< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسائل في الكفالة/كتاب الكفالة

مسائل الكفالة

مسألة: رضا المكفول

سبق وأن بينا أن هناك أطرافاً ثلاثة للكفالة ولابد من رضاهم، وهم الكفيل كأصل وهو الموجب والمكفول له كقابل والمكفول أيضاً يشترط رضاه في بعض الحالات.

مسألة: أجل الكفالة

الكفالة من جهة الأجل على أقسام هي:

الكفالة المؤجلة إلى أجل معين.

الكفالة المؤجلة من وإلى وقت معين.

الكفالة المعجلة.

أما الأولى فهي الأصل في الكفالة، كما لو تكفّل الكفيل بإحضار المكفول في الموعد المحدد كموعد المحاكمة، وحيث يتعامل الناس في هذه الأمور مع المحاكم فهي تجعل موعداً معين للمحكمة، يطاب الكفيل أن يحضر المتهم في ذلك الموعد.

وأما الكفالة المؤجلة من وإلى أجل معين، فتعني أن الكفيل مطالب بإحضار المكفول متى ما طلب منه ذلك لمدة سنة مثلاً، وذهب المشهور إلى صحة هذه الكفالة أيضاً لوجود أجل واضح فيها، وعدم معلومية وقت المطالبة غير قادحٍ بالصحة بعد العلم الإجمالي بمدة الكفالة، وهذه الكفالة هي الإخرى شائعة بين الناس فقد تكون قائمة فيما يتربط بالامور المالية أو القضائية أو غيرها.

أما الكفالة العاجلة أو الحالّة فهي تتصور فيما لو قام الكفيل بكفالة المكفول وطلب منه إحضاره الآن كما لو طلب مركز الشرطة من الكفيل نقل المكفول إلى المحكمة، وقد قيل بعدم صحتها لكونها كفالة عبثية، ويرد على ذلك:

إن تعيين عبثية المعاملة عن عدمها عائدٌ إلى المتعاقدين، فرب سببٍ حمل الكفيل إلى إيجاب هذه الكفالة كما لو كان في الكفالة صونٌ لسمعة المكفول، فمادام هناك إيجابٌ وقبول بين الطرفين فلماذا القول بعبثيتها مع إحتمال العدم؟

وبهذه المناسبة نتسائل: ما هي حدود تدخل الفقه في شؤون المعاملات بين الناس، هل تشخيص عبثية معاملةٍ أو عقلائيتها من مهام الفقيه أم أن الفقيه لا يتدخل في هذه الجوانب بعد تشخصيه للحكم الشرعي؟

فهل نحن مجبرین على البحث عن الحكم بعد أن منح الله سبحانه للناس حريةً فيما لم يأمرهم وينهاهم وهو ما يسمى بـ (هامش الحرية)؟ فمادام الشرع سكت عن أشياءٍ لا جهلاً أو غفلة، فقد أوكل الأمر إلى الناس، وليس الفقيه مكلفاً بالتدخل في هذه الأمور، نعم قد تكون البحوث لبلورة الحقائق ليس إلا، وإلا فالعقد تابعٌ لقصد المتبايعين.

ومن ذلك بحث الأجل، فالأجل ينبغي أن يكون مضبوطاً بمدة معينة، فقد ذهب أكثر الفقهاء بل ادعى صاحب الجواهر الإجماع على أن الكفالة لا تصح إن لم تكن بأجل محدد لكونها غررية والنبي صلى الله عليه وآله نهى عن الغرر.

ولكن استشكل صاحب الجواهر على رواية النهي عن الغرر بضعفها، وأن المروي عندنا هو النهي عن بيع الغرر، ولذلك يستدل على ما نحن فيه بالإجماع.

 

المناقشة مع صاحب الجواهر:

ولنا نقاش مع صاحب الجواهر نذكره فيما يلي:

أولاً: بالرغم من أن الرواية نبوية وضعيفة، إلا أن اعتماد الفقهاء عليها في عشرات الموارد في الأبواب الفقهية المختلفة يكفينا جبراً لضعفها.

ثانياً: يمكن الإعتماد على رواية نهي النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر في البيع للمقام، بإعتبار أن البيع هو الأصل في المعاملات والنهي جاء فيه كعنوان لها جميعا.

ثالثاً: مثل هذه الإجماعات في المسائل الفرعية محتملة المدرك بل الظاهر استنادها على الرواية النبوية، وإعمالهم للفظ الغرر دون غيره قرينة على إعتمادهم عليها.

رابعاً: قد سبق وأن قلنا أن آية الدين في سورة البقرة تكفينا على وجوب وضوح العقود وخلوها من الجهالة والغرر، وقد اعتبرت الوضوح لأسباب هي العدالة (أقوم للقسط) والإبتعاد عن الخلاف والأقرب للشهادة، ففي اعتقادنا تكفينا هذه الأمور الثلاثة لإشتراط تحديد الأجل.

فإن كان العقد قد أسس ليكون هناك تعاون إنسيابي بين الناس ففي العقد الغرري والمسبب للخلاف إشكالٌ.

وكيف كان، فبالإمكان جمع الأدلة بعضها مع البعض الآخر، فآية الدين والنهي عن بيع الغرر، والنهي عن الغرر مطلقاً، والإجماع القائم، من حيث المجموع تحدث عند الفقيه الطمأنينة الفقهية الكافية على عدم صحة المعاملات الغررية.

نعم؛ ينبغي أن يكتفى في التحديد بالمقدار الرافع للغرر دون إشتراط المزيد من الدقة، فهناك مُدَد عند الناس كافية لرفع الجهالة دون تحديد تام لها كوقت تأبير النخل، أو العام والعامين دون التحديد هل هو بالهجري الشمسي أو القمري، فالمناط رفع الغرر بين المتعاقدين بطريقة أو بأخرى.

 

نكول المكفول

لو قام الكفيل بكفالة مطلوبٍ بحق ولكن المكفول خفر ونكل في موعد الإحضار، فما هو الأجراء المقام ضد الكفيل؟

قيل: يحبس الكفيل حتى يحضر المكفول للرواية، وقيل: إن كان الحق مالياً غرّم الكفيل لأنها خسارةٌ غرامة ندامة كما في الحديث.وقال بعضهم: أن الكفالة هي للنفس ولابد من إحضار نفس المكفول ولا يكفي أخذ المال منه، لإحتمال إرادة المكفول له نفس المكفول لا شيء آخر، كما لو كان المكفول زوجةً للمكفول له، أو كان قاتلاً مطلوباً بقود، نعم لو كان الأمر بحيث لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال إحضار المكفول، فللمكفول له أن يطالب الكفيل بمهر زوجته، أو بدية المقتول.

وهذه اقوال مختلفة ولكنا نقول: ما دامت الكفالة عقد بين طرفين فلم لا نعمل بحسب ما تعاقدا عليه واتفقا عليه حال عدم إحضار المكفول، وتختلف قصود المتعاقدين باختلاف الحالات، فقد يكون مراد المكفول له الإقتصاص من المكفول دون أن يكون ناظراً إلى الدية، وقد يكون همه الحصول على المال سواء من المكفول أو من غيره.

فالصواب في أن نخضع العقد إما للعرف القائم ولكل عصرٍ ومصر عرفه، وإما لإتفاق المتعاقدين – وإن كان مخالفاً للعرف السائد-، ومن هنا لا يمكننا إطلاق الحكم في حالة خفر المكفول وعدم إحضار الكفيل له، فقد يحبس الكفيل وقد لا يحبس وقد يغرّم وقد لا يغرّم، كل ذلك حسب بنود العقد المذكورة أو العرفية.

وعلى هذا تحمل روايات المقام، الدالة على حبس الكفيل حتى يأتي بالمكفول، بإعتبار أنها كانت الحالة العرفية حينئذ، فقد تتبدل الحالة العرفية فتقضي مثلاً بتغريم الكفيل على كل يومٍ يتأخر على إحضار المكفول، أو أخذ الرهينة منه وبعدم إحضاره تؤخذ الرهينة، أو تجمد حساباته البنكية أو التشهير به في الصحف أوغيرها من الطرق.

وفيما يلي الروايات في المقام:

عَنْ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: أُتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِرَجُلٍ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَحَبَسَهُ وَ قَالَ: "اطْلُبْ صَاحِبَكَ[1] ، هل الحبس هنا يقصد به السجن، أو تحديد الحركة؟ قد يكون الأخير.

عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ مثله[2] .

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ علیهما السلام أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام أُتِيَ بِرَجُلٍ كَفَلَ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَأُخِذَ بِالْمَكْفُولِ فَقَالَ احْبِسُوهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِصَاحِبِهِ[3] .

فكل الروايات كأنها تروي واقعة واحدة عن أمير المؤمنين عليه السلام وأن الإمام أمر بحبس الكفيل وأمره بطلب صاحبه (المكفول)، وهذه قضية مهمة ولكن قضايا أمير المؤمنين عليه السلام هي قضية في واقعة، فليس كل كفيل يحبس، بل قد يغرّم وقد يرسل معه شخص لطلب المكفول، فكلٌ حسب وضعه والله العالم


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo