< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

37/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط الضمان / كتاب الضمان

قال السيد اليزدي: "الثامن كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه‌ سواء كان مستقرا كالقرض و العوضين في البيع الذي لا خيار فيه أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري"[1] [2]

 

الشرط الثامن: ثبوت الدين

كما ذكرنا سابقاً أن هناك شروطاً للضمان ذكرها الفقهاء، وبعضها وقع محل خلاف بين الفقهاء، ومن أهمها هو الشرط الذي يعنونه صاحب العروة بالشروط الثامن بأن يكون الدين ثابتاً عند الضمان.

فحينما يضمن الضامن فلابد أن يكون ضمانه لدين ثابت في ذمة المضمون عنه، وثبات الدين معروف كأن يشتري زيدٌ بضاعةً من عمر نسيئة فيبقى ثمن البضاعة في ذمته فيأتي بكر ويضمن عن زيد الدين، وكذا الأمر يصدق في بدل الإجارة أو ضمان قيمة ما أتلفته اليد الضامنة، ففي كل هذه الأمثلة يكون الدين ثابتاً في ذمة المضمون عنه، فهو ضمانٌ للدين الثابت.

وهناك ضمانٌ للمتزلزل، بمعنى أن الذمة مشتغلة بالدين ولكن ليس الإشتغال ثابتاً، كالبيع المقرون بخيارات الفسخ، والضمان في هذا النوع جائزٌ أيضاً بالرغم من أن الدين لم يثبت تماماً، وذلك لأن الناس لا يأخذون – غالباً- بالخيار.

وأما ما قال المشهور من فقهائنا بعدم جواز الضمان فيه هو الدين الذي لّما يثبت بعد، والمعبر عنه بـ(ضمان ما لم يجب) أي ما لم يلزم، فالوجوب ليس الوجوب الشرعي وإنما الإلزام، ويضربوا.

وأصل الضمان – كما ذكرنا- هو نقل ذمة إلى ذمة، حيث تبرء ذمة المضمون عنه بإشتغال ذمة الضامن، وما لم تشتغل ذمة المضمون عنه بشيء كيف للضامن أن يضمنها؟ وبعبارة أخرى الذمة البريئة كيف يمكن أن تبرء أصلا؟

ومن هنا قالوا بعدم معقولية هذا الضمان وبالتالي عدم صحته.

وفي المقابل قال بعض الفقهاء أن هذا النوع من الضمان (أي ضمان ما لم يجب)، واقعٌ عند العرف فضلاً عن كونه معقولاً، فكيف يمكن منعه؟

ومثل ذلك قول الرجل لصاحبه بع هذا الكتاب لزيد وأنا ضامنٌ لك ثمنه إن لم يدفعه لك[3] ، أو أن يضمن التاجر ما يبدر عن أبنه من تصرفات خاطئة – وهي لم تقع - مع سائر التجار، ونظير ذلك فتح الإعتمادات البنكية في المصارف، أو عقود التأمين،كلها عقود ضمان من هذا النمط.

وبذلك نعرف وقوع هكذا ضمانات عند العرف، ولكن كيف يمكن إثبات صحتها والحال أن الضمان هو نقل الذمة إلى أخرى، وما دامت الذمة لم تشتغل فما الذي ينقله الضامن بضمانه؟

أجيب على ذلك عند المجوزين بأن تعلق الشيء بالذمة نوعان: منه ما يتحقق فعلاً ومنه ما هو يتعلق شأناً. فالتاجر مادام في حالة البيع والشراء والإستدانة والإعتماد في البنك يكون ذلك يعتبر متعلقاً بذمته شأناً، وبتعبير أوضح: في مثل هذه الأمور هناك نوع تعلقٍ عرفي اعتباري، فما هو متعلق بذمة المضمون عنه شأناً سينتقل إلى ذمة الضامن كذلك[4] ، فلو قال: بعه وأنا له ضامن إن لم يسدد الثمن، كان هذا هو الضمان الشأني.

وهذا هو مختار بعض الفقهاء كالسيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره حيث أطال الحديث عن ذلك في أكثر من موضع من كتابه المهذّب[5] .

ولابد من القول أن ثمة أمور لا نعرف كيفية تحققها ولا نعقل كيفيتها، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك مدعاةً إلى إنكارها، خصوصاً في حالة وقوعها في الواقع الخارجي، ومشكلة البعض تكمن في إنكار ما لم يحيطوا به علماً وكما قال الله سبحانه: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحيطُوا بِعِلْمِهِ[6] وكفى بالإنسان جهلاً أن ينكر أمراً لا يعرفه بتفاصيله وإن علمه مجملا.

وكيف كان؛ فالمشهور عند فقهائنا الكرام بطلان هذا النوع من الضمان لعدم تحقق شرط ثبوت الدين في الذمة فيه، إلا أن صاحب العروة رضوان الله عليه يذهب إلى صحته بعد بيان رأي المشهور، قال قدس سره: "الثامن كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه‌ سواء كان مستقرا كالقرض و العوضين في البيع الذي لا خيار فيه أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري كما إذا ضمن الثمن الكلي للبائع أو المبيع الكلي للمشتري أو المبيع الشخصي قبل القبض و كالمهر قبل الدخول و نحو ذلك فلو قال أقرض فلانا كذا و أنا ضامن أو بعه نسيئة و أنا ضامن لم يصح على المشهور بل عن التذكرة الإجماع"[7] .[8]

العلامة الحلي رضوان الله عليه ادعى الإجماع على بطلان ضمان ما لم يجب[9] إلا أن صاحب العروة خالفه في ذلك لمنافاة هذا الشرط مع جملة من الفروع والأحكام الملحقة بكتاب الضمان، إذ سنجد في بعض فروع الباب أن الضمان فيها هو من هذا النوع، ولذا قال: "ولكن ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية و يمكن أن يقال بالصحة إذا حصل المقتضي للثبوت و إن لم يثبت فعلا بل مطلقا لصدق الضمان و شمول العمومات العامة"[10] .[11]

وهو متين إذ أن الضمان يصدق إذا حصل هناك ثبوت شأني أو اقتضائي للدين في الذمة، فيمكن تصحيحه لصدق إسم الضمان عليه، وما دمنا مطالبين بالعودة إلى التفسير العرفي للكلمات نعود إليه ونرى أن العرف يسمي هذا النوع من الضمان ضماناً، فتشمله أدلة الضمان.

وإذ قيل بعدم صدق إسم الضمان على هذا النوع من الضمان ـ أعني ضمان ما لم يجب ـ فيمكن القول بأنه عقدٌ جديد فتشمله عمومات الوفاء بالعقود، فلا يهمنا الإسم ما دام العرف قد تعارف على هذا النوع من المعاملات وإن لم نسمها ضماناً.

وإن كان الصحيح إطلاق الضمان على هذا النوع من المعاملة أيضاً لصدق الإسم عرفاً.

 


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج2، ص762.
[3] في هكذا إنشاء يكون العقد معلق من جهة وضمان لما لم يجب من جهة أخرى، فتامل (المقرر).
[4] يصح مثل هذا العقد على القول بعدم اشتراط التنجيز في الضمان كما هو رأي الأستاذ كما مر (المقرر).
[7] العروة الوثقی، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج2، ص762.
[10] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج2، ص762.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo