< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إحضار المكفول قبل الأجل/ كتاب الكفالة

 

"إذا أحضر الغريم قبل الأجل وجب تسلمه إذا كان لا ضرر عليه‌ و لو قيل لا يجب كان أشبه"[1] .

 

من المسائل المتصلة بباب الكفالة ما يذكرها المحقق الحلي قدس سره فيما لو أحضر الكفيل المكفول في غير الوقت المطلوب، كما لو كانت الكفالة مؤجلة وقام بإحضاره قبل الأجل، فهل يجب على المكفول له تسلّمه أم لا يجب؟

ذهب الشيخ في المبسوط[2] الى الوجوب عند عدم تضرر المكفول له فالهد أوليس الهدف كان إيصال المكفول إلى غريمه وقد تحقق، إلا أن المحقق قدس سره استقرب عدم الوجوب.

أقول: إن كانت الكفالة عقداً والعقود تابعة للقصود، فلابد أن نقول أن المتعاقدين في الكفالة يعملا بما اتفقا عليه، فلو قال الكفيل احضره لك حتى شهر، فله أن يسلمه قبل ذلك، أما إن قال أحضره أول الشهر أو بعد شهر عليه أن يلتزم بما قال وليس على المكفول له تسلّمه قبلئذ.

وكذا إن جعل الكفيل لنفسه الخيار بفسخ العقد متى شاء ورضي المكفول له، ففسخها وقام بإحضار المكفول إلى المكفول له، فحينئذ يجب على المكفول له تسلمه لرضاه بالأمر منذ العقد.

ولو كان الكفيل مضطراً إلى تسليمه لضرورةٍ ما، كما لو لا يتمكن بالظفر به مجدداً، كان على المكفول له تسلمه.

 

التسليم في حالات حرجة

ومن الفروع الملحقة بالمسألة فيما لو سلّم الكفيل الغريم في ظرف لا يتمكن المكفول له من تسلمه، كما لو سلّمه أمام عيون الحكومة الظالمة أو في مكانٍ غير المكان المتفق عليه، فلا يجب على المكفول له تسلمه، وهذا الفرع كسابقه ينبغي أن يخضع لتوافق الطرفين.

 

حبس المكفول

لو أراد الكفيل تسليم المكفول فتبين أنه في الحبس ـ لجريمةٍ أخرى مثلاً ـ فقد فصّل المحقق بين ما لو كان في حبس حاكمٍ عادلٍ أو كان عند الظالم، فإن كان السجن بحكمٍ عادل كان على الكفيل رفع أمره إلى الحاكم ليخرجه من الحبس ليسلمه للمكفول له أو يطالبه بحق المكفول له وهو في الحبس، أما إذا كان الحاكم ظالماً فذلك يمنع الكفيل من وصوله إليه لتسلمه.

هنا لا يختلف الأمر عما سبق فيختلف الحكم بحسب إختلاف الظروف فقد يتمكن الكفيل من إخراج المكفول من يد الحاكم الظالم، وقد لا يتمكن من إخراجه من حبس الحاكم العادل كما لو كان المكفول قد جنى جناية أعظم من الجناية المطلوب من أجلها للمكفول له، فهناك ظروف مختلفة لا نستطيع سوق كل المفردات بعصا واحدة، قال المحقق قدس سره: "إذا أحضر الغريم قبل الأجل وجب تسلمه إذا كان لا ضرر عليه‌ و لو قيل لا يجب كان أشبه"[3] .

ونحن نقول: لو قيل أن الأمر يرتبط بالتوافق فيما بينهما كان أشبه أيضاً، بإعتبار أن الكفالة عقد تابعة للقصد بكل تفاصيله.

ثم قال: "و لو سلمه و كان ممنوعا من تسلمه بيد قاهرة لم يبرأ الكفيل (كما لو سلمه عند الشرطة أو عيون الظلمة ولم يمكن للمكفلول له تسلمه فلا يعد تسليما) و لو كان محبوسا في حبس الحاكم وجب تسلمه لأنه متمكن من استيفاء حقه و ليس كذلك لو كان في حبس ظالم"[4] .

وهذه المسال ترجع إلى القضاء أو التوافق المبرم بين المتعاقدين، الذي إما يكون مذكوراً أو توافقاً لدى العرف السائد والمعبر عنه بـ(الشروط الضمنية)، وذكر الفقهاء لمثل هذه الأحكام يكون عادة تعبيراً عن العرف السائد.

 

كفالة الفضولي

ومن المسائل المرتبطة بالكفالة هي عن كفالة الفضول، بأن يجري شخصٌ عقد الكفالة فضولاً عن الكفيل، كما لو تكفل الإبن غريماً عن أبيه (الكفيل) ورضي أبوه، فهل يصح ذلك؟

كأي عقدٍ آخر تصح الكفالة فضولاً، فكما قلنا أن للعقد إطار ومحتوى وإطاره العبائر كـ(بعت واشتريت وشبههما)، أما محتواه فهو التراضي الحاصل بين طرفي العقد، فلو أقام الإطار شخصٌ عن شخصٍ فرضي صح العقد لإكتمال العقد إطاراً ومحتوى، وهذا التمايز استفدناه من قوله سبحانه: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم‌[5] ، فالتجارة شيء والتراض شيء آخر.

ومن هنا يمكن أن نستفيد إمكان قيام الفضولي بطرفي العقد تفضلاً عن الكفيل والمكفول له فإذا رضيا تمت الكفالة، وقد يشترط الأصيل شروطاً لقبول الكفالة سواء كان كفيلاً أو مكفولاً له، فيمكن إمضاءها بالتراضي بينهما، من خلال قيام الفضولي (الذي أجرى العقد) باجراء التعديلات على العقد.

فعقد الفضولي – كما يدل عليه لفظه – عقد تفضل وهو دالٌّ على الإرفاق أيضاً، فقد يكون العقد ضرورياً ولكن يحول دون إبرامه عدم وجود طرفاً من أطرافه، فيقوم الفضولي مكانه ويمضي العقد برضاه اللاحق، ومن هنا نعتقد أن قول الله سبحانه: ﴿ما عَلَى الْمُحْسِنينَ مِنْ سَبيل[6] قد يدل على صحة الفضولي حال كونه محسناً.

 

كفالة المؤمن للكافر

هل تجوز كفالة المؤمن للكافر؟ كما لو كان اشتغلت ذمة مؤمن لكافر فقام مؤمنٌ آخر بكفالته للكافر.

قال بعض الفقهاء بإحتمال عدم الجواز لإستلزام الكفالة تسليط الكافر على المؤمن وقد منع عن ذلك قوله تعالى: ﴿وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرينَ عَلَى الْمُؤْمِنينَ سَبيلا[7] .

وردّ عليه أن هذا السبيل غير منهيّ عنه لكونه برضا المؤمن، وإن قلنا بإنتفاءه لزم ذلك عدم قيام أي عقدٍ بين المؤمن والكافر، لوجود سلطنة – بنسبة ما – في كل عقدٍ من العقود.

 

اختلاف الجنس في الكفالة

كما لا بأس بتكفل المؤمن للكافر كذلك لا بأس بكفالة الرجل للمرأة وكفالة المرأة للرجل، فاختلاف الجنس لا يدل على بطلان العقد، وكذلك تجوز كفالة الرجل عن الصبي و المجنون.

أما إذا تكفل الرجل عن عاقل فجنّ فهل تنتفي الكفالة أم تبقى قائمة؟

إذا حكم القضاء ببقاء الحكم على المجنون بقيت الكفالة، كما لو أراد صاحب الحق إبقاءه للضغط على أولياءه ليؤدوا له حقه – مثلاً –، وإن درء عنه الحكم وبرأه برء الكفيل، فقد يحكم القاضي بتأديب المجنون أو الصبي فتبقى الكفالة، وقد يكون الجنون بدرجة من الحدة التي لا يرى القاضي حكماً عليه فحكمه كحكم موت المكفول فتسقط الكفالة.

وأما إذا فقد الكفيل الأهلية بجنونٍ أو حبسٍ أو موت، فهل تسقط الكفالة أم لا؟

إن كانت الكفالة مرتبطة بالشخص تسقط، أما إذا كان فيها حق مالي فيمكن أن تؤخذ من أولياءه أو تركته، لضمانه ذلك.

والحق ينتقل من الشخص إلى تركته، أما العمل العيني فيسقط، فكما تسقط الصلاة عن المكلف بالجنون أو الموت تسقط عنه إحضار المكفول.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo