< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

38/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة28/اشتراط علم الضامن بمقدار الدين/كتاب الضمان

 

هل يشترط علم الضامن بمقدار دين المضمون عنه للمضمون له أم لا؟

قولان بالإشتراط وعدمه لكن بيان أدلة القولين بحاجة إلى تمهيد في أن المعاملات والعقود ينبغي أن تكون بحيث لا تثير الخلاف ولا تسبب النزاع، فلابد أن تكون منضبطة عموماً بضوابط ومحددة بحدود، وإلا قد تسبب المعاملة الخلاف والنزاع الذي قد يعجز القضاة عن فكه في بعض الحالات.

وهذا ما نفهمه من أكثر من دليل، فأولاً: فلسفة المعاملات كانت لحل الخلاف فكيف تكون المعاملة ذاتها تكون منشأ له؟ وثانياً: آية الدين التي دلت على الكتابة درءاً للنزاع، وقد سبق وأن بينّا ما استفدناه من هذه الآية فلا نعيد. وثالثاً: الحديث النبوي المشهور بنهيه صلى الله عليه وآله عن الغرر، وبالرغم من أن الحديث المسند عندنا جاء بصيغة النهي عن بيع الغرر، إلا أن الحديث الناهي عن مطلق الضرر مشهورٌ عند الفقهاء واستند عليه في كثير من أبواب العقود مما يجعلنا نعتمد عليه، هذا كله مضافاً إلى دليل العقل في حكمة العقود.

والغرر في كل معاملة يكون بحسبها، فبعض المعاملات يغتفر فيها الغرر كلياً لأنها معاملة غررية من الأساس مثل الجعالة، دون أن يعلم العامل، أو قد يغتفر بعض الغرر كما في عقد الصلح الذي يقوم به الناس لتجاوز الخلاف الواقع بينهم.

وحتى في البيوعات نجد أن الغرر البسيط الحاصل في بيع الحنطة مغتفر من الطرفين بينما نفس المقدار لو كان في الذهب لا يعدّه العرف مغتفراً، وفيما نحن فيه هناك مساحة مغتفرة للغرر، إذا كان همّ الضامن أن يضمن المضمون عنه ولا يهمه مقدار الدين بمقدار ما يهمه ضمان المضمون عنه، كما لو كان غريباً أو يحاول الحفاظ على سمعته أو ما أشبه، ولكن هل الغرر مغتفرٌ كلياً في الضمان؟

يبدو أنه لا يكون كذلك، فلو ضمن الضامن المضمون عنه معتقداً أن دينه لا يتجاوز المائة دينار، فبان عشرة آلاف، ففي هذه الحالة لم يكن الضامن ليقوم بالضمان لو علم مقدار الدين، فلا يغتفر، لأن العقود تتبع القصود، ومادام العقد غير مقصود من قبل الضامن، فيكون العقد باطلاً.

وبهذا القول نكون قد جمعنا بين أقوال الفقهاء في المسألة، وذلك بالأخذ بنسبة الغرر في كل معاملة، فإن كانت بحيث تخل بقصد الضامن كانت داخلة في المعاملة المنهي عن غرريتها، والا فيصح الضمان.

وفيما يلي قول السيد صاحب العروة قدس سره في المسألة الثامنة والعشرين : "لا يشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه‌"[1] .

ووافق هذا القول أغلب المعلقين ولکن ذهب صاحب مفتاح الكرامة إلى البطلان[2] ونسب القول بالبطلان إلى الأصحاب مستنداً على قاعدة نفي الغرر التي هي في الحقيقة نهيٌ عن الغرر، وقد عرفت أن الغرر غير متحقق دائماً وقد يكون مقداره متسامح فيه.

وبنى على ذلك عدم إشتراط العلم بمقدار الدين، قال السيد قدس سره : "كما لا يشترط العلم بمقداره (أي مقدار الدين) فلو ادعى رجل على آخر دينا فقال على ما عليه صح"[3] .

و هذا مذهب المحقق الحلي[4] و غيره أيضاً، وعلّق صاحب الجواهر على ذلك بقوله : "على الأشبه بأصول المذهب من العمومات و غيرها، و الأشهر بل المشهور بل عن الغنية الإجماع عليه، بل عن كشف الرموز أنه روى الأصحاب جواز ذلك"[5] .

ثم يقول السيد قدس سره : "و حينئذ فإن ثبت بالبينة يجب عليه أداؤه سواء كانت سابقة أو لاحقة وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان أو باليمين المردودة."[6]

والأفضل أن نقول مجملاً إن ثبت بالقضاء العادل مقدار الدين كان على الضامن أن يؤديه، فتارة يعتمد القضاء على البينة وقد يكون الإثبات بإقرار المضمون عنه، وقد يكون بنكول المنكر عن اليمين والرجوع إلى المدعي، وقد يكون بالشياع وقد يكون بعلم القاضي أو.. فأي مثبتٍ من المثبتات أثبتت مقدار الدين كان على الضامن أن يلتزم به، فإن كان بإذنٍ من المضمون عنه وإتفاقٍ معه رجع إليه وإلا كان في ذلك متبرعا.

وفي المقام لا حاجة إلى كثير من البحث في بيان حكم إختلاف الضامن والمضمون عنه، أو المضمون عنه والمضمون له، بل يهمنا ما ثبت شرعاً من الدين، فعلى الضامن أن يؤديه.

الضمان إعتماداً على البينة

ومن المسائل المذكورة في ما إذا ضمن الضامن ما تشهد به البينة، فهل يصح الضمان أو لا؟

يقول صاحب العروة بصحته لأنه قد ذهب إلى صحة الضمان حتى من دون العلم بثبوت الدين في المسألة السابقة، ولذلك قال قدس سره: "لو قال الضامن على ما تشهد به البينة وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلم بهذا الكلام‌"[7] .

فحينما أطلق بهذا الكلام عليه أن يدفع ما شهدت به البينة، وهي كاشفة عن الواقع كما قال الإمام عليه السلام : "وَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ‌ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ"[8] ، قال السيد : "لأنها طريق إلى الواقع و‌ كاشف عن كون الدين ثابتا حينه"[9] .

ثم ردّ السيد قدس سره على المحقق الحلي رضوان الله عليه بقوله: "فما في الشرائع من الحكم بعدم الصحة لا وجه له و لا للتعليل الذي ذكره بقوله لأنه لا يعلم ثبوته في الذمة"[10] .

لماذا ذهب المحقق الى عدم الصحة؟

لأنه يرى أن البينة قد أثبتت الدين بعدئذ، ففي وقت الضمان لم يكن الدين ثابتاً وما لم يكن ثابتاً لم تكن ذمة المضمون عنه مشتغلة، فكيف تنتقل الذمة عنه إلى الضامن والحال أنها لم تشتغل بعدُ؟

وفي الحقيقة أن الأمر ليس كذلك، بل يضمن الضامن، لأن البينة إنما هي كاشفة عن الواقع، فلو كان زيدٌ مديوناً اليوم ولكن البينة قامت على الدين يوم غد، فإن الدين ثبت من اليوم، وبعبارة أخرى، ثبوت الدين عند الله اليوم وإثباته يوم غد حين البينة، والضمان يعتمد على الثبوت دون الإثبات والفرق بينهما واضح.

وذهب صاحب الجواهر في مقام تصحيح كلام المحقق[11] بقوله أن عدم الصحة يرجع لكونه ضمان ما لم يجب.

وقد بحثنا هذه المسألة في باب الضمان في بحوث سابقة، وقلنا بجواز ضمان ما لم يجب، ومع التنزل وإفتراض عدم جوازه، نقول أن ما نحن فيه ليس من ذلك، بل هو ضمان ما قد وجب ولكنه لمّا يُعرف، فهو ثابتٌ في مقام الثبوت، وإنما البينة لم تقم لتثبته في مقام الإثبات، ومن هنا قال السيد اليزدي قدس سره: "و أما ما في الجواهر من أن مراده بيان عدم صحة ضمان ما يثبت بالبينة من حيث كونه كذلك لأنه من ضمان ما لم يجب حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمته لتكون البينة طريقا بل جعل العنوان ما يثبت بها و الفرض وقوعه قبل ثبوته بها فهو كما ترى لا وجه له"[12] .

وبذلك يتبين أن تصحيح المحقق صاحب الجواهر بحاجة إلى تصحيح والله العالم، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo