< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة 15 و 16: تداخل البيع والحوالة/ كتاب الحوالة

 

"إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثمَّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة‌ لوقوعها في حال اشتغال ذمة المشتري بالثمن فيكون كما لو تصرف أحد المتابعين في ما انتقل إليه ثمَّ حصل الفسخ فإن التصرف لا يبطل بفسخ البيع و لا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده فهي تبقى بحالها و يُرجع البائع على المشتري بالثمن"[1] .

 

المسألة التي شرحناها يوم امس يبدو انها لا تزال غامضة في بعض جوانبها، خصوصاً والاختلاف فيها كبير، والمسألة تتلخص في تركيب الحوالة مع معاملة أخرى، الحوالة مع البيع أو الرهن أو الحوالة مع أي عقد آخر، فهنا مسائل تحدث عنها طويلاً الفقه القانوني الحديث لوجود تشعبات لها، وسبقهم فقهاؤنا كالشيخ الطوسي الذي فصّل الحديث في كتابه المبسوط، ويبدو أن مراجعات الناس كانت في تلك الظروف إلى العلماء ولذلك كان العلماء يبينون مختلف الفروع ليرجع إليها الناس.

والمسألة بإختصار هي ما لو تركب البيع مع الحوالة، فقد يكون المحيل هو البائع وقد يكون المشتري، فإن كان المحيل هو المشتري بمعنى يحيل البائع بالثمن على محال عليه، فلا إشكال في صحة الحوالة، أما إذا بان بطلان البيع من حين العقد فقالوا بعدم صحة الحوالة في هذه الحالة، لأن أساس الحوالة هو استيفاء الدين والذي يعني وجود محيلٍ اشتغلت ذمته للمحال فيحيله على المحال عليه، وبذلك يجب أن يكون المحيل مديوناً ولما بان بطلان البيع بان عدم اشتغال ذمة المحيل (المشتري) وبذلك تكون الحوالة باطلة بإعتبارها استيفاء لا اعتياض (أي ليست مجرد طلب شخص من آخر بأن يعطي مالاً لثالث).

بناءاً على ذلك نقول، لابد أن نلتزم ببطلان الحوالة على البريء أيضاً، كما لو أن شخصاً أحال ديناً على آخر ظاناً أنه مديونٌ له وتبين أن المحال عليه بريء، فهل الحوالة باطلة كلياً أم لا؟ إن قلنا أن الحوالة إستيفاء بطلت الحوالة، أما إذا قلنا أنها أعم من الإستيفاء فنصحح الحوالة على البريء.

في رأينا أن الحوالة هي استيفاء عادةً، ولكن لا تكون كذلك دائماً، فهناك نوعٌ من الحوالة لا تكون على نحو الاستيفاء، ولابد أن نشخص نوع الحوالة، فإذا كان اسيتفاءاً فالحوالة باطلة من المحيل البريء أو إلى المحال عليه البريء، وأما إذا كانت الحوالة من نوعٍ آخر جاز، كما بينا أنها على أنواع وربما يرجع الاختلاف بين الفقهاء في نفي بعضهم لقسم ويثبت الآخر قسماً آخر، والقانون الحديث يرى صحة الحوالة من البريء، لكن ليس كل حوالة هكذا.

وقد تكون الحوالة لا على نحو الاستيفاء، بل مبنية على أساس البيع، بأن جعل الطرفان الحوالة تبعاً للبيع، فإذا تبين بطلان البيع كان التابع باطلاً بالملازمة، وهذا يسري في أية معاملة بنيت على معاملة أخرى، ومثاله ما لو اشترى بضاعةً واشترط في الثمن أن يكون دراهم مكسرة ولكن المشتري أعطى دراهم صحيحة، ثم بان بطلان البيع، فهل يرجع البائع بالدراهم المكسورة (كما في مضمون العقد) أم لابد أن يرجع الدراهم التي أعطاها المشتري له؟ قالوا يجب أن يرجع الدراهم الصحيحة لأن الشرط مبنيٌ على العقد وقد انتفى ببطلانه.

فإذا كانت الحوالة قائمة على أساس الحوالة، أي أن المشتري إنما أحال بإعتبار كونه قد اشترى، وكذلك البائع أحال بناءاً على البيع، فإذا تبين البطلان بطلت الحوالة.

 

فسخ البيع بعد صحته

ولو أحال البائع شخصاً على المشتري ليأخذ دينه منه، وكان البيع صحيحاً في بدءه، ولكن كان العقد متزلزلاً لوجود خيارٍ فيه، فإذا بطل البيع بأخذ أحدهما بالخيار فهل تبقى الحوالة على الصحة أم تبطل هي الأخرى؟

قالوا: الحوالة صحيحة لأنها لم تعتمد على البيع بل كانت مستقلة، وبإعتبارها من العقود اللازمة لابد من دليل لإبطالها بعد اللزوم، إذ لا يبطل الفقهاء العقود المترتبة على البيع المتزلزل كالبيوع اللاحقة، ومنها الحوالة، وليس ذلك على نحو الوفاء كما في الدراهم، لأن الوفاء تابعٌ لاصل المعاملة وببطلان المتبوع يبطل التابع، بينما هنا فهي عقد صحيح ولازم.

نقول: إذا كانت الحوالة مشروطة بصحة البيع – إما بشرطٍ مذكورٍ أو ضمني – تبطل هي الأخرى في هذه الحالة، أو يكون لهم حق الفسخ فيها.

هذا في حوالة المشتري، أما في عكس الصورة بأن يكون المحيل هو البائع كما لو أحال ثالثاً على المشتري في ثمن المبيع، فقد أبطلها السيد اليزدي قدس سره حال انفساخ البيع – بإقالةٍ أو خيار -، لا من جهة كونها حوالة على البريء (وهو المشتري لأنه يرى صحة الحوالة على البريء) بل من جهة كون الحوالة على الذمة أي بإعتبار اشتغال ذمة المشتري للبائع في البيع وأحال البائع على تلك الذمة، وبإعتبار فراغها تبطل الحوالة.

واستشكل الفقهاء على السيد قدس سره بأن الحوالات جميعاً هي إحالة على الذمة ولا يخص الأمر هذه الصورة، ولكن قد يكون مراد السيد قدس سره – وهو ما نستشفّه من كلامه – أن البائع إنما أحال بشرط تمامة البيع فقصده من (على الذمة) أي أحال عليه بصفته مشترياً، وكأن الحوالة قائمة على أساس البيع.

وهذا الرأي صحيحٌ وسديد فيما إذا قامت الحوالة على أساس البيع، أما إذا كان بينهما تجارة مستمرة ولم تكن الحوالة على أساس البيع الذي جرى بينهما، فيمكن أن تكون الحوالة صحيحة، لأنها الحوالة ليست من قبل البريء، بل هي حوالة على البريء وهذا لا إشكال فيه، ويشبه ذلك ما ذكرناه في بداية البحث في الحوالة على البريء ظناً بكون ذمته مشغولة وقد أدى مع ظهور برائته، وهذا ممكن وصحيح، إلا إذا كان بقيد إشتغال الذمة، أي الحوالة بشرط إشتغال ذمة المحال عليه فلا تصح مع ظهور برائة المحال عليه.

 

محصل الكلام:

وبهذا التأسيس الذي مرّ نعرف أنه لا فرق بين وقوع البيع باطلاً أو حدوثه صحيحاً وبطلانه بخيار او إقالة.

أما في مسألة حوالة المشتري للبائع، فيختلف القول بحسب اختلاف القول في الاستيفاء، ولكنّا نرى أنه ليس حسب رأينا بل حسب رأي المتعاملين، لأن القرآن الكريم يقول: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم‌[2] ، ورأي المتعاملين ورأي العرف في هذه المسألة هو الأساس.

قال السيد اليزدي قدس سره: "مسألة إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين (حوالة البائع أم حوالة المشتري) ثمَّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة‌ لوقوعها في حال اشتغال ذمة المشتري بالثمن فيكون كما لو تصرف أحد المتابعين (فلا يبطل لأنه لم يكن على أساس الصفقة الأولى) في ما انتقل إليه ثمَّ حصل الفسخ فإن التصرف لا يبطل بفسخ البيع و لا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده فهي تبقى بحالها و يُرجع البائع على المشتري بالثمن"[3] .

فرّق بعضٌ بين ما لو كان الفسخ قبل القبض أو بعده، ونحن لا نفرق بينهما لأن القبض الغير شرعي لا قيمة له ولا حجية له كما يد الغاصب أو المخطئ.

وقد فصّل الشيخ بين ما لو كان المحيل هو المشتري تبطل الحوالة لكونها معتمدة على البائع، وتصح إن كانت الحوالة من البائع، والسيد يرى عدم الفرق بين الصورتين ما دامت الحوالة قد نشأت صحيحة في بيعٍ صحيح، إلا إذا كانت معتمدة على الصفقة الأولى، قال السيد قدس سره: "و ما عن الشيخ و بعض آخر من الفرق بين الصورتين و الحكم بالبطلان في الصورة الثانية و هي ما إذا أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي لأنها تتبع البيع في هذه الصورة حيث إنها بين المتابعين بخلاف الصورة الأولى ضعيف و التبعية في الفسخ و عدمه ممنوعة نعم هي تبع للبيع حيث إنها واقعة على الثمن و بهذا المعنى لا فرق بين الصورتين و ربما يقال ببطلانها إن قلنا إنها استيفاء و تبقى إن قلنا إنها اعتياض و الأقوى البقاء و إن قلنا إنها استيفاء لأنها معاملة مستقلة لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع و ليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة (ثم يضرب السيد مثال الدراهم المكسورة والصحيحة بقوله:) كما إذا اشترى شيئا بدراهم مكسرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئا آخر وفاء حيث إنه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشي‌ء الآخر لا الدراهم المكسرة فإن الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة بل يتبع البيع في الانفساخ بخلاف ما نحن فيه حيث إن الحوالة عقد لازم و إن كان نوعا من الاستيفاء‌"[4] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo