< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شرط تساوي المالين/شروط الحوالة/كتاب الحوالة

 

"السادس تساوي المالين‌ أي المحال به و المحال عليه جنساً و نوعا و وصفا على ما ذكره جماعة خلافا لآخرين و هذا العنوان و إن كان عاما إلا أن مرادهم بقرينة التعليل بقولهم تفصّيا من التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه فيما كانت الحوالة على مشغول الذمة بغير ما هو مشغول الذمة به كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير بأن يدفع بدل الدنانير دراهم"[1] .

 

من شروط الحوالة شرط المماثلة بين الدينين، والذي يعني التطابق التام بين ما اشتغلت به ذمة المحيل تجاه المحال وبين ما اشتغلت به ذمة المحال عليه تجاه المحيل، وبعبارة أخرى لابد أن يحيل المحيل على المحال عليه بنفس ما بذمته، كما لو كانت دنانير أو دراهم، أما إذا قال المحيل للمحال أذهب وخذ الدراهم – وذمة المحال عليه مشتغلة بالدينار- لم تصح الحوالة عند الكثير من الفقهاء، وكذا لو كانت ذمة المحال عليه مشغولة بدنانير وأحال عليه بشاة أو سيارة. وفي المقابل قال آخرون بعدم البطلان وصححوا المعاملة شريطة قبول المحال عليه.

واستدل القائل بالبطلان بعدم عهدهم لهذه المعاملة، وبنوا لذلك قياساً من الشكل الأول إذ الحوالة تعني حوالة مال بمال أما أن يحال بشيءٍ سوى ما اشتغلت به الذمة فلم نعهده، وكلما لم نعهد به من العقود وقع باطلاً، فهذه الحوالة باطلة، مضافاً إلى الاستدلال بكونها خلاف القاعدة.

أما السيد صاحب العروة قدس سره، فذهب إلى الصحة مع الرضا مستدلاً بأمرين:

الأول: القول بصحة كل عقدٍ عرفي لم ينه عنه الشارع المقدس.

الثاني: لم يثبت عدم عهد حوالة كهذه، بل الثابت عكسه ففي كثير من الأحيان نجد أمثال هذه الحوالات مع رضا المحال عليه.

ونحن نضيف لما اعتمده السيد اليزدي بأنا نشترط وجود رضا من المحال أيضاً، كأن يطلب المحال من المحيل سيارةً ويحيله المحيل على أخذ مالٍ من المحال عليه، وهذا متفقٌ عليه بين الفقهاء.

ويفرّع السيد اليزدي قدس سره على هذا البحث مسألة مفادها ما لو أحال زيدٌ عمراً على علي بغير ما اشتلغت به ذمته تجاهه، واعتبرها على نحو الإحالة على البريء، فيكون الإحالة على غير الدين السابق بل على دينٍ جديد يكون بذلك المحال عليه دائناً من جهة ومديوناً – بالدين السابق من جهة أخرى – فهل يصح ذلك؟

لا إشكال في تصحيح العقد ما دام المحال عليه راضياً به، وكثيراً ما تحدث هكذا حوالات بين التجار لتمشية معاملاتهم القائمة وكما قال الله سبحانه: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُديرُونَها بَيْنَكُم‌﴾[2] حيث يجعل الدين السابق على جانب ويطلب منه وفاءاً لدينه، فيكون ديناً جديداً.

عدم تصحيح الفقهاء لهذه الحوالة هو للتخلص من تسليط غير الدائن عليه بغير ما اشتغلت به ذمته، وذلك لأن المحيل (زيد) قد اشتغلت ذمته لعمرو (المحال) بدنانير، واشتغلت ذمة بكر (المحال عليه) لزيد بدراهم، ولا سلطة لعمرو على بكر، والناس مسلطون على أموالهم فكيف نسلط المحال على المحال عليه بغير ما اشتغلت به ذمته؟

وهذا بخلاف ما لو كان المحال عليه بريئاً ولذا قال قدس سره: "فلا يشمل ما إذا حال من له عليه الدراهم على البري‌ء بأن يدفع الدنانير أو على مشغول الذمة بالدنانير بأن يدفع الدراهم (ومع عدم اشتغال الذمة لا فرق بين الدينار والدرهم) و لعله لأنه وفاء بغير الجنس برضا الدائن فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس (كما لو كان المحال يطلب المحيل شاةً وأراد أن يحيله على المحال عليه بعشرة دراهم، ولا سلطة للمحيل على المحال عليه بمثل ذلك، فلا يصح) و الوجه في عدم الصحة ما أشير إليه من أنه لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه و أيضا الحكم على خلاف القاعدة (حكم انتقال الذمة من المحيل إلى المحيل عليه) و لا إطلاق في خصوص الباب و لا سيرة كاشفة و العمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة (مثل ﴿وفوا بالعقود﴾ فمنصرفة إلى العقود الشائعة، أما يكون هناك عقدٌ شاذ فليس مشمولاً بالعمومات والإطلاقات)"[3] .

أما السيد اليزدي قدس سره فيختار العكس، ويبين وجه الصحة بقوله: "و وجه الصحة أن غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به (والوفاء بغير الجنس مع رضا المدين جائز عند الفقهاء) و هذا هو الأقوى"[4] وبعبارة أخرى إذا استوفى أحدٌ دينه بغير جنسه بعد التراضي هل في الأمر شيء؟ فكما أنه لو تم الاستيفاء بصورة مباشرة بين المحيل والمحال عليه فأيضاً بصورة غير مباشرة (عبر المحال) فيمكن أن يستوفى الدين بغير ما هو في الذمة، ومن هنا يقوي السيد قدس سره الصحة وهو دقيقٌ.

ومن ثم يذكر السيد مسألة الإحالة على غير الدين المشتغل بذمة المحال عليه، حيث يقول: "أن الإشكال إنما هو فيما إذا قال أعط مما لي عليك من الدنانير دراهم بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه و أما إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلا ينبغي الإشكال فيه إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البري‌ء بأن يدفع الدنانير و حينئذ فتفرغ ذمة المحيل من الدراهم و تشتغل ذمة المحال عليه بها و تبقى ذمة المحال عليه مشغولة بالدنانير و تشتغل ذمة المحيل له بالدراهم فيتحاسبان بعد ذلك‌".

وإلى هنا ينتهي الحديث عن الشروط التي إعتبرها المشهور لصحة الضمان ولم يرتضِ السيد اليزدي قدس سره بعضها وفصّل في بعضها الآخر، وتبقى هناك مسائل للحوالة نذكرها إن شاء الله تعالى.

 

أحكام الحوالة

صحة حوالة الأعيان والمنافع والأعمال

 

قد يكون المال المحال عيناً في الذمة كما مرّ الحديث عن ذلك، وقد يكون عملاً خارجياً، كما لو توفي والد المكلف فعلى إبنه أن يقضي صلاته وصيامه، وبإمكانه أن يحيل القضاء على غيره، وكذا لو كانت ذمته مشتغلة بصلاة أو صوم أو حجٍ بالإنابة فيحيلها على غيره للإنابة.

وكذا لو كان ملزماً ببناء دار وأحال أمره إلى غيره، فهو من حوالة العمل أيضاً، ولا يخفى أن رضا المحال في هذه الحوالات ركنٌ من أركان العقد.

بلى؛ لا تصح الحوالة في حالة واحدة وهي ما لو كان المحيل ملزماً بالعمل بذاته، وذلك بإشتراط المباشرة في العمل.

وهل يشمل جواز الحوالة في المنافع أيضاً؟

للسيد اليزدي قدس سره تفصيل بين العمل وبين منفعة العمل، والفرق بينهما أن العمل يكون على القيام بالفعل، بينما منفعة العمل هي إحالة على النتيجة، فحين يقول المحيل (ابن هذا الحائط) فهو حوالة الى العمل، ولكن إذا قال (بناء الحائط عليك) فهو يقصد النتيجة، والفرق تماماً كالفرق بين عامل البناء وبين المتعهد، فالأول يعمل بأجره حسب طول اليوم وقصره وحسب طاقته، بينما المتعهد ملزمٌ بإنهاء البناء.

فالحوالة إذاً قد تكون على أمرٍ ملموس كالأعيان، وقد تكون حوالة بالعمل كأن يتعهد زيد ببناء الدار ثم يحيل صاحب الدار على غيره، فإن رضي المحال صحت الحوالة.

وهناك بحث عن جواز بيع الحوالة، كما لو باع المتعهد (المقاول) تعهده بإحالته على غيره، والأيادي تتداول هذه الحوالات وكلٌ يستفيد في البين، فهل تصح هذه المعاملات، وهل يشترط رضا المحال أم لا؟

هذه البحوث سنتحدث عنها لاحقاً إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo