< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحوالات المستحدثة 3/ كتاب الحوالة

 

لازلنا في كتاب الحوالة وفي المسائل المستحدثة أو الغير مطروحة، ومن هذه المسائل الحوالة على الميت:

الحوالة على الميت

هل تجوز الحوالة على الميت أم لا؟ سواء علم المحيل بوفاة المحال عليه أم لم يعلم!

من المذاهب الإسلامية قال الشافعيون وحدهم بجواز الحوالة على الميت، من الطبيعي أنها سترجع إلى تركته، ولكن هل هي صحيحة أساساً أم لا؟

الجواب على ذلك: أن الميت من الناحيتين العقلية والعرفية ينفصل عن هذا العالم وبالتالي لا يملك أي حق من الحقوق المعروفة لدى العقلاء، وأما من الناحية الشرعية يملك الميت شيئاً، ويميل بعض فقهاؤنا بعدم البأس بالقول بملك الميت ومن ثم أن ما يملكه يعود إلى التركة، مثلاً الدية يملكها الميت وتعود إلى التركة، أو ما لو نذر أحدهم نذراً لميت فإنه يصلح أن يكون له ومن خلاله يعود إلى تركته، وكذلك بالنسبة إلى بقية الحقوق لأنه له نوعٌ من الشخصية بالتالي.

لكن نحن لم نعهد في روايات أهل البيت عليهم السلام وحتى في القضايا الحقوقية في الشرع أن هناك شيء يخص الميت في هذا العالم، نعم يملك أموراً في ذلك العالم كالشفاعة وشبهها، أما هذا العالم فقد انقطع عمله وأمه فيه إلا عن الأمور الثلاث المستثناة، فالبحث في أنه يملك أو لا يملك يبدو مستبعداً، بالرغم من محاولة البعض لإثباته أو طرح المسألة للمناقشة.

فإذا استبعد ذلك كانت الحوالة على الميت كالحوالة على الجماد، وبالتالي لا تصح منذ البدء، نعم؛ الحوالة تجوز على تركة الميت، أو على الميت بإعتبار تركته وليس بإعتباره هو، وبالتالي للدين الأولوية في الأداء من التركة، فإذا كان الميت مديوناً وأحال الدائن شخصاً عليه بالحوالة أو بالنيابة أو بالإستيفاء أو شبهه كان هو الأولى بالأخذ لقوله سبحانه: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى‌ بِها أَوْ دَيْنٍ[1] فالدين مقدم على الوصية والورثة.

وفي حال صحة الحوالة على تركة الميت هل يجوز للمحال أن يرفض الحوالة لصعوبة استيفاء الدين من الورثة؟

نقول: من الناحية الأولية للإنسان السلطة في أمر الوفاء والإستيفاء، فالمديون ينبغي أن يؤدي دينه بما يراه هو، وكذلك الدائن يستوفي دينه بما يراه هو في الحدود العرفية، فلذلك يجوز للمحال أن يرفض الحوالة.

هذا من الناحية الأولية ولكن بعض الأحيان يكون الإستيفاء على هذا النحو إستيفاءاً عرفياً، كما لو أحال المحيل بصك على حساب الميت[2] ، فإن كان هذا عرفاً أمراً متداولاً، بحيث لا يرى العرف للمحال الحق في رفض الحوالة لم يكن له أن يرفض، وإلا كان له ذلك.

لأن عقد الحوالة يشترط فيه مضافاً إلى إيجاب المحيل رضا المحال ورضا المحال عليه.

 

حوالة الصداق

حوالة الصداق، هي فيما لو أحال الزوج زوجته بالمهر على شخصٍ آخر، وهذه الحوالة جائزة وصحيحة لأن المهر دينٌ وبالإمكان أن يحيله المديون (الزوج) إلى من يشاء.

وفيما لو فسخ الزوج الزواج بعد الحوالة لظهور عيبٍ من العيوب المجيزة للفسخ، فهل الحوالة صحيحة وذلك بأن تأخذ الزوجة المال من المحال عليه ومن ثم ترده على الزوج، وذلك بإعتبار تحقق الحوالة مكتملة الأركان قبل الإنفساخ، أم تبطل الحوالة؟

نحن نقول ما قلناه سابقاً في مثل المسألة - في الحوالة على المشتري - وما قاله صاحب العروة قدس سره: أن هذه الحوالة فيها شرطٌ ضمني – كما يبدو- وهو أن الحوالة مشروطة ببقاء العقد صحيحاً ومع بطلانه فلا يمكن أن نقول بصحة الحوالة، رغم أنها كانت صحيحة في بدايتها، وذلك لإعتمادها في إنعقادها على العقد الأخر وهو النكاح وبقاءه شرطٌ لبقاءها.

 

الحوالة المتعددة

لو أحال المحيل دائنه على محال عليه، ثم أحاله على غيره، فهل يعني ذلك بطلان الحوالة الأولى أم لا؟

هنا صور:

فقد يحيله على شخص ثم يقوم المحيل بإحالة المحال على محال عليه آخر قبل قبول المحال عليه الأول، وقد قال أكثر فقهائنا في هذا المجال أن الحوالة الجديدة تبطل الحوالة السابقة، فالمحال لا يأخذ ماله مرتين، فالثاني كان بدلاً عن الأول وإضراباً عنه، فتبطل الأولى وتصح الثاني لعدم إكتمال أركان الحوالة الأولى بعدم رضا المحال عليه.

ولكن إن كانت الحوالة الثانية بعد قبول المحال عليه فقد لزمت الحوالة على الجميع، المحيل والمحال والمحال عليه، وبإكتمال أركان الحوالة انتقلت ذمة المحيل إلى المحال عليه، فليست للمحيل الصلاحية في أن يبطل العقد بإجراء عقد آخر.

نعم؛ قد يكون للمحيل ذلك إن كانت الحوالة على البريء، أما بالحوالة على المديون فقد نقل المحيل ذمة المحال عليه منه إلى المحال.

على أننا قلنا من باب سلطة الإنسان على نفسه وعلى تصرفاته، فالإنسان مسلط على ذمته أيضاً فليس لغيره أن يبرئها بلا إذنٍ منه، ومن هنا نستشكل على إطلاق القول بجواز تعدد الحوالات وكون الحوالة الثانية مبطلة للأولى وحالّة محلها، والله العالم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.


[2] بالرغم من أن حساب الميت تغلق بالموت لكن المسألة على فرض إمكان الأخذ من الحساب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo