< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدتقی المدرسي

بحث الفقه

37/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط الضمان / كتاب الضمان

قال السيد اليزدي رضوان الله عليه: "السابع التنجيز‌ فلو علق الضمان على شرط كأن يقول أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا أو إن لم يف أصلا بطل على المشهور"[1] .

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

في سياق الحديث عن شرائط عقد الضمان، هناك شروط بينها الفقهاء ولكن قبل الحديث عنها لابد من تأسيس أساس يرتبط بالعقود عموماً، والحدود الشرعية فيها.

أصالة عدم الشرط في العقود

وفي هذا الإطار نقول أن الله سبحانه خول الإنسان بالتصرف في حياته في حدود الإحكام الشرعية فما ثبت من الشروط والحدود فيها بالأدلة الشرعية يؤخذ بها وإلا فينفيه أصل البراءة.

وهذه هي قاعدة أصلية نعتمدها كلما شككنا في أمرٍ ما، ومن هذه القاعدة تنبثق قاعدة أخرى ذكرها الفقهاء حين قالوا: "العقود تابعةٌ للقصود" وبعض عبّر عنها بقوله: "العقد شريعة المتعاقدين" وربما نستفيد هذه القاعدة من قوله سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[2] .

ولكن بما أن المجتمع يبتغي مجموعة عقود جاهزة وواضحة لئلا يتخبط الناس بإثبات الشروط في كل عقد وبالتالي تصبح العقود مثار اختلاف بينهم، نضّمت كل العقود بشروط واضحة.

فمثلاً في عقد البيع، يرى العرف أن الثمن والمثمن معجلين لا بيع سلم ولا بيع دين، ويرى العرف أيضاً أن الكيل والوزن هو بكيل البلد ووزنه وكذا العملة ينبغي أن تكون بعملة البلد، وتعارفوا ـ أيضاً ـ على حدود المبيع وما يكون داخلاً فيه وما لا يكون، فالبيت ما هي حدوده وما هو خارج عنه عند إطلاق لفظ البيت، فللعرف تعاريف ومحددات واضحة.

إلا أن ذلك كله يصح عند الإطلاق، أما إذا أراد المتعاقدان أن يشترطا شرطاً آخر كان لهما ذلك، كأن يشترط المشتري أنه يشتري الدار من دون المباني الموجودة فيه، والتي لو اطلق لفظ البيت في العقد لشملها، أو يشترط أن يكون دفع الثمن بعد فترة و.. وهذه الشروط صحيحة، أما اذا لم يشترط شرطاً فهناك المعايير الواضحة التي أقرها العرف ويرجع إليها.

ولا نعني بالعرف خصوص عرف المتشرعة، بل العرف العادي، فلكل قومٍ عرفهم فيما يرتبط بعقودهم والتي يعتمدونها في تعاملاتهم.

ويبدو أن كثيراً من الشروط التي بينّها الفقهاء فيما يرتبط بالعقود المختلفة إنما هو من هذا النوع، كالحديث عن دخول المفتاح في الباب المباع أو الباب في البيت أو.. فهذه وأمثالها إنما هي لبيان المحددات العرفية، ومن ثم ذكروا أن الشروط التي لا تخالف أحكام الدين فهي نافذة للنبوي الشريف: (المؤمنون عند شروطهم"[3] .

ولعل بعض إختلاف الفقهاء في بيان طبيعة العقود مرتبط بذلك، فمَن قال بعدم الجواز يرى جانب الإطلاق ومن يرى الجواز ينظر إلى حالة الإشتراط الحادث بعد الحدود المتعارفة لكون العقد شريعة المتعاقدين.

وهذا الأمر منطبق في الضمان أيضاً فيمكن إطلاق الضمان فلا يشترط فيه سوى الشروط العرفية ويمكن إضافة شروط لم ينهى عنها الشرع.

بعد هذه التقدمة نعود لنتحدث عن الشروط في الضمان والتي كان أولها عدم الغرر.

 

الشرط الأول: عدم الغرر

فلا يجوز الضمان إذا كان غررياً وحال هذا كسائر العقود كالبيع والإجارة و.. نعم؛ يستثى الصلح فيجوز فيه لو كان غررياً لأنه مبني على التوسعة.

الشرط الثاني: عدم الضرر

كذلك لا يجوز أن يكون في العقد ضررياً، فإذا أدى العقد إلى الضرر ينتفى، كالغبن الفاحش مثلاً، لقاعدة لا ضرر المستفادة من قوله صلى الله عليه وآله: (لا ضرر ولا ضرار)[4] .

هذا بالإضافة إلى الشروط والمحددات الموضوعية التي بينها الشرع في متعلقات العقود كحرمة بيع المخدرات والأسلحة وبيع ما يضر الناس من الطعام الفاسد وشبهه ، وكذا بيع آلات اللهو والقمار و..

وهناك حدود أخرى نص عليها الشارع في بعض العقود وفي جوانب خاصة، مثل عقد النكاح والطلاق اللذين جعل لهما الشرع حدوداً وشروطاً خاصة بها.

 

الشرط الثالث: التنجيز

ذهب أكثر الفقهاء إلى اشتراط التنجيز في عقد الضمان، فلا يعقد الضمان المعلّق، وهذا شرطٌ مذكورٌ في أغلب العقود وفي أغلب الموارد يقع إشتراطه محلاً للنزاع، فما هو شرط التنجيز وما هي أنواع التعليق؟

أنواع التعليق:

للتعليق أقسام نذكر منها أربع:

الأول: أن يعلق العقد على شيء ثابت بالفعل، كأن يقول: ضمنتك لو كانت الشمس طالعة، وهو يجري العقد في النهار والشمس طالعة أساساً، أو يقول بعتك إن شاء الله، فهذا النوع لا يعد تعليقاً أصلاً.

الثاني: أن يعلق على شيء يتحقق مؤكداً مثل حلول الليل، وهذا هو الآخر كسابقه لا يعد تعليقاً.

الثالث: التعليق على الزمان: بأن يبيعه ولكن لأول الشهر، بأن يعلق العقد لذلك الوقت وفيه إشكال، وهذا يختلف عن إنشاء العقد الآن بأن يكون تنفيذ العقد في شهر كبيع السلم أو الدين.

الرابع: التعليق على أمر آخر غير معلوم، كأن يضمن المضمون عنه معلقاً على إمتلاكه المال في حسابه بقوله: أضمنه إن كان في حسابي مالاً أو معلقاً على رضا والده كأن يقول: أضمنه إن رضي والدي، فهل يتحقق الضمان في هذه الحالة أم لا؟

نحن نعتقد أن الضمان نقل للدين من ذمة إلى ذمة، من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وذهب مشهور العامة إلى أنه ضم ذمة إلى ذمة، وبناءً على مذهب الإمامية فهل تم هذا النقل بعقد معلّق أم لا؟

المشهور بطلان هذا الضمان، فالضمان المعلق بهذا النحو كلا ضمان، لأنه تعليق في العقد، ولا يصح التعليق في العقد لإشتراط التنجيز فيه لأن العقد إنشاء والإنشاء لا يصح مع التعليق.

لكن الحق أن الأمر ليس كذلك، ولذا ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الإنشاء خفيف المؤونة لأنه في عالم الإعتبار، فالله تبارك وتعالى يأمر بإقامة الصلاة لكن حين دلوك الشمس في قوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‌ غَسَقِ اللَّيْل‌[5] ، فهو أمرٌ ومتحقق لكن ظرف تعلقه دلوك الشمس، فحين الدلوك يجب الإمتثال، فلو كانت المرأة غير طاهرة لا يشملها الأمر وإن كانت مخاطبة قبل ذلك، فيمكن تعليق الإنشاء على الظرف تحقق المعلق عليه.

فمثلاً لو قال: أنا ضامن إن رضي والدي، فهو أنشأ الضمان وتحقق الضمان يكون في ظرف قبول الوالد، فهو ضمان في ظرف دون ظرف، وكما يجوز أن يضمن نصف الدين مجزئاً كذلك يجوز الضمان في ظرف معين.

وهذا ما يظهر من كلمات صاحب العروة، حيث قال في الشرط السابع أن التعليق في الضمان يبطله على المشهور ثم قال: "لكن لا دليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامة"[6] .[7]

فالعمومات تدل على صحة الضمان حتى المعلق على النحو المذكور، وهو مشمول بقوله تعالى: ﴿أوفو بالعقود﴾.

يبقى أن المشهور لم يستدلوا على إشتراط التنجيز في الضمان بغير الإجماع على إشتراطه في جميع العقود، وما ذكرناه من دعوى المنافاة بين التعليق والإنشاء، وقد ذكرنا أن الإنشاءات المعلقة كثيرة جداً فلا تنافي عقلاً ولا عرفاً بينهما إلا في بعض الصور، وأما الإجماع فلو ثبت في سائر العقود فدون إثباته في الضمان خرط القتاد، ولذا قال صاحب العروة: "و في الأول (أي الإجماع) منع تحققه في المقام"[8] .[9]

فتحصل أن شرط التنجيز لم يدل الدليل على إشتراطه في الضمان فالأصل عدمه وصحة الضمان المعلق على النحو المذكور، وسيأتي ما يفيد المقام في الدروس القادمة إن شاء الله تعالى.


[6] العروة الوثقى، السید کاظم الطباطبائی، ج2، ص762.
[8] العروة الوثقى، السید کاظم الطباطبائی، ج2، ص762.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo