< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة 38/ضمان العين المضمونة/كتاب الضمان

 

"اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة‌ كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد و نحوهما على قولين ذهب إلى كل منهما جماعة و الأقوى الجواز"[1]

 

تقدمة

في كل بابٍ من أبواب الفقه هناك مباني يتعرض لها الفقهاء بالذكر، ويكون ذلك إما في بداية الحديث عن مسائل الباب وإما في تضاعيف مسائله، ولو ترسخت تلكم المباني لدى الفقيه وكان له رأي واضحٌ فيها لسهل عليه الحكم في المسائل الفرعية للباب، والتي ترد عادةً في نهايات كل باب.

الضمان عقدٌ عرفي

ومن المباني الأساسية في هذا الباب هو أن الضمان عقدٌ عرفي وله شاكلته الخاصة به، ولكن إذا تجاوز المتعاقدان في عقد من عقود الضمان تلك الشاكلة والصورة وجاء بصورة أخرى، فهل يطلق على العقد إسم الضمان ويكون صحيحاً ومعترفاً به أم لا؟ فبناءاً على أن العقود العرفية التي لم ينهى عنها الشرع المقدس ماضية وملزمة لقوله سبحانه: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[2] هل يجب الإلتزام بعقدٍ لم يسمى بإسم البيع أو الإجارة ولم نقدر أن نسميه بالضمان، ولكنه عقد عرفي لم يرد فيه نهي لا بخصوصه ولا بعمومه، فهل يجب الإلتزام به أم لا؟

فمن قال بوجوب الإلتزام يذهب إلى عدم إعتبار التسمية ما دام العقد عرفي ولم ينهى عنه الشرع.

فعلى سبيل المثال ما ذكرناه سابقا من ضمان ما لم يجب فهل يمكن أن يتم الضمان قبل لزوم الحق، أم لابد من ثبوت الحق بالذمة ليتحقق الضمان؟

فمن قال بأن الضمان لابد أن يكون في الحق الثابت نفى جواز الضمان في جملة من الفروع، ومن هنا نجد الخلاف في بعض المسائل الفرعية التي مرّ ذكرها فيما يرتبط بهذا النوع من الضمان كضمان الجعالة، ومنها ما أورده صاحب العروة قدس سره في الحديث عن ضمان العين المضمونة.

ضمان العين المضمونة

هل يجوز ضمان المغصوب أو ضمان المأخوذ بالعقد الفاسد، أي أن يضمن أحدهم للآخر العين أو قيمتها أو مثلها أم لا؟

قال بعض الفقهاء بعدم الجواز لما يلي:

أولاً: الضمان – بحسب رأينا (الإمامية) – هو تفريغ ذمة بإشغال أخرى مكانها، بينما لا نجد في المقام إفراغاً للذمة، فمن غصب شيئاً عليه دركه، ولو فرض قيام آخر بضمان الغاصب فهل تفرغ ذمته؟

ومن المعلوم أن ذمته لا تبرء، إذ يجوز للمالك أن يطالبه بها، فهذا ضمانٌ لم تنتقل الذمة فيه من المضمون له إلى الضامن.

ثانياً: عدم ثبوت الحق، فالغاصب يجب أن يدفع العين لصاحبها، فذمته لا تشتغل إلا بتلف العين، وقبل التلف عليه أن يردها هي، فليس هذا من الضمان المعروف عندنا، فهو ضمان ما لم يجب.

أما صاحب العروة قدس سره، فيقول بجواز هذا الضمان لكونه عقدٌ عرفي صح عند الناس القيام به دون وجود رادعٍ من قبل الشرع عليه، وكل عقد كهذا صحيحٌ ويجب الإلتزام به.

 

دفع الإشكالات

أما ما ذكره الفقهاء فيجاب عليه:

أولاً: ما قيل عن أنه تفريغٌ لذمة وإشغال أخرى غير تام، إذ قلنا في محله أن ذلك ليس من أحكام الضمان بل هو من أفراده، فعادةً كان الضمان كذلك، ففيما نحن فيه هو ضمانٌ وليكن فيه ضم ذمةٍ إلى أخرى، كما لو فرض أن ضمن شخصان مضمون عنه واحد فهنا تشتغل ذمتين وهذا يسمى ضماناً أيضاً. وسيأتي الحديث عن هذا لاحقاً.

ثانياً: أما ما قيل بأنه ضمان ما لم يجب، فيجيب صاحب العروة في أكثر من مناسبة: أن مجرد وجود نوع من العلقة والسبب يكفي لتعلق الضمان، ولم يدل دليل على عدم جواز ضمان ما لم يجب، كما لا إجماع على هذا الأمر بل استدل على جواز هذا الضمان بالعمومات والآية المباركة في سورة يوسف كما مر.

الإستدلال بالنبوي الشريف والمناقشة فيه

واستدل السيد اليزدي قدس سره، بالعمومات، كما استدل بكلمة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله حيث قال: "الزَّعِيمُ‌ غَارِمٌ‌"[3] ، واشكل على الرواية بانها مروية في كتب العامة، وأجيب عنه بأنها مذكورة في المستدرك نقلاً عن غوالي (عوالي) اللئالي، والحق أن الحاج النوري ينقل في مستدركه روايات من مصادر مختلفة ولا يمكن الاعتماد عليها.

وقال بعضٌ بأن عدة من الفقهاء ذكروا الرواية في كتبهم وعملوا بها، إلا أن مجرد ذلك لا يكون جابراً لضعف السند كما لا يخفى، لأن الإنجبار يكون بعمل المشهور من الفقهاء بالرواية، أما ذكر البعض لها على نحو المؤيد لا يكفي.

ولنا كلام في هذا الموضوع وهو أن كلمة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تتوافق مع العقل والوجدان كما تتوافق مع حقيقة الضمان، فأصل الضمان هو أن الضامن يغرم، نعم قرار الضمان يكون على من أتلف المال، لكن الضمان متحقق بالأيادي الموجودة، فكأن إيراد الفقهاء لهذه الرواية بإعتبارها تحصيل حاصل.

كما أن بعض الروايات ولكثرة ورودها في كتب العامة والخاصة لا تحتاج إلى توثيق وإسناد، لشهرتها، وكثيرةٌ هي الروايات التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله هي من الروايات المشهورة، ولذلك اكتفى الفقهاء بها عن السند.

ومن هنا فإن إستدلال صاحب العروة بهذه الرواية إستدلالٌ متين، نعم؛ هناك رواية أخرى[4] مفادها ان الغرامة تكون على من أتلف المال، والجمع بينهما يكون بأن هذه ناظرة إلى قرار الضمان، فهناك فرق بين الضمان وقراره، لأن الأيادي المختلفة في الغصب ضامنة ولكن قراره يكون على من تلف المال بيده.

قال في المسألة الثامنة بعد الثلاثين: "اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة‌ كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد و نحوهما"[5] وذلك لكون اليد غير أمينة فكل يد لم يثبت برائتها ضامنة، فعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي، والإختلاف في المسألة كما يقول صاحب العروة: "على قولين ذهب إلى كل منهما جماعة والأقوى الجواز" ولا فرق في معنى الضمان المقصود هنا، بل الأقوى جوازها جميعاً، ويشعب صاحب العروة الحديث فيقول: "..سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردها عينا و مثلها أو قيمتها على فرض التلف أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت".

والفرق بينهما في أن الأول يضمن العين ذاتها ومع عدمها يضمن مثلها أوقيمتها، كما لو اشترى أحد بيتاً فبان البيت غصبياً فضمن له البائع ــ وهو الغاصب ــ العين، ومرة يضمن قيمة العين أو مثلها حيث أن الأموال إما قيمية أو مثلية إذا تلفت.

ولا يرى صاحب العروة فرقاً بين الصورتين، أي بين أن يقول أضمن لك العين أو مثلها أو قيمتها، أو يقول الضامن أضمن قيمة العين أو مثلها دون العين نفسها.

والعجيب ما نراه من بعض المحشّين حيث ذهبوا الى عدم إمكانية ضمان العين بإعتبارها أمر خارجي والذمة مرتبطة بذات الإنسان، فإن ما ذكروه يخالف المتسالم من أن علاقة الإنسان بالأشياء ليست بذات الإشياء وإنما هي علاقة إعتبارية، وهذه العلاقة كانت مسبقاً بين الغاصب والعين المغصوبة والآن انتقلت إلى الضامن، فما الضير في ذلك؟

وبالجملة فالمسألة واضحة في إمكان ضمان الضامن للعين أو مثلها أو قيمتها.

ويستدل صاحب العروة بالنبوي المذكور وبالعمومات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود باعتبار أنها تشمل المقام مادام الشارع لم ينه عنه، فليس في العقد شرطٌ باطل شرعاً ليخرجه من وجوب الوفاء.

وأورد السيد اليزدي هذه الدعاواى والإجابات عليها بقوله: "و دعوى أنه على التقدير الأول يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردها مع أن الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى و أيضا لا إشكال في أن الغاصب أيضا مكلف بالرد فيكون من ضم ذمة إلى أخرى و ليس من مذهبنا و على الثاني يكون من ضمان ما لم يجب كما أنه على الأول أيضا كذلك بالنسبة إلى رد المثل أو القيمة عند التلف مدفوعة بأنه لا مانع منه بعد شمول العمومات غاية الأمر أنه ليس من الضمان المصطلح و كونه من ضمان ما لم يجب لا يضر‌ بعد ثبوت المقتضي و لا دليل على عدم صحة ضمان ما لم يجب من نص أو إجماع و إن اشتهر في الألسن بل في جملة من الموارد حكموا بصحته و في جملة منها اختلفوا فيه فلا إجماع.."[6]

ومن هنا فمن ضمن لغاصب حق المغصوب منه صح ضمانه، سواء ضمن العين أو ضمن القيمة أو المثل، وهذه الإشكالات التي وردت لا ترقى لمنع الجواز.

ويبدو أن تفصيل صاحب العروة الحديث في بعض المسائل ومنها هذه المسألة، بسب كونها من إبتكاراته أو مما أنفرد به قدس سره في الفقه والله العالم.

 


[2] سورة المائدة: الآية 1.
[4] حسن بن خالد قال:"قلت لأبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك قول الناس الضامن غارم. فقال عليه السّلام: يس على الضامن غرم الغرم على .آكل المال" (الوسائل: باب1 من أبواب الضمان)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo