيار تبعض الصفقة للخلل الوارد على القصد.

هذا كله بناءاً على القول بكون الصلح عقداً مستقلاً، أما على مبنى الشيخ الطوسي رضوان الله عليه الذي ذهب إلى عدم إستقلالية الصلح، بل كونه فرعاً على سائر العقود التي يفيد فائدتها فلابد من أن يلزم بالقول بخيار المجلس إن كان الصلح يفيد فائدة البيع، أو خيار الحيوان إن كان الصلح يجري على الحيوان، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo