< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عدم إحضار المكفول/ كتاب الكفالة

و إن امتنع كان له حبسه حتى يحضره أو يؤدي ما عليه و لو قال إن لم أحضره كان علي كذا لم يلزمه إلا إحضاره دون المال[1] .

بعد أن مهّدنا الحديث عما يرتبط بحالة عدم إحضار الكفيل للمكفول من خلال مناقشة روايات المقام، نورد فيما يلي ما ذكره المحقق قدس سره حيث قال ـ عن حالة إمتناع الكفيل عن إحضار المكفول كما يحصل ذلك غالباً لظنه بإمكان الإحضار وتبين خطأه أو نكول المكفول أو أي سبب آخر: و إن امتنع كان له حبسه حتى يحضره أو يؤدي ما عليه[2] .

فالمحقق قدس سره يبين خيارين للمكفول له، فإما أن يحبس الكفيل حتى يحضر المكفول وإما أن يغرّم ما على المكفول للمكفول له ولنا بحثٌ حول كلا الخيارين:

الحبس

أما بالنسبة للحبس فنقول أنه أحد الخيارات المتاحة كما ذكرنا سابقاً إذ هناك مجموعة من الخيارات يمكن للمكفول له القيام بها من أجل الضغط على الكفيل لإحضار المكفول، منها الحبس ومنها تجميد الأرصدة البنكية ومنها التشهير بالكفيل ومنها أخذ الرهينة منه سلفاً – كما هو سائد اليوم -، فلا خصوصية للحبس، إلا إذا قيل بوجود الخصوصية لورودها في الروايات، إلا أن الروايات حسبما سبق وأن بينّاها كلها نقلت قضيةً واحدة، وهي حكم الإمام عليه السلام في واقعةٍ ما، وقضايا أمير المؤمنين عليه السلام يعتبرها الفقهاء قضية في واقعة أو ما يسمى اليوم بـ (السابقة القضائية) الذي يعني عدم جعلها مداراً للقضايا المختلفة.

 

أداء ما على المكفول

أما عن قوله قدس سره بوجوب أداء الكفيل ما على المكفول للمكفول له، فما هو الدليل بوجوب ذلك على الكفيل؟ نعم؛ لا كلام إن كانت الكفالة تنص على ذلك لوجوب الوفاء بالعقد وكون المؤمنون عند شروطهم، وأن الشرط في العقد اللازم لازمٌ، ولكن ما هو دليل الوجوب إن لم يكن هناك إشتراطٌ مذكور أو تباني عرفي على ذلك؟

فلو لم يكن هناك نص في العقد أو عرف سائد، قالوا بإعتماد قاعدة لا ضرر لإيجاب الأداء، إلا أن ذلك لا يكون إلا على مبنى من قال أن القاعدة تدل على وجوب دفع الضرر بعد وقوعه، أي سريانها وقوعاً وإستدامةً كما ذهب إلى ذلك أغلب علماء العامة وبعض علمائنا ومنهم صاحب العناوين قدس سره الذي يرى دلالة القاعدة على وجوب جبر الضرر إن وقع.

ونحن نرى دلالة القاعدة على ضرورة الجبران – كما مرّ ذلك في كتاب الضمان -، وبذلك يمكن الإستدلال بالقاعدة على تغريم الكفيل.

أما على مبنى المشهور الذي لا يستفيد من القاعدة وجوب رفع الضرر، فلا تكفي القاعدة لإيجاب الأداء، ولذلك استدلوا بدليلٍ آخر وهو قاعدة الإتلاف، التي تنص على أن (من أتلف مال الغير فهو له ضامن)[3] ولكن أشكل على الإستدلال من جهة عدم كون المكفول مالاً، إذ لم يعتبر أغلب علمائنا لعمل الحر ماليةً بخلاف العبد، فلو حبس حراً أو منعه من العمل لم يلزمه غرامة ما كان يحصل عليه من خلال العمل لو لم يكن محبوساً، وبذلك لم تستقم القاعدة للاستدلال بها أيضاً.

إلا أننا نرى لعمل الحر مالية ولابد لمانع الحر من العمل أن يؤدي له ما كان يحصل عليه، وبناءً على ذلك يكون للمكفول له مطالبة الكفيل باداء ما على المكفول له.

وبناءً على ما مضى إحتاج القائلون بعدم شمول قاعدة الضرر والإتلاف، إلى دليلٍ آخر، فاستدلوا بقول الإمام الصادق عليه السلام: الْكَفَالَةُ خَسَارَةٌ غَرَامَةٌ نَدَامَةٌ[4] ، بإعتبار وجود لفظ الغرامة فيها الذي يدل على تغريم الكفيل حال عدم إحضاره للمكفول.

إلا أن الرواية لا تدل على الغرامة في جميع الحالات لوجود لفظي الخسارة والندامة فيها أيضاً، فقد تكون غرامة وقد تكون خسارة أو ندامة، كما لو كان الإتفاق بين المتعاقدين على حبس الكفيل إن لم يحضر المكفول، الأمر الذي جر الندامة على الكفيل لا الغرامة، فلا يمكن الإستدلال بالرواية لعدم إطلاقها.

وبعد ذلك قال المحقق قدس سره: و لو قال إن لم أحضره كان علي كذا لم يلزمه إلا إحضاره دون المال[5] .

ويرد عليه: إن كان المتعاقدان قد اتفقا على ذلك فلم لا يجب على الكفيل الإلتزام بما ألزم نفسه؟ أوليس المؤمنون عند شروطهم؟ أوليست الكفالة عقداً ملزماً والشروط في العقود اللازمة لازمة؟

فقاعدة الوفاء بالعقد حاكمة في هذا العقد وفي شروطه وتوابعه، ولذلك ذهب بعض فقهائنا كالشهيد الثاني[6] بلزوم الوفاء بالشرط، وإن كان لقول الإمام الصادق عليه السلام: الْكَفَالَةُ خَسَارَةٌ غَرَامَةٌ نَدَامَةٌ[7] ، أقول إن كان للحديث دلالة فهي فيما نحن فيه.

ثم قال المحقق: ولو قال علي كذا إلى كذا إن لم أحضره وجب عليه ما شرط من المال[8] .

والفرق بينها وبين المسألة السابقة هو تقديم دفع المال على الإحضار في العقد، وكأن المحقق فصل بين حالتي الترتب والتخيير، أي بين أن يقول إن لم إحضره فعلي كذا، وبين أن يقول علي كذا أو إحضاره، وهذا لا بأس به، ولكن الألفاظ ليست سوى قنطرة تعبّر عن نية الطرفين، فلابد من التحقق من مراد الكفيل في عبارته.


[6] استشكل الشهيد الثاني على المسألة من جهتين، جهة فهم المحقق للنص الوارد وجهة سند النص، ومن ثم ناقش أقوال الفقهاء في المقام في المسالك، ج4، ص239، فراجع. [ المقرر].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo