< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم الترتيب بين الطواف والسعي
 يستفاد من القرآن الكريم أن الاعتكاف كان أمراً رائجاً بين المسلمين. قال الله تعالى في محكم كتابه: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِد [1] وهي أن ذكرت شرطاً من شرائط الاعتكاف لا الأمر به لكنها تفيد أنه كان أمراً سائداً عندهم.
 والاعتكاف كثيرا ما يشبه الإحرام ومناسك الحج، كما أن الحج يجرد الإنسان من عالم المارة ويوجهه أمام المعنى فكذلك الاعتكاف فيجدر بالإنسان إن يعمل بعد المستحب على الأقل مرة واحدة في حياته. والاعتكاف أقله ثلاثة أيام ويمكن أن يكون أكثر من ذلك ففي هذه الفترة يتأمل حياته ويأخذ قراراً لمستقبله ويفكر في الآفاق فأنه ورد: أَنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَة [2] .
 من بركات الثورة الإسلامية أحياء مراسيم الاعتكاف، في ما مضى من الأيام قلّ من يعتكف لأنه كان يوفى به في شهر رمضان المبارك وفيه تذهب الدعاة إلى الدعوة الإسلامية.
 فالاعتكاف في شهر رجب لم يكن معروفاً بين الناس، وهو يقع في المسجد والمراد من مسجد الجامع هو ذلك المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس، ولم يرد تأكيد على المسجد الجامع في حين الاعتكاف بل الوارد عنهم أن يقع في مسجد تقام فيه الجماعة.
 وأما بالنسبة إلى ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام): ورد عن سلمان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أَوَّلُكُمْ وُرُوداً عَلَيَّ الْحَوْضَ أَوَّلُكُمْ إِسْلَاماً عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [3] .
 وترتبط الجملتين أحدهما بالأخرى ويظهر منهما أن الأولية في الإسلام مما توجب الأولية في الدخول إلى الجنة.
 ومن الرموز هو حوض الكوثر ففي الجنة نهر يسمى بالكوثر ويرد عليه تأكيد على المسجد الجامع في حين الاعتكاف بل الوارد عنهم أن يقع في مسجد تقام فيه الجماعة.جد الذي تقام فيه الصلوات الخمس، ولم يردالمؤمنون ويسقون منه بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام).
 ما وصلنا إليه أن الإنسان عندما يخرج من عالم المادة فيه غَلّ يلزم أن يزال عنه حتى يرد الجنة.
 فقال عز من قائل: وَ نَزَعْنا ما في‌ صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى‌ سُرُرٍ مُتَقابِلينَ [4] .
 أي نحن نزع من صدورهم الغلّ وهو الحسد والضغن والكبر وغيره من القذارات المعنوية فيصبحون أخواناً متقابلين، من خصائص حوض الكوثر أنه يوجب الطهارة من هذه الأوساخ.
 وبناء عليه أن علياً (عليه السلام) هو الذي يزيل هذه الرذائل الأخلاقية بسقيه الناس من حوض الكوثر.
 * * *
 كان البحث في المسألة الرابعة من مسائل السعي وهي أنه هل يجب أن يكون ترتيب بين الطواف وصلاة الطواف والسعي ومن لم يلتزم بالترتيب فسعيه باطل أو لا؟
 أعلم أن ما دلّ على النهي في الشرائط والأجزاء في باب العبادات والمعاملات يحمل الحكم الوضعي إلاّ ما خرج بالدليل فقوله عز وجل: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [5] لا يدل على الحرمة التكليفية فحسب بل يدل على بطلان المعاملة أيضاً.
 وكذا نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فيما لو كان الثمن أو المتمّن مجهولاً، فهو كما يستفاد منه الحرمة التكليفية فكذلك يفيد فيه البيع أيضاً.
 وهكذا لو غسل يده اليسرى في الوضوء قبل اليمنى فوضوه باطل.
 كما أنه لو باشر المعتكف زوجته يحكم ببطلان اعتكافه لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‌ ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْع [6] لا يدل على فساد البيع حين النداء.
 من أين حصل هذا الظهور أي أن الظاهر من النهي هو الحرمة فليق في الأجزاء والشرائط دل على البطلان؟
 قلنا إنما حصل هذا الاستقراء أي كل من تتبع أبواب العبادات والمعاملات وقد تعلق بهما نهي، يرى فسادها ووجوب إعادتها.
 وهذا الاستقراء وأن لم يكن تاماً لكن يقابله عرف العقلاء فيرى حجة شرعية ليستند إليها ومن ثم يلزمه إعادة السعي في الحج والعمرة لو قدمه على الطواف.
 قد سبق منا أن للمسألة فرعين أحدهما أن يترك الطواف تاماً ويتوجه نحو السعي، يلزمه أن يعيد تمام السعي. لكن لو ترك بعض الطواف ودخل في السعي، عليه أن يترك السعي ويتم الطواف ثم يتم السعي.
 ومع ذلك اختلفوا في القسم الثاني على قولين:
 1ـ منهم من قال بإتمام الطواف ثم إتمام السعي فيما لو كان قد ترك الطواف في الشوط الرابع.
 2ـ وقال الآخر يجبر بأن الحكم المزبور مطلقا سواء كان بعد الشوط الرابع أو قبله.


[1] سورة البقرة، الآية: 187.
[2] الکافي، ج 2، ص 54، حدیث 2.
[3] بحار الأنوار، ج 38، ص 256.
[4] سورة الحجر، الآية: 47.
[5] سورة البقرة، الآية: 187.
[6] سورة الجمعة، الآية: 9.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo