< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تكفل أكثر من شخص لمكفولٍ واحد / كتاب الكفالة

 

"إذا تكفل رجلان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر‌و لو قيل بالبراءة كان حسنا"[1]

 

في الكفالة نظريتان:

الأولى: أن هذه العقود عقود مؤقتة بمعنى أن الحكم الشرعي يجب أن يكون ثابت قبل أن تنفذ.

الثانية: أن هذه العقود ماضية إلا إذا خالفت حكماً شرعياً.

وبين هاتين النظريتين نجد – عادةً – اختلاف الفقهاء في المسائل الفرعية ومنها مالو تكفل شخصان مكفولاً واحداً، وهو أمرٌ ممكن فقد يكون الكفيل شخصاً وقد يكون جمعاً كعشيرة، ولكن السؤال عما لو أحضر أحد الكفلاء الغريم إلى المكفول له هل تبرء ذمة الآخرين أم تبقى مشتغلة؟

لما كان الهدف من الكفالة إحضار المكفول لدى المكفول له، فبقيام أحد الكفلاء بالأمر ينتفي موضوع الحكم عن الآخرين كما يضرب الفقهاء مثلاً بذهاب الجثة مع السيل في رفع حكم وجوب تغسيلها، وبالرغم من وضوح المطلب إلا أن الأمر الذي أثار النقاش بين الفقهاء هو قول الشيخ الطوسي رضوان الله عليه بعدم سقوط الكفالة عن الكفيل الآخر وأقيمت تفسيرات لقول الشيخ قدس سره، ولنا في المقام كلام:

أولاً: من الممكن أن يكون حضور الكفيل الثاني ضرورياً عند تسليم المكفول، كما لو كان للقاضي غرض سوى غرض التسليم كما لو أرادهما للشهادة.

ثانياً: قد يكون عقد الكفالة مرتبطاً بالمال منذ البدء، كالتكفل بالمال وفي هذه الصورة لابد من تقسيم المال بين الشخصين ولا تبرء ذمة الثاني بدفع الأول للمال.

وليس من شأن الفقيه أن يتدخل في الشروط القائمة في العقود، فرب عقدٍ يشترط فيه حضور الكفلاء جميعاً، نعم في حال الإطلاق إن لم يكن ثمة غرض آخر سوى إحضار المكفول عند المكفول له يكفي قيام أحد الكفلاء بالتسليم، قال المحقق قدس سره: "إذا تكفل رجلان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ (وهو قول الشيخ قدس سره) الآخر ‌ولو قيل بالبراءة كان حسنا"[2] ، وكذا ذهب إلى البراءة سائر العلماء مثل العلامة والشهيد الثاني[3] ، إلا أن بعض العلماء أراد تبيين وجهة نظر الشيخ قدس سره في المسألة فبينوا وجود أغراض أخرى للكفالة ممكن أن تستدعي عدم براءة الكفيل الثاني. وكيف كان، فالكفالة كسائر العقود ترتبط بقصد المتعاقدين في شروطها وتفاصيلها، وسيقت رواية الإمام محمد بن علي عليه السلام في الدعائم كدليلٍ في المقام حيث قال عليه السلام: "إذا تكفّل رجلان لرجل بمائة دينار على انّ كلّ واحد منهما كفيل بصاحبه بما عليه فأخذ احدهما فللمأخوذ ان يرجع بالنصف على شريكه في الكفالة وان أحبّ رجع على المكفول عنه واذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثمّ اخذ منه بعد ذلك كفيلا آخر لزمتهما الكفالة جميعا"[4] .

إلا أن الرواية لم ترد في الكفالة، بل هي في الضمان رغم إيراد لفظة الكفالة فيها، إذ يتبادل إستعمال اللفظين في النصوص مع إرادة الآخر، فقد يطلق الضمان ويراد منه الكفالة وقد يكون العكس أيضاً، هذا مضافاً إلى أن الرواية دالة على رجوع أحد الضامنين على الثاني دون النظر إلى براءة الكفيل بقيام الكفيل الآخر بالتسليم.

ويدعونا هذا البحث إلى الإنتقال إلى بحثٍ آخر لم يطرقه العلماء كثيراً وهو عن أنواع الكفالات:

 

أنواع الكفالات:

أولاً: كفالة الدلالة

لو تكفل الكفيل بدلالة المكفول له على المجرم فقط، دون التكفل بإحضاره، فهل تعد هذه المعاملة من الكفالة الشرعية؟

ذهب بعضٌ إلى العدم لمغايرتها عن الكفالة الشرعية المعهودة وهي الإحضار لدى المكفول له، وأجيب أن الغاية من الكفالة إيصال المكفول له إلى المكفول وهي متحققة في هذا النوع ولا ضير في جوازها، مضافاً إلى ما ذهب إليه السيد اليزدي قدس سره في باب الضمان واستحسناه بأن الألفاظ غير مهمة كثيراً، بل الأهم هو تصحيح العرف للمعاملة مع عدم وجود رادعٍ شرعي لها، سواء سميناها كفالةً أو لم نسمّها.

ومن هنا، تصح الكفالة لو تكفل الكفيل بالأخذ بالمكفول له إلى عند المكفول، أي بعكس الكفالة المعهودة

 

ثانياً: الكفالة الجماعية بالترتب

قد يكفل مجموعة من الكفلاء شخصاً واحداً، لكن على نحو الترتب لا الجمع، بأن يقوم اللاحق بالكفالة مع عدم قيام السابق، أو على نحو تقسيم العمل، بأن يتكفل أحدهم البحث عنه والآخر القبض عليه والثالث إحضاره وهكذا، وهذه الكفالة هي الأخرى لا إشكال فيها.

فما دام الهدف من الكفالة هو الإرفاق وإيصال الحق إلى صاحبه، ومنع المعتدي من التهرب من العقوبة، فمن الممكن أن يتحقق هذا الهدف بطرق مختلفة، ومنها هذا النوع من أنواع الكفالة، ومنها شركات الأمن الشخصية التي تتكفل بحماية الشخص ويغرم في حال عدم حمايته.

فالكفالة ليست نوعاً واحداً ولا بصورة واحدة، بل لها أنواع مختلفة حسب التوافق الجاري بين المتعاقدين أو حسب العرف السائد.

 

موت المكفول

هل يبرء الكفيل بموت المكفول كما في حال قيامه بإحضاره؟

قال المحقق قدس سره: "إذا مات المكفول برئ الكفيل ‌ كذا لو جاء المكفول و سلم نفسه"[5] .

وهو صحيحٌ في حالات الإطلاق، أما إذا كان هناك تقييد وبيان للخصوصيات من قبل المتعاقدين الشاملة لحالة موت المكفول فعلى الكفيل إحضاره حتى وإن مات، لسبب من الأسباب كأن يشهد عليه، بل وجاز نبش قبره أيضاً، لجواز النبش في بعض الصور الإضطراية اذا كانت هناك مصلحة تستدعي نبش القبر أعظم من مصلحة عدم هتك الميت، ومنها صورة الإشهاد.

وكذلك لا يبرء الكفيل بموت المكفول فيما لو كان قد تكفل بإحضاره أو بما عليه من حقوق مالية، فعليه أن يدفع ما على المكفول بوفاته، وكذا في صورة مماطلة الكفيل في إحضاره فمات المكفول، فعليه أن يغرم للمكفول له لبدل الحيلولة، ولقاعدة نفي الضرر بناءاً على شمولها جبر الضرر، كما ذهب إليه صاحب العناوين واستحسناه، بخلاف رأي المشهور.

فبناءاً على دلالة القاعدة على وجوب جبران الضرر غرّم الكفيل المماطل وإن لم يشترط في العقد دفع المال لألحاقه الضرر بالمكفول له وهذا الحكم لا يخص المقام.

والحاصل: في حالات الاطلاق يجب علينا أن نبحث عن رأي العرف في المسألة وبالتالي نجده عند الفقهاء المعبرين عن العرف، أما في صورة وجود عقد كفالة بين طرفين مقيّد بشروطٍ والتزامات مختلفة عمل بها، كالكفالة بالإحضار او الدلالة أو الحفظ مثل كفالة أبناء يعقوب عليه السلام بإحضار بنيامين إلا أن يحاط بهم، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo