< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحوالات المستحدثة 6/ كتاب الحوالة

 

لا زلنا في المسائل المتشعبة عن الحوالة والمستحدثة منها أو القديمة التي لم يبينها الفقهاء ضمن السياق المرسوم، ومنها:

الحوالة من المتعدد وإلى المتعدد

فهل تجوز الحوالة من المتعدد كما لو توفي إنسانٌ وبذمته دين فقام الورثة بإحالة الدائن إلى محال عليه، فالمحيل هنا مجموع الورثة وأحالوا شخصاً؟ وهل يجوز العكس بأن يحيل شخصٌ محاله إلى مجموعة من الأفراد؟

تجوز الحوالة في الصورتين، لعدم الفرق بين الفرد والمتعدد ما دامت الأركان متوفرة، ويمكن أن تتصور هذه الحوالات في حوالات الشركات التي بالرغم من أن شخصيتها حقوقية (قانونية) إلا أن المالك الحقيقي لها مجموعة من الأفراد –عادة-، فتحيل الشركة إلى شخص أو إلى شركة أخرى أو يحيل شخصٌ إلى شركة، فكل ذلك جائز.

 

الحوالة مع الضمان

هل يمكن أن تتداخل الحوالة مع الضمان؟ وذلك بأن يحيل المحيل محاله على محال عليه مع ضمان الضامن عن المحال عليه كما لو أحال زيدٌ دائنه على عمرو وقام أحمد بضمان عمرو، ويمكن أن يكون الضامن ضامناً للمحيل فيما لو امتنع المحال عليه من الأداء.

وقد يكون الضمان مع الحوالة في ضمان البنوك والشركات والحكومات.

يجوز ذلك فيما لو رضي المحال، فبالتالي المحال يريد الاستيثاق على ماله وبالضمان يزداد ثقةً بحصوله على ماله، وكما الضمان كذلك الرهينة في الحوالة، كما لو أخذ المحال رهينةً من المحال عليه كضمانة للحصول على ماله.

فيمكن إذاً جمع الحوالة مع الضمان وكذا يمكن جمعها مع الرهن.

ولكن هناك من الفقهاء من استشكل في جواز ذلك بإعتبار أن أساس الحوالة هو الإرفاق، فالحوالة أسست لتمشية أمور الناس ومعاملاتهم، والأساس في العقود ينبغي أن يكون اليسر والسهولة لتسهيل التعاملات، وإذا أضفنا إليها الضمان أو أكملناها بالرهينة فهذا ينافي الإرفاق.

وتاريخياً كانت العقود عند الرومانيين واليونانيين والفرس معقدة وجاء الإسلام وقام بتسهيل المعاملات والعقود مطلقاً قاعدة التراضي والوفاء بالعقود، وكان ذلك سبب إزدهار التجارة عند المسلمين لقوانين الإسلام الهادفة إلى التسهيل لا إلى التعقيد.

ويرد على ذلك:

أولاً: ما هو المستند على كون الإرفاق علّةً للحوالة؟ بلى يمكن أن تكون حكمتها الإرفاق لا علتها.

ثانياً: لو قام الإجماع على كون الحوالة للإرفاق، نتسائل ما هي حدود الإرفاق المجمع عليه؟ ولما كان الإجماع دليلاً لبياً إقتصرنا على القدر المتقين منه دون أن يكون له إطلاق خارج القدر المتيقن.

بل لو سلمنا على كون الإرفاق علة، فالإرفاق قد يتحقق بإضافة الضمان والرهينة، لان المحال قد لا يثق بالمحال عليه، وبالضمان والوثيقة تجري الحوالة، فالضمان والرهينة هما نوع إرفاقٍ في كثيرٍ من الأحيان.

 

شبه الحوالة

ومن العقود الملحقة بالحوالة لشبهها بها هو ما كان متداولاً في السابق – وربما لحد الأن – بالصورة التالية:

ينوي الفلاح أو صاحب المصنع بيع بضاعته في المدينة ولكن حين لا يجد مشترياً لبضاعته يقوم بعض السماسرة بأخذ البضاعة ويقومون بتخزينها، ويقوم صاحب البضاعة بإعطاء السمسار ورقة تخويل بيع البضاعة في مقابل أخذ مالٍ معين، ويسمى هذا التخويل حوالةً عند العرف وهي تمكين التصرف بالبضاعة.

قالوا أن هذه حوالة وقيل أنها حوالة حكمية، ونحن لا نعلم أنها كذلك أو شبه الحوالة، لعدم وجود دين فيها، مضافاً إلى أن صاحب المخزن قام بإعطاء المال لصاحب البضاعة في مقابل ورقة التخويل، فكأنه قام بشراء البضاعة، فكيف يمكن إعتبار هذه المعاملة على عقد الحوالة، مع أنا قلنا – في بحث سابق – بجواز حوالة الوديعة.

وقد يمكن إعتبارها من الحوالة بالتقريب التالي: أن صاحب البضاعة لا يبيع البضاعة بل يودعها عند صاحب المخزن ويوكله ببيعها وإنما يأخذ المال من صاحب المخزن على نحو الرهينة أو الضمانة لبضاعته.

وفي هذه الصورة أيضاً لا يمكن إعتبارها من الحوالة لأنها في الحقيقة وكالة بالبيع، وهذا ما هو متداول في بعض البلاد بأن يقوم بعض أصحاب المحال ببيع أمتعة الناس عنهم وكالة.

فالمعاملة هي نوع توكيلٍ وليست حوالة، اما ما يأخذه صاحب البضاعة من المال فهل هو على نحو الدين أو الضمان أو؟ يعرف ذلك بالرجوع إلى قصد المتعاملين لأن العقود تابعة للقصود.

فهذه المعاملة ما دامت مبنية على رضا الطرفين فهي صحيحة، وقد تسمى حوالة أو وكالة أو تسمية أخرى، ولكن لابد من تحديد نوعها.

وتظهر ثمرة التحديد فيما لو تلفت البضاعة قبل البيع، فإن كانت المعاملة على نحو الشراء فهي من مال صاحب المخزن وإن كانت وكالة ببيع الوديعة فهي من مال صاحبها.

 

الحوالة بين أصحاب الصيرفة

وهي الحوالة المرسومة اليوم والمتداولة عند الناس، من خلال إعطاء زيد مالاً للصراف في كربلاء ويأخذ في مقابلها ورقة إيصال، ومن ثم يقول بأعطاءها للمحال عليه (الصراف الآخر) في طهران مثلاً ويأخذ المبلغ، فهل هذه هي حوالة وكيف يمكن تطبيق قواعد الحوالة عليها؟

الجواب: أن هذه المعاملة على ثلاثة أنواع:

الأول: يكون على نحو بيع الحوالة، وكأن صاحب المال يقوم بشراء ورقة الإيصال بالمبلغ الذي أعطاه للصيرفي، ويبيعها مجدداً على الصيرفي في المدينة الأخرى، كبيع الصكوك أو بيع الكمبيالة أو ما يسمى بالسفتجة التي كانت متداولة بين الناس وأصل الكلمة فارسية من الـ(سفت كاري).

وهذا في حقيقته بيع وإن كان بظاهر الحوالة، مثل ما لو قام بشراء ذهب بمبلغ معين ثم باعه في محلّ آخر، ولا فرق بين الذهب وورقة الإيصال، فللورقة قيمتها الإعتبارية عند العرف.

الثاني: والنوع الثاني يقوم صاحب المال بإعطاء المال على نحو الدين للصيرفي ويحيله الصيرفي على محال عليه في مدينة أخرى ليرجعه له، سواء كانت ذمة المحال عليه مشغولة أو لم تكن.

ولكن هنا إشكال منشأه من أن الصيرفي يأخذ نسبةً من المال في عملية التحويل، فكيف نبرر هذه الفائدة في الدين، أوليس كل دينٍ جرّ نفعاً فهو ربا؟

الثالث: يعطي صاحب المال ماله للصيرفي على نحو الوديعة، وإذا أعطى صاحبه في المدينة الأخرى المال فللصيرفي الأول الحق في التلمك وإلا يرجع عليه، يعطيه الوديعة ويعطيه الإذن بتملك المال شريطة الحصول على ماله.

إن قلنا أنها وديعة فلابد أن نجري عليها أحكام الوديعة، ومنها عدم تحمل الصراف المسؤولية إن تلف المال بيده دون إفراط، لأمانة يده.

وعلى أي حال فمعاملات التحويل المتداولة اليوم بين الناس فيها أكثر من شعبة ولابد أن تدرس الشعب جميعاً لمعرفة مدى توافقها مع الشرع المقدس، لإحتمال دخول هذه المعاملة تارةً في الربا واخرى تحدث مشكلة حال تلف المال على القول بالوديعة وهكذا قد تكون حوالة غير صحيحة.

فلابد أن تخضع الصور كلها للأحكام الشرعية، أما مجرد إرادة الإنسان نقل ماله دون مراعاة الشرع فمشكل، وبالرغم من ذلك فإن أقرب الصور للصواب هي الصورة الأولى التي تكون على نحو البيع، كما بيع الكمبيالة والسفتجة، وإن كانت غير تامة من جهة عدم إمكان إلزام الصيرفي الآخر بشراء الورقة فيما بعد، ففي الحوالة يلزم المحال عليه بقبوله، بينما في البيع لا يلزم المشتري وإن قبل بالشراء سابقاً، ولابد أن تحل هذه المشكلة بنحو من الأنحاء، إما بالقول أنها بيع بشرط الشراء، أو بيع مع الضمان أو بصورة أخرى والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo